الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 30/شهر رمضان/1439هـ الموافق 15 /6 /2018م
367
شارك
كربلاء المقدسة – الحكمة : الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 30/شهر رمضان/1439هـ الموافق 15 /6 /2018م :
ايها الاخوة والاخوات:
ما إن يرحل عنّا موسم عبادي زاخر بالتقرب الى الله تعالى، إلا ويحل علينا موسم عبادي آخر، وقد يتساءل البعض ما هو الموسم العبادي الذي سيحل علينا يوم غد؟!
إنه عيد الفطر المبارك وقد عبّرنا عنه موسم عبادي وسيتضح ذلك من خلال الاحاديث الشريفة التي بينّت لنا كيف نعيش كيف نُحيي يوم العيد وفق ما يُحبه الله تعالى لا وِفق ما تحبهُ أنفسنا.
لاشك ان العيد ظاهرة اجتماعية تمارسها الكثير من الشعوب والامم حينما يحصل هناك نجاح وظفر وانجاز هناك نزعة إنسانية ان الانسان فرداً ومجتمعاً يريد ان يُعبر عن فرحته وابتهاجه وسروره بتحقيق ذلك النجاح والظفر والنصر وتارة قد يكون هذا النجاح والظفر والانتصار يتعلق بأصحاب دين معيّن او اصحاب قومية معينة او شعب معين.
نزعة انسانية لدى الانسان حينما يتحقق احد هذه الامور تنزع نفسه فرداً ومجتمعاً ان يعبّر عن الابتهاج والفرح والسرور بتحقيق ذلك النصر والظفر، هذا عيدٌ لدى المجتمعات الانسانية بصورة عامة.
ولكن ما هو الفرق بين العيد وفق المفهوم والنظرة الاسلامية والعيد لدى الامم والشعوب الاخرى هذا ما نستكشفه من خلال الروايات الشريفة التي وردت لنا عن المعصومين (عليهم السلام).
ما هو الظفر وما هو النجاح وما هو الانتصار الذي حققناه في شهر رمضان حتى نحتفل بهذا النصر؟؟!!
لاحظوا ايها الاخوة والاخوات شهر رمضان موسم عبادي كامل ومُحكم يتصف بالغزارة والغِنى بالجوانب العبادية والروحية، من جهة يريد الله تعالى ان تقوى ارادة الانسان المؤمن ويكون صلباً أمام الشهوات والغرائز والمحرمات، يريد منه ان يحصّل ملكة التقوى ويريد منه ان يحصّل الاخلاق الحميدة ويريد منه ان يكون له قلب رحيم عطوف حنون يتحلى بهذه الصفات ويتحسسها ازاء الفقراء والمحرومين ففرض عليه الجوع والعطش لكي يتحسس معاناة الفقراء.
هل هناك من الناس من يعيش هذه المعاناة؟! نعم هناك الكثير ممن لا يجد عند افطاره شيئاً من الطعام يشبع جوعته، أراد الله من المتمكن ان يتحسس هذه الآلام فينطلق قلبه بالرحمة نحو الطبقات الفقيرة والمسحوقة، اراد الله تعالى من الصيام ان ننتقل بأرواحنا وقلوبنا الى عوالم الاخرة، هناك في الاخرة جوع وعطش أشد من العطش والجوع الذي نعيشه هذه الآيام وغير ذلك من هذه الامور، وينتصر فيها الانسان المؤمن على الشيطان وعلى شهواته ورغباته، وما أعظم هذا الانتصار الذي يحقق ملكة التقوى.
في آخر يوم المؤمن والامّة المؤمنة وُفقوا ان أتمّوا واكملوا هذا الموسم العبادي بنجاح، نفوسهم تنزع كبقية البشر ان يعبّروا نحن اتممنا وأكملنا وانتصرنا على شهواتنا وشيطاننا نريد ان نعبّر عن فرحنا وابتهاجنا بهذا النصر والظفر.
يقول المشرّع الإسلامي نعم لكم الحق في ذلك أنتم كبقية البشر تريدون ان تعبّروا عن فرحتكم ولكن التفتوا وتنبهوا لا تكونوا كبعض الشعوب التي تعبّر وتفرح وتعبّر عن فرحها وابتهاجها بأمور محرّمة وبأمور عبثية تخلوا من الهدف، الله تعالى يقول اريد منكم ان تفرحوا وتبتهجوا ولكن لابد ان يكون هذا الفرح والابتهاج بهدف وغاية تتعلق بديمومة الوصول الى التقوى و بديمومة الاتصال بالله تعالى، لذلك يقول الله تعالى سأجعل من عيد فطركم موسم عبادياً آخر لكي تدوم حالة التواصل مع الله تعالى وتدوم ملكة التقوى.
حصنّوا فرحكم من ان يكون بلا هدف وبلا غاية، التفتوا من بعض الممارسات التي تكون لدى الاخرين في التعبير عن فرحهم وابتهاجهم بأمور محرّمة، انتم مؤمنون لابد ان تكونوا حتى في تعبيركم عن فرحكم وابتهاجكم بما يرضي الله تعالى وان لا يكون عبثياً ولابد ان يكون هادفاً وله غاية تتناسب وتتوافق مع الغاية من خلقكم.
لذلك العيد في الاسلام له نشأة وله مفهوم وله غاية وله هدف وعلينا ان نفهم ما هي نشأة العيد في الإسلام وما هي الغاية التي ارادها الله تعالى ان نصل إليها، لذلك وضع لنا مراسم العيد، كيف نحيي ونعيش هذا العيد عيد الفطر وبقية الأعياد.
الائمة عليهم السلام لم يتركوا هذا الامر من دون توضيح وتفصيل بل بيّنوا من خلال الاحاديث التي وردت كيف نعيش هذا العيد.
أولها ان يعيش الانسان المؤمن حالة الخوف والقلق والتوجّس لا يدري أقُبل منه الصيام حتى يشكر الله تعالى أم لم يُقبل منه الصيام حتى يستغفر الله تعالى ويطلب منه العفو، لا يكون الانسان المؤمن فرحاً حينما يَحلُ عليه يوم العيد..نعم ،فرحٌ بمعنى آخر، لا يكون فرحاً انه انتهى شهر الصيام وانا أكملت الصيام وقد انتهى كل شيء وقد قُبل منّي الصيام وسُجّل لي وانتهى كل شيء وسقط عنّي هذا التكليف بجميع آثاره.
لذلك في احدى خُطب أمير المؤمنين (عليه السلام) يبين هذا المعنى، وكذلك الامام الحسن (عليه السلام) في احدى الروايات التي وردت انه مرَّ الامام الحسن (عليه السلام) في يوم عيد الفطر بقوم يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم فقال: (إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه، يستبقون فيه بطاعته الى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب – كل العجب- من ضاحك لاعب في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون، وأيم الله لو كشف الله الغطاء لعلموا أن المحسن مشغول بإحسانه، والمسيء مشغول بإساءته).
لذلك حالنا اخواني إمّا ان الله تعالى قبَلَ صيامنا فعلينا ان نشكره، واما انّه لم يقبل صيامنا لإساءتنا فعلينا ان نستغفر الله تعالى والاستغفار الحقيقي ان يتحرق القلب ويعيش حرقة الندم على ما صدر منهُ من التفريط.
ايضاً من الامور المهمة ايها الاخوة والاخوات علينا ان نلتفت اليها ونعيشها ونتحسسها في بداية يوم العيد حينما تخرجون ان شاء الله تعالى من منازلكم الى مواقع صلاة العيد والى مرقد الامام الحسين (عليه السلام) للزيارة.
التفتوا اخواني في كل الممارسات العبادية الله تعالى من جملة الاهداف العظيمة وعلى رأسها اراد ان يذكّر الانسان دائماً بأهوال يوم القيامة ويذكره بالآخرة وان يعيش المؤمن دائماً الحالة التي يكون عليها في عرصات يوم القيامة، في يوم العيد لا تنسوا يوم القيامة ولا تنسوا أهوال الآخرة، حينما تخرج من منزلك لكي تأتي وتصلي صلاة العيد وانتم تأتون جماعات من البيوت الى هذه الاماكن، ماذا ينبغي ان يكون شعوركم واحساسكم.
لاحظوا امير المؤمنين (عليه السلام) في خطبة عيد الفطر: (أيها الناس إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون وهو أشبه بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم الى مصلاّكم خروجكم من الأجداث الى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم الى منازلكم رجوعكم الى منازلكم في الجنة او النار، واعلموا – عباد الله- إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا – عباد الله- فقد غُفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون)..
ايضاً من الامور المهمة اخواني في يوم العيد والتي نأمل منكم ان تجتهدوا في تطبيقها، لماذا اراد وحث الاسلام ان تكون صلاة العيد جماعة، لاحظوا اخواني الانسان بطبعه حينما يعيش اجواء الفرح والسرور ينفتح قلبه على اخيه فينسى ما بينه وبين اخيه من مشكلة وتجاوز واساءة ويبتدئ فيلقى اخاه بالمصافحة والمعانقة والسماح له والمغفرة لما صدر منه وبالتالي عودة العلاقة الطيبة بين المؤمنين وفي نفس الوقت هذا التصافح والتعانق والتلاقي يقوي الآصرة الاجتماعية، هذه الاجواء هي أدعى وأقوى في تنقية العلاقات الاجتماعية بين المؤمنين فيتماسكوا وتتراص صفوفهم وتقوى علاقاتهم الاجتماعية.
لذلك ايها الاخوة والاخوات حينما تتوجهون الى صلاتكم وحينما تسيرون في الشوارع وتلتقون في البيوت تصافحوا وتعانقوا، الذي بينه وبين مؤمن آخر من تعكر للعلاقة او حصلت بينه وبين الاخر اساءة او تجاوز وبينهما تقاطع وهجران وتدابر ان يلاقي اخاه ويبتدئ بمصافحته ومعانقته لكي يسود الانسجام والايمان بين المؤمنين وتقوى العلاقات هكذا اراد الله تعالى ان نُحيي يوم عيد الفطر بهذه الاجواء التي تصفى فيه القلوب.
ايها الاخوة والاخوات حينما تبتدأوا يوم عيدكم ابتدأوا بالنظر الى قلوبكم اولاً.
هل تجدوا فيها شيئاً من الحسد فحاولوا ان تقلعوه هل تجدوا فيها شيئاً من النفاق ان تواجه اخيك المؤمن بابتسامة ولسان طيب الكلام ولكن تُضمر في قلبك شيئاً من العداوة والكُره اليه واذا تركك سلقته بلسان حاد من الغيبة والنميمة والطعن، هل تجد في قلبك شيئاً من هذا وربما الكثير منّا يشتمل على هذه الصفة، اسعى بقلع هذه الصفة الذميمة التي لا تتناسب مع حقيقة الانسان الصائم الذي ينبغي ان يكون صومه كما يُحبه الله تبارك وتعالى.
ففي يوم العيد انظر ابتداءً الى قلبك وطهره من مذام الصفات التي تنتج الكثير من الافعال والسلوكيات الذميمة لذلك ليكن يوم عيد فطرنا يوم تحابب وتلاقي وتوادد وتصافي في العلاقات بيننا وبين المؤمنين وخصوصا الارحام واهل الفضل واهل العلم والتقوى.
وايضاً ننبه الاخوة المؤمنين ان هناك من رجالنا الابطال الذي ضحّوا من أجل ان يدوم هذا المجمع ومن اجل ان يبقى هذا الاجتماع الايماني ومن اجل ان تُحفظ مقدساتنا وان تُصان أعراضنا، اولئك هُم الشُهداء الأبرار.
عليكم اخواني ان لا تنسوا عوائل هؤلاء الابطال، فإنهم في هذا اليوم كانت في السنين السابقة تحوطهم الفرحة والبهجة والسرور ان رب العائلة وان كفيل العائلة وان حامي العائلة يعيش بين أظهرهم، الآن يلتفتون يمنة ويسرة فإذا هذا رب العائلة وكافل العائلة تحت التراب مضى شهيداً مضرجاً بدمائه من أجلنا ومن اجل مقدساتنا واعراضنا فهؤلاء الشهداء وهؤلاء العوائل والايتام وهؤلاء النسوة والرجال الذين انتجوا بتربيتهم ودينهم هؤلاء الابطال الذين ضحّوا لهم حق عظيم علينا..
فينبغي للإخوة المؤمنين والمؤمنات ان يلاحظوا ويُراعوا في يوم عيدهم زيارة تفقد عوائل الشهداء وعوائل الايتام ويحوطوهم بالبسمة والرعاية والتكريم والتحسيس لهم انه اذا كان رب العائلة واحدٌ قد ذهب فهناك العشرات من الاباء الذين سيحفظون لهذه العائلة رعايتها فإن الله تعالى جعل نفسه خليفة على عائلة الشهيد فمن أرضاهم فقد ارضى الله تعالى وهذه الرعاية والكفالة والاحتضان لهؤلاء لاشك انها تُرضي الله تعالى فكونوا على يقظة وتنبه مما هو مهم وما يحبه الله تعالى لكم..
نسأل الله تعالى ان يوفقنا لما يرضيه وان يجنبنا معاصيه والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.