أسبوع حزين في الكاظمية إحياءً لذكرى استشهاد الإمام الجواد(عليه السلام)
486
شارك
بغداد – فراس الكرباسي
يعيش المسلمون في العراق وفي أواخر شهر ذي القعدة أيامًا حزينة بسبب إحيائهم لذكرى استشهاد الإمام محمد الجواد (عليه السلام) وهو تاسع إمام لدى المسلمين من أئمة الهدى، وبهذه المناسبة استنفرت العتبة الكاظمية المقدسة والدوائر الخدمية والأمنية في مدينة الكاظمية بالعراق كامل طاقتها لاستقبال المعزين العراقيين والعرب والأجانب بهذه المناسبة الأليمة مع إقامة العديد من الفعاليات الثقافية كمجالس الوعظ والإرشاد ومجالس العزاء وتبديل راية الإمامين الكاظمين والتشييع الرمزي لنعش الإمام الجواد.
ولأجل أن تحظى الذكرى (1213) لاستشهاد شباب الأئمة الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام) بالاهتمام اللائق بها, أقامت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة/ قسم الثقافة والإعلام عرضاً مسرحياً بعنوان(دائرة الغدر) في ساحة باب المراد , وقد شارك في تجسيد الأدوار نخبة من كوادر ومنتسبي العتبة الكاظمية المقدسة والذين جسدوا في مشاهدها دور التفاني والبطولة والإباء الذي امتاز به الإمام الجواد(عليه السلام) ودوره الرسالي والجهادي والمنزلة العلمية من خلال دفاعه عن رسالة جده المصطفى(صلى الله عليه واله), كما جُسدت الوقائع الاستشهادية والمؤامرة التي حيكت على الإسلام باغتياله وحضر العرض جمهور من الزائرين الذين أبدوا إعجابهم واستحسانهم لهذا العمل. وعكست هذه الصورة التي قوامها الرقي والإبداع الواقع الحقيقي للتطور الثقافي الملموس التي تشهده العتبة الكاظمية المقدسة لنشر فكر وثقافة ونهج الأئمة المعصومين (عليهم السلام).
ومن هذه البقعة الطاهرة المفعمة بالقداسة والروحانية والإيمان، من دوحة رياض العلم والجود والشعر والأدب رحاب الكاظم والجواد(عليهما السلام), أقامت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة (الأمسية الشعرية) بمناسبة الذكرى الأليمة لاستشهاد كوكب من كواكب العترة المحمدية الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام) بحضور الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة الحاج فاضل الأنباري وأعضاء مجلس الإدارة ووفد العتبة الحسينية المقدسة ووفد العتبة العباسية المقدسة و الشخصيات العلمية والأدبية والاجتماعية وجمع من زائري الإمامين الجوادين(عليهما السلام), وشارك بهذه الأمسية نخبة من الشعراء والأدباء والمثقفين الذين عبروا في قصائدهم الغراء عن الدور الجهادي والرسالي للإمام الجواد(عليه السلام) وما تركه من إرثٍ خالد للأجيال والإنسانية واستهل افتتاح الأمسية بتلاوة آيٍ من الذكر الكريم شنف بها الحاج (منير عاشور) أسماع الحاضرين، بعدها ألقى الأستاذ الحاج فاضل الأنباري الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة كلمة بهذه المناسبة ، بعدها جادت قرائح الشعراء لتصدح حناجرهم وسط هذه الرحاب الطاهرة ليرفدوا بقصائدهم الخالدة المكتبة الإسلامية بشكل عام، ومكتبة أهل البيت(عليهم السلام) بشكلٍ خاص.
بعد ذلك، أقيمت في رحاب الصحن الكاظمي المطهر المراسم السنوية المعتادة لاستبدال الرايات الخضراء التي تخفق فوق القبتين الشامختين للإمامين الجوادين عليهما السلام برايات الحزن السوداء إيذانا ببدء أيام الحزن والأسى بمناسبة استشهاد شباب الأئمة الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام، في احتفالية كبيرة اختتمت بإنزال الرايات واستبدالها برايات الحزن والأسى السوداء، وتلت الاحتفالية بعد ذلك المحاضرة الدينية التي ألقاها القارئ الحسيني سماحة السيد محمد الصافي ثم ارتقى المنبر بعده الرادود الحاج باسم الكربلائي الذي شارك في إحياء هذه المناسبة الأليمة بعدد من قصائد الرثاء وسط حضور كثيف لزائري الإمامين الجوادين (عليهم السلام).
كما أقامت الأمانة العامة للعتبة الكاظمية المقدسة ندوة علمية بمناسبة ذكرى استشهاد تاسع الأنوار المحمدية الإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام، تحت شعار (الإمام محمد الجواد عليه السلام نبراس علم ورشاد)، وذلك في رحاب الصحن الكاظمي الشريف بحضور نخبة من العلماء والكتاب والباحثين وأساتذة الجامعات وجرى استضافة أربع شخصيات حوزوية وأكاديمية تلوا بحوثهم على الحضور وهم سماحة السيد محمد علي الحلو أستاذ في الحوزة العلمية والأستاذ الدكتور صالح مهدي عباس من جامعة بغداد- مركز إحياء التراث العلمي والعربي، والأستاذ المساعد الدكتور محمد محمود زوين من جامعة الكوفة – كلية الفقه – قسم علوم القرآن الكريم وسماحة السيد علاء الموسوي الأستاذ في الحوزة العلمية حيث سلطوا الضوء على مفهوم الإمامة المبكرة وفكر الإمام الجواد وعلمه وسيرته العطرة وأسلوب تربيته للأمة وعلاقته عليه السلام بالقرآن الكريم وتفسيره، واعتمدت هذه الندوة على فتح باب الحوار مع الحضور الكرام بعد انتهاء كل باحث من إلقاء محاضرته.
ومن أرض الغري مدينة العلم والعلماء والفقه والفقهاء، من روضة العز والإباء من مدينة أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام), البقعة الطاهرة المعطرة بأريج الولاية، جاءت على جناح الولاء والأسى جموع طيبة من خدمة ومنتسبي العتبة العلوية المقدسة ليواسوا النبي الأكرم(صلى الله عليه واله) وآل بيته الأطهار(عليهم السلام) ويشاركوا مع إخوانهم خدمة العتبة الكاظمية المقدسة في إحياء الذكرى الأليمة لاستشهاد تاسع أئمة الهدى الإمام محمد بن علي الجواد(عليه السلام), وذلك في مسيرة ولائية جابت رحاب الصحن الكاظمي الشريف، حيث ردد المعزون بهذا المصاب الجلل عبارات الحزن والعزاء، وقطعوا من خلالها العهد للإمامين الجوادين الهمامين(عليهم السلام) في المُضي على نهجهم القويم وسيرتهم المباركة.
كما زحفت جموع وحشود مؤمنة من أهالي ومواكب مدينة القاسم والتي تجسدت فيهم الصورة الحقيقة للموالين لأهل بيت النبوة (عليهم السلام) وتجديد العهد بهم والتمسك بخطهم الرسالي من خلال إحياء ذكرهم العطر وهم يرفعون رايات الحزن والأسى لإحياء مراسم المناسبة الأليمة لذكرى استشهاد تاسع أئمة الهدى الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) في أرض العصمة والإمامة مدينة الكاظمية المقدسة ويجددون العهد والولاء لإمامها الجواد (عليه السلام), وهم يقدمون آيات العزاء للإمامين الكاظمين(عليهم السلام) بهذا المصاب الجلل, و المضي والسير على نهجه القويم والاستلهام من فكره النير وسيرته المباركة, وكان في استقبالهم ومشاركتهم في إحياء هذه الشعائر خدمة الإمامين الجوادين(عليهم السلام) وهيئة المواكب الحسينية التي تضم المواكب الحسينية في مدينة الكاظمية المقدسة.
وجاء يوم الحزن الكبير وفي أجواء رفرفت عليها رايات الحزن السوداء، ووسط تدفق كثيف لزوار الإمامين الجوادين (عليهم السلام) الذين توافدوا على هذا المكان الطاهر لتقديم آيات الولاء والعزاء للإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) والإمام الحجة صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه) ومراجع الدين العظام بذكرى استشهاد الإمام محمد الجواد (عليه السلام) ، تواصلت في رحاب الصحن الكاظمي الشريف فقرات المنهاج الذي أعدّته العتبة الكاظمية المقدسة لإحياء هذه الذكرى الأليمة. فقد ارتقى المنبر الحسيني الشريف بعد صلاتي المغرب والعشاء مباشرة سماحة السيد محمد الصافي الذي ألقى محاضرة دينية إرشادية تطرّق فيها لصاحب الذكرى العطرة جواد الأئمة (عليه السلام) ومآثره العظيمة ومناقبه الربانية، تلاه الرادود الحاج باسم الكربلائي الذي أبكى عيون المؤمنين الذين هزّهم مصاب إمامهم الجواد (عليه السلام) تاسع الأنوار الإلهية، وقد اكتظ الصحن المبارك بجموع مواكب من مدينتي النجف وكربلاء قادمة من مدينتي العزة والشرف والكبرياء مدينة النجف الأشرف ومثوى إمام المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومدينة الشهادة كربلاء الحسين (عليه السلام) لمشاركة مدينة الكاظمية المقدسة بهذا المصاب الجلل، وقد استقبل المواكب المعزية عدد من السادة المسؤولين في العتبة الكاظمية المقدسة بكلمات الترحيب والمواساة.
وجاء يوم المصاب، وهو يوم حزين ومصاب جلل فجّر المآقي وأدمى القلوب وأحزن النفوس حيث توشح الكون بسربال الأسى لفقد جواده ومنار علمه ورمز إنسانيته وعنفوانه.. ألا وهو تاسع أقمار الإمامة المشرقة الإمام محمد بن علي الجواد، إمام أذهل عباقرة عصره من العلماء والفقهاء رغم صغر سنه، كيف لا وهو من آل البيت الذين زقوا العلم زقا فجده محمد المصطفى وعلي المرتضى وأمه فاطمة الزهراء (عليه السلام). حيث قرأ سماحة السيد محمد الصافي داخل الصحن الكاظمي الشريف في ذكرى استشهاد الإمام الجواد (عليه السلام) الذي يصادف الآخر من ذي القعدة القصة الكاملة لاستشهاده (عليه السلام) وسط حضور جماهيري واسع من الزائرين الذين توافدوا من شتى مناطق بغداد والمحافظات العراقية إلى هذا المكان المقدس. كما انطلقت الحشود المليونية الزاحفة نحو مرقد الإمام محمد بن علي الجواد (عليه السلام) في تشييع مهيب لنعشه الرمزي، وجابت هذه المسيرة الإيمانية أرجاء مدينة الكاظمية المقدسة متجهة صوب الصحن الكاظمي الشريف, لتجدد العهد لإمامها الجواد (عليه السلام) في السير على نهجه القويم والاستلهام من فكره وسيرته المباركة, وشارك في التشييع الأمين العام للعتبة الكاظمية المقدسة الحاج فاضل الأنباري وأعضاء مجلس الإدارة وخدمة الإمامين الجوادين (عليهم السلام) وهيئة المواكب الحسينية التي تضم المواكب الحسينية في مدينة الكاظمية المقدسة والمواكب التي جاءت من أرجاء مدن العراق ليرفعوا رايات الحزن والولاء للإمامين الجوادين (عليهم السلام), إضافة إلى العديد من الشخصيات الدينية والسياسية والاجتماعية وشيوخ العشائر ووجهاء مدينة الكاظمية المقدسة والحشود المليونية التي غصت بهم الطرق المؤدية للصحن الشريف حيث توافدت من مختلف محافظات العراق, وانطلقت مسيرة النعش الرمزي للإمام الجواد من بئر الإمام الجواد في شارع زين العابدين (عليه السلام) وصولاً إلى الحرم المقدس مرددين الهتافات والردّات التي تجسّد فيها دوره الرسالي في الدفاع عن رسالة المصطفى ومبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
والجدير ذكره بان الإمام محمّد بن علي الرضا (عليه السلام) ولد بالمدينة المنورة في العاشر من شهر رجب عام 195ﻫ، تولى الامامة منذ صغره حيث دامت امامته 17 سنة، حيث لقب بالجواد، والتقي، والقانع، والزكي، وباب المراد. وساهم الإمام الجواد (عليه السلام) في إغناء مدرسة أهل البيت عليهم السلام واستمرارها، وحفظ تراثها، وكان ذلك واضحاً مدّة إمامته، وقد امتازت هذه المرحلة من الإمامة بالاعتماد على الرواية والنصّ عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك الاستنباط والفهم من الكتاب والسنّة النبوية المباركة، وعاصر إمامنا الجواد من الملوك بقية ملك المأمون والمعتصم. وهاجر (عليه السلام) من المدينة المنورة إلى بغداد بأمر من المعتصم العباسي، وأقام فيها تحت الرقابة المشددة إلى أن توفي. وعلى الرغم من تعدد الروايات في كيفية شهادة الإمام الجواد (عليه السلام)، إلا أنَّ أغلبها تُجمِع على إنه اغتيل مسموماً في عمر يناهز الـ 25 سنة على يد زوجته أم الفضل بنت المأمون وبأمر من المعتصم العباسي في سنة 220هـ. فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يخرج حيًّا بين يدي ربه سبحانه وتعالى.