في ذكرى شهادة جعفر الطيار(رض)

419

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد

لما التقى الناس بمؤتة جلس النبي (صلى الله عليه وآله) على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معتركهم وأخذ يحدث المسلمين إلى أن قال: ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب، فجاءه الشيطان فمناه الحياة وكره إليه الموت فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا، ثم مضى حتى استشهد فصلى عليه ودعا له ثم قال: استغفروا لأخيكم فإنه شهيد دخل الجنة فهو يطير في الجنة بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة.

وفي الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: لقد رأيته في الجنة – يعني جعفرَ – له جناحان مضرجان بالدماء مصبوغ القوادم، وفي حديث آخر: إن لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة.

وروي أيضاً أن النبي (صلى الله عليه وآله) نعى جعفر وزيداً قبل أن يجيء إليه خبرهما، نعاهما وعيناه تذرفان. وقال (صلى الله عليه وآله): اللهم اخلف جعفرَ في أهله كما خلفت عبداً من عبادك الصالحين.

ولما أتى النبي (صلى الله عليه وآله) نعي جعفر (رضي الله عنه) أتى إلى امرأته أسماء بنت عُميس فعزّاها في زوجها جعفر (رضي الله عنه) ودخلت فاطمة (عليها السلام) وهي تبكي وتقول: واعماه، فقال (صلى الله عليه وآله): (على مثل جعفر فلتبك البواكي).

وفي الاستيعاب (ج1، ص 548): أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نعي جعفر وزيد بن حارثة، فبكى وقال: أخواي ومؤنساي ومحدثاي.

وفي الإصابة (ج1، ص 238): كان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويخدمهم ويخدمونه، يحدثهم ويحدثونه فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكنيه (أبا المساكين)، وفي مقاتل الطالبيين عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:

خير الناس حمزة وجعفر وعلي.

وينقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج3، ص 406): عن عبد الله بن جعفر حيث يقول: أنا أحفظ حين دخل النبي على أمي فنعى إليها أبي فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال: اللهم أن جعفر قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته.

ثم قال: يا أسماء ألا أبشرك؟ قالت: بلى بأبي وأمي، قال: فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة. قالت: بأبي وأمي فأعلم الناس بذلك. فقام وأخذ بيدي يمسح بيده على رأسي حتى رقى على المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى وإن الحزن ليعرف عليه فتكلم فقال: (إن المرء كثير بأخيه وابن عمه ألا إن جعفر قد استشهد وقد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة).

ثم نزل فدخل بيته وأدخلني وأمر بطعام فصنع لنا وأرسل إلى أخي فتغدينا عنده غداءً طيباً عمدت سلمى خادمته إلى شعير تطحنه ثم نسفته ثم أنضجته وأدمته بزيت وجعلت عليه فلفلاً فتغديت أنا وأخي معه وأقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه ثم أرجعنا إلى بيتنا وأتاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك وأنا أساوم في شاة، فقال: (اللهم بارك له في صفقته)، فو الله ما بعت شيئاً ولا اشتريت إلا بورك فيه.

وفي الحديث عن العباس بن موسى بن جعفر (عليه السلام)، قال: سألت أبي عن المآتم، فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما انتهى إليه قتل جعفر (رضي الله عنه)، دخل على أسماء بنت عُميس امرأة جعفر، فقال: أين بنيّ فدعت بهم وهم ثلاثة عبد الله وعون ومحمد فمسح رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رؤوسهم فقالت: إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام فتعجب رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عقلها، فقال: يا أسماء ألم تعلمي أن جعفر (رضي الله عنه) استشهد. فبكت فقال (صلى الله عليه وآله): لا تبكي فإن جبرائيل (عليه السلام)، أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر، فقالت: يا رسول الله لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله من عقلها ثم قال (صلى الله عليه وآله): (ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً).

هكذا انطوت صفحة مشرقة من صفحات تاريخنا الإسلامي متمثلة في سير الشهيد جعفر الطيار (رضي الله عنه)، فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*