أرز العنبر يختفي من تربة العراق هذا العام!
الحكمة – متابعة : يقف المزارع أمجد الخزعلي أمام منزله في الديوانية في جنوب العراق، واضعا يديه على خاصرتيه، ومحدقا بحزن في أرض شاسعة ورثها عن أجداده، صارت بورا نتيجة حظر الدولة لزراعة الأرز بسبب الجفاف الشديد.
هي المرة الأولى التي لن يتمكن فيها الخزعلي هذا الموسم من زراعة أرز “العنبر” الأكثر شهرة في المنطقة الجنوبية من العراق منذ قرون، وسمي بهذا الإسم لرائحته المشابهة للعنبر.
ويقول الخزعلي بجلابيته وكوفيته البيضاء والسوداء “لا أطيق النظر إلى أرضي وتربتها لا تعانق العنبر (…) هكذا اعتدنا منذ مئات السنين حين كان الأجداد يزرعونها”.
ويملك الخزعلي مع أبناء عمومته قرابة 800 دونم زراعي (ما يقارب مليوني متر مربع وفق مقاييس العراق)، في قرية أبو تبن بناحية غماس غرب الديوانية، وتسمى شلبية أي مخصصة لزراعة الأرز، ويعود تاريخ ملكيتها إلى زمن الاحتلال العثماني.
وأعلنت وزارة الزراعة العراقية في حزيران/يونيو حظر زراعة الأرز والذرة وبعض المحاصيل الأخرى التي تحتاج إلى الكثير من المياه.
ويشير مدير عام الزراعة في الديوانية صفاء الجنابي إلى أن الخسارة المالية لمزارعي الأرز هؤلاء الذين يجنون ربحا يتراوح بين 300 و400 ألف دينار (240 إلى 400 دولار) للدونم الواحد (2500 متر مربع)، كبيرة جدا.
ويؤكد أن خسارة محافظة الديوانية لهذا الموسم بسبب عدم زراعة الأرز، تقدر بـ50 مليار دينار عراقي (40 مليون دولار).
وينتج العراق مئة ألف طن من الأرز سنويا، 35 في المئة منها أرز العنبر الذي يزرع أكثر من 70 في المئة منه في محافظتي الديوانية والنجف الجنوبيتين.
ويسمّي العراقيون أرز العنبر بـ”التمّن الملكي”. وتمّن هو اسم الأرز في العراق.
ويوضح الخزعلي أن العنبر صديق النهر، فهو “يسقى من ماء نهر الفرات العذب التي تعطيه رائحة زكية يمكن أن تشمّها على بعد كيلومترات عدة”.
تبدأ زراعة الأرز من 15 أيار/مايو حتى الأول من تموز/يوليو، ويستمر الموسم قرابة الستة أشهر حتى أواخر تشرين الأول/أكتوبر.
ومن بين آلاف مزارعي الأرز في الديوانية، 267 منهم فقط يزرعون العنبر.
وتقع تلك الأراضي الزراعية على طريق مدينتي كربلاء والنجف المقدستين، وبالتالي يقصد زوار الشيعة المتاجر خلال المناسبات الدينية لشراء هذا النوع من الأرز.
ويقول المتحدث باسم وزارة الزراعة العراقية حميد النايف “وضعت الوزارة خطة لموسم الصيف بواقع مليون و400 ألف دونم لجميع المحاصيل الزراعية الصيفية ضمنها المحاصيل الإستراتيجية كالأرز والذرة”.
لكنه يلفت إلى أن “وزارة الموارد المائية أبلغتنا بعدم توفر الكميات الكافية من المياه لهذه المحاصيل المهمة بسبب شح المياه”.
ويعيش العراق الذي يسمى “بلاد ما بين النهرين” لمرور نهري دجلة والفرات فيه، انخفاضا في مستوى المياه منذ سنوات.
ولهذا، أوعزت الوزارة للمزارعين بعدم زراعة الأرز والذرة الصفراء والبيضاء والقطن والسمسم والدخن وزهرة الشمس. وتقدر الخطة الصيفية حاليا بمساحة 600 ألف دونم وتمثل أقل من 50% من الخطة السابقة، وخصصت لزراعة الخضروات ومحاصيل أخرى وتخصيص حصة مائية لبساتين النخيل، بحسب النايف.
ويوضح المتحدث أن رئيس الوزراء حيدر العبادي وعد بتعويض المزارعين، وخصوصا مزارعي الأرز، كونهم يعتمدون على هذه الزراعة بشكل رئيسي، كي لا تطالهم خسائر مالية.
لكن الخزعلي متشائم حيال ذلك. ويقول “زراعة الأرز تُعد الدخل الرئيسي لمزارعي هذه المناطق، لكن بعد المنع الأخير الذي سيسبب لنا ولعوائلنا خسائر كبيرة وربما نضطر إلى هجرة الزراعة بل حتى المدينة كون أراضينا لا يمكن أن يزرع فيها إلا الأرز”.
ويضيف “لا نجيد زراعة محاصيل أخرى. حاول بعض المزارعين زراعة الأرز، لكن وزارة الري قامت برفع مضخات الماء الخاصة بهم وصادراتها وأتلفت المحصول”.
ون نيوز