الحكمة – متابعة: ما أن اقتربت الامتحانات النهائية حتى بدأ السباق المحموم لحجز مقعد عند هذا المدرس الخصوصي او ذاك لاسيما بالنسبة للمراحل الدراسية المنتهية، حيث تشكل الأجور التي تدفع للمدرسين الخصوصيين عبئا مضافا على مداخيل الكثير من العائلات التي تجد نفسها مضطرة لتحمله على أمل أن يحقق ابناؤها نتائج ممتازة تدعمها المعدلات العالية.
يقول زاهد سعدون مدير تربية الكرخ الاولى سابقا ومعاون مدير عام التدريب والتطوير التربوي:
“هذه المسألة مشكلة نعاني منها ونحث المدرسين على تجاوزها ويدخل فيها أمران: المدرس والطالب نفسه، حيث أن الطالب يدلل نفسه ولا يقرأ إلا أن يلقن الدرس تلقينا من المدرس وهذا حال اكثر الطلاب.”
ويضيف سعدون أن من الاسباب الأخرى لشيوع ظاهرة الدروس الخصوصية وعدم التحضير هو أن الطالب يبحث عن مدرس يشرح له مرة ثانية وهناك طلاب يدرسون نفس المادة على يد ثلاثة مدرسين، فالطالب لا يريد ان يقرأ ويبحث عمن يلقنه، وهذا الحال سببه الأهل لأنهم لم يعودوا الطفل الاعتماد على نفسه وعلى المتابعة وتجشم عناء الدراسة والفهم، ويخون المدرس في بعض الاحيان واجبه والأمانة التي على عاتقه عندما يدرس في الخصوصي أفضل مما يدرس في الصف، وهؤلاء قلة قليلة فهناك أعداد هائلة من المدرسين الذين يقومون بواجبهم بشكل صحيح، ونحن نحث المدرسين اثناء الزيارات الى المدارس على الاهتمام بالطلاب حتى لا يلجأ للتدريس الخصوصي، وقد شدد السيد وزير التربية على هذه الظاهرة وطالب من المدراء العامين أن يزودوه بأسماء المدرسين الذين يجبرون الطالب على الدروس الخصوصية وسينالون عقوبة شديدة وهي محاولة إصلاح العملية التربوية.
ويستدرك سعدون أن هناك سببا مهما آخر هو كثرة عدد الطلاب في الصف الواحد وهذا يدفع الطالب إلى البحث عن بديل لكي يفهم الدرس، ولا يستطيع المدرس كذلك تغطية الدرس بشكل جيد، وهذه مشكلة، ولذلك نطالب دائما ببناء مدارس كافية، وفتح التعيينات للمدرسين لتوفير عدد كاف من المدرسين وهذا يفتح المجال للطالب أن يفهم ويسأل، ولا يستعين بالدروس الخصوصية.
حلول ومعالجات
وعن الحلول التي يمكن من خلالها معالجة هذه الظاهرة قال سعدون:
يحتاج العلاج تدخل أكثر من جهة، وهناك عدة ملاحظات يمكن أن تحقق فائدةً، أولا: تهيئة المدارس، ثانيا: جعل الصف نموذجيا من حيث عدد الطلاب، ثالثا: تحميل المدرسة مسؤولية ذهاب الطالب الى التدريس الخصوصي، رابعا: على المدير متابعة المدرسين في صفوفهم، ومتابعة الطلاب في واجباتهم، وإلى شدة تطبيق القوانين المدرسية حتى لا يتسيب الطلاب.
وعن دور التدريب قال سعدون: نحن نتبنى اعداد وتدريب كل المدرسين والمعلمين والمشرفين حيث لدينا برنامج سنوي بإقامة دورات لتطويرهم ليكونوا قادرين على إيصال المعلومات، ولقد اتبعت وزارة التربية سياسة بالسماح لبعض المعاهد بافتتاح دورات تقوية للطلاب ونحن نفرض عليهم الا تكون المبالغ عالية ترهق العوائل بل مبالغ رمزية ويدرس فيها اساتذة من اصحاب الخبرة.
ويؤكد علي العيثاوي رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس محافظة بغداد بأنهم يرفضون التدريس الخصوصي في كل قطاع التربية حيث ان واجب المدرس ان يؤدي دوره اثناء عمله في المدرسة، وهذا بدوره يقلل من اعتماد الطالب على التدريس الخصوصي، وهناك معاهد مجازة يمكنً ان تحل محل التدريس الخصوصي، ونحن في مجلس محافظة بغداد نتخذ اجراء باي شكوى تردنا حول الخصوصي، وقد حاولت وزارة التربية ان تحد من ظاهرة التدريس الخصوصي عن طريق منح إجازات لفتح معاهد أهلية ونحن ندعم هذه المعاهد مادامت ضمن الضوابط.
ويقول القانوني خليل الجنابي: إن قانون وزارة التربية رقم 22 لسنة 2011 والمنشور على موقع وزارة التربية تنص المادة (3) – خامسا – تهيئة المعلمين والمدرسين والمشرفين التربويين والمسؤولين عن ادارة العملية التربوية والإشراف عليها وإعادة تدريبهم أثناء الخدمة وتطوير قدراتهم المهنية والعلمية .
وبحسب تقرير اليونسكو فإن العراق في فترة ما قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، كذلك كانت نسبة القادرين على القراءة والكتابة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عالية لكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار وانعدام للأمن، حيث وصلت نسبة الأمية حاليا إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث بالعراق.
آباء ومدرسون
وتقول ام تقى وهي أم لطالبات: ان الدروس الخصوصية تسبب ارباكا لجدول الطالب المزدحم وتشوش عليه فكره وتركيزه، فالتنقل بين بيوت المدرسين مضيعة للوقت، وكذلك تضيع أوقات الراحة على الطلبة، وتقلق العائلات نتيجة تأخر ابنائها الذين يتجولون في الشوارع المزدحمة طلبا للدروس الخصوصية. وتضيف ام طه ان الدروس الخصوصية انهكت ميزانية العائلة المالية مؤكدة ان ابنها لا يحظى بالمزيد من الراحة فهو يتنقل من مكان الى مكان في جولات متعددة وراء المدرسين فيفقد الانتباه والتركيز.
ويرى حاتم الراوي مدرس الرياضيات أنه اذا كانت المدرسة تلبي حاجة الطالب العلمية فلا حاجة للدروس الخصوصية ولكنها اصبحت واقع حال وموضة، ونحن نريد ان تقوم المدرسة بواجباتها عبر تهيئة اساتذة اكفاء وزيادة الحصص الأسبوعية لتغطية المادة واعطائها حقها وهذا يقلل من ذهاب الطالب الى مكان آخر للدراسة يكلفه الوقت والجهد والمال.
واضاف الراوي أن الدروس الخصوصية تؤثر في العملية التعليمية والتربوية، فالطالب لا يهتم للدرس ويعتمد على التدريس الخارجي، واما في الجانب التربوي فهناك عدد من الطلبة تسوء اخلاقهم في الصف لأنهم يشعرون انهم ليسوا بحاجة للمدرس لانهم يواصلون تعليمهم خارج نطاق المدرسة، كما ان الطالب ليس له حيلة اذا كان المدرس ضعيف الإمكانية كونه مستجدا او لديه معلومات قليلة ولا يعرف إيصال الفكرة.
وتقول المشرفة التربوية ايمان الاشعب: إن الدروس الخصوصية تعود الطالب على الكسل بسبب اعتماده على المدرس الخصوصي بشكل كبير، وتقلل من احترام الطالب للمدرس والدروس، وتسببت الدروس الخصوصية في تراجع المستوى العلمي للطلبة، وبعض المدرسين الخصوصيين يتعمدون عدم الاخلاص في المدارس الرسمية ليوجهوا الطلبة الى أخذ دروس خاصة في بيوتهم. الطالب احمد أكرم جابر طالب اعدادية قال :المدرسة لا تفي حق الدرس والطالب لا يفهم الفكرة فيضطر للذهاب الى دروس خصوصية لإكمال النقص كذلك كثرة أعداد الطلبة في الصف الواحد ووقت الدرس قليل مما يضطرنا للذهاب الى الدروس الخصوصية التي تضيف حملا ماليا زائدا على عوائلنا .
وتشير مدرسة اللغة العربية مروه ابراهيم الى ان تاثيرات هذه الظاهرة تتعدى الى إهمال الطالب لدور المدرسة التربوي والتعليمي فالطالب لا يرى المدرسة كما كنّا نراها في السابق بأنها المصدر الاول للتعليم والتربية وإنما هي أمر مفروض عليه فرضا.
وتقترح ابراهيم ان يتم الاهتمام بالمدرسة الى الدرجة التي تقنع الطالب بدورها، وان يعلم ان المدرسة شيء أساسي وان الدروس خارجها أيا كانت جودتها مكملة وليست أساسية.