الحكمة – متابعة: تلاشت الفرحة التي عاشها الخمسيني احمد طالب بعد عدة ايام من استعماله للدواء الذي وصفه الطبيب، فقد تبين ان ذلك الدواء ضعيف التأثير، وقد عادت ازمته الصحية للتفاقم من جديد، ويقول طالب: إن الطبيب قال انه سيكتب لي اقراصا جديدة من منشأ غير المنشأ الذي كان يصفه لي في المرات السابقة، وأكد ان الاقراص الجديدة لها نفس التأثير العلاجي للدواء السابق، وعلاوة على ذلك ان هذه الاقراص أقل سعرا، وأكثر توفرا في الصيدليات.
وأضاف الرجل الخمسيني والامتعاض باد على محياه أن الطبيب أكد ان هذه الاقراص من منشأ عالمي معروف، وان وصولها للصيدليات في هذا الوقت، وبسعر رخيص نسبيا جاء رحمة للكثير من المرضى الذين يتطلب علاجهم المزيد من الوقت، لكنني عندما استعملتها لم يكن تأثيرها مجديا ولا نافعا، ويبدو ان الطبيب يروج لذلك الدواء، أو أنه يحاول تجربة مدى تأثيره في العلاج عبر وصفه لمرضاه، وانا واحد منهم.
منافع الترويج
ويقول يوسف حسن الذي يعمل مندوبا لشركة أدوية إن الطبيب هو الملك لأنه هو الذي يحرك الأدوية ويسحب الدواء من المذخر ليحصل مقابل ذلك على الهدايا أو المال أو السفرات والرحلات إلى المنتجعات، وقد يتلقى مقابل ذلك دعوات لمؤتمرات علمية أيضا، وهذا بالتأكيد سيعجل في تسويق الدواء من دون الرجوع لفعاليته وفائدته ويمثل بالتالي عدم الاهتمام بصحة المريض، فتتحول العملية من إنسانية بحتة إلى تجارية مفرطة.
ويتساءل حسن الذي اضطر للعمل في هذا المجال لعدم حصوله على عمل آخر، كيف يمكن أن تتحقق الثقة بطبيب يتلقى الهدايا لكتابة نوع من الدواء لا ينفع المريض ولا يزيل اوجاعه؟
ويضيف حسن أن هناك الكثير من الأطباء الذين تم تزويدهم بمعلومات مغلوطة عن بعض الادوية فتحول المرضى الى ضحايا، والى حقول تجارب تعطى لهم الادوية لمعرفة مدى تأثيرها عليهم وهذا مناف لأهداف مهنة الطب السامية.
ويقول أيسر محمد الذي امضى تسع سنوات بمذاخر الأدوية وتركها لظروف خاصة:
كلما زادت قيمة الهدايا والعطايا التي يحصل عليها الطبيب، زاد في وصف أدوية محددة للمرضى، فالأطباء هم من يحركون سوق الادوية، وهم من يجعلون هذا الدواء او ذاك رائجا ومطلوبا، وقد يعمد بعضهم الى وصف ادوية غالية الثمن للمرضى من دون الحاجة اليها أحيانا. ومن دون الاهتمام بكفاءتها، واغلب الأدوية التي يتم الترويج لها قد لا تكون هي الأفضل.
سيد الموقف
ويؤكد الطبيب اوس الحميد أن جشع الطرفین هو سید الموقف، ولا يتصور أحد أنه بعید عن الأزمة، ومن أجل أن تكتمل المسرحیة بنجاح فلا بد من وجود الكومبارس. والمشاهدون هم في الحقیقة صغار الأطباء أو صغار كبار الأطباء الذين يحصلون على الفتات من الكعكة الكبیرة، وهم يتصورون أنهم أصبحوا كبارا لأنه تمت دعوتهم لأحد المؤتمرات أو أحد الحفلات، والأمر لا يعدو أن يكون ذرا للرماد في العیون حتى يستطیع الكبار أن يأكلوا وهم في مأمن، لأن باقي الحضور يمثلون الخلفیة والستار للمشهد حتى لا يصبح الأمر مفضوحا، ولذا فمن يخدع نفسه أو يمنیها بأنه لا علاقة له بهذا الفساد أو أنه لا يكتب الدواء أو أنه لا يطلب من شركات الأدوية، وأنهم يدعونه لسواد عینیه وحبهم له، فإنه يحمي نفسه بنوع من التبرير، لأنه لو تمعن في الصورة بصدق مع النفس لأدرك أنه لا يغني عن الموضوع شیئا وقد يكون مجرد مسمار صغیر في آلة الفساد الكبیرة، وأن مسؤولیته عن ذلك قائمة مهما حاول الإنكار أو التهرب.
وبحسب ما منشور عن تسويق الادوية في الانترنت فان العديد من الدول تضع حدودا لمنع الدعاية المقدمة من شركات الأدوية، لأن ميزانية شركات الأدوية في مجال التسويق تتجاوز ميزانيتها في البحث العلمي، فكندا انفقت حوالي 1,7 مليار دولار في العام 2004 في مجال تسويق الأدوية للأطباء، وفي الولايات المتحدة تم إنفاق مليار دولار في العام 2002 ، وما يقارب 29,9 مليار دولار في العام 2005 في المجال نفسه، ويتضح من انفاق هذه المبالغ ما يلي: 56٪ خاص بالعينات المجانية ، 25٪ لمندوبي المبيعات (المتخصصين في مباشرة ترويج الأدوية ) إلى الأطباء،12 ٪ للمباشرة في الإعلانات، 4 ٪ للمستشفيات ,2 ٪ لإعلانات المجلات، وهناك بعض الأدلة التي توضح أن تسويق الأدوية يمكن أن يؤثر سلبا في المرضى والعاملين في مهنة الرعاية الصحية.
صورة أخرى
وتحدث طبيب عن الموضوع طالبا عدم الاشارة الى اسمه بالقول:
ليس هناك اتصال بين شركات صنع الأدوية والاطباء، فاغلب هذه الشركات عربية واجنبية وتتعامل مباشرة مع شركات استيراد وتصدير خاصة في هذا المجال، وقد يكون لها مكاتب لتسويق منتجاتها، وتتواصل تلك المكاتب مع مالكي مذاخر الأدوية الذين لهم علاقة بأصحاب الصيدليات، ثم يأتي دور الطبيب الذي تخضع علاقته بهم الى محاولة تقديم الافضل للمرضى عن طريق تبادل الآراء بشأن الأدوية الجديدة سواء من حيث منشئها أو جرعتها أو نسب تركيبها.
ويؤكد الطبيب على حد علمي لم اسمع ان طبيبا عراقيا دُعي لمؤتمر علمي بدفع من شركات تصنيع الأدوية، فالمؤتمرات العلمية لها ضوابطها وشروطها، وهي تدعو اصحاب البحوث والدراسات المبدعة في عالم الطب، وليس من يروجون لأدوية من اجل بيع كميات كبيرة منها.
بعض الحلول
وترى الباحثة الاجتماعية سميرة حميد أنه علينا العودة إلى أصل العلاقة بین الطبیب وشركة الأدوية، العلاقة العلمیة الصريحة الواضحة الخالیة من أي مؤثرات، المندوب يشرح الدواء في زيارات ويتفق على عددها حتى لا تثقل الطبیب، لا هدايا من أي نوع ولا تحت أي مسمى…
وبحسب المتعارف عليه فان هذه الوسائل ممنوعة طبقا لمیثاق وقانون الصیادلة الذي ينص على حظر الدعاية للدواء بأي وسیلة، أي إن المسموح به فقط هو الشرح المباشر لطبیعة الدواء وطريقة عمله بدون أي مؤثرات أخرى، ويمكن جمع الاطباء في محاضرة علمية من قبل مندوب الشركة ويكون المقابل لرعاية الشركة للقاء هو تأجیر المكان ولا يكون للشركة علاقة بدعوة الأطباء واختیارهم للحضور أو بعمل عشاء أو غیره للأطباء، حیث إن الأصل في الدعوة للمحاضرات والندوات أنها عامة حیث إن عدد الحضور في هذه الحالة لن يكون له تأثیر لعدم وجود تكلفة إضافیة.
ويكون هناك تكافؤ للفرص بین الجمیع، ويحظر تماما اتصال شركات الأدوية بالأطباء أو دعوتهم، ويسمح لشركات الأدوية نتیجة المقابل المادي المدفوع لدعم المؤتمرات بالتواجد في أروقة المؤتمر في مساحات مخصصة للإعلام، ويحظر استخدام الأسالیب التجارية ويقتصر الإعلام على وجود الدواء بالأوراق العلمیة وتخصص لهم جلسات للدعاية يقوم بها مندوبو الشركات ويحظر تماما على الأساتذة وغیرهم القیام بهذا الأمر، بحیث تستقل الجلسات العلمیة تماما عن جلسات الدعاية ويكون هذا واضحا ومعروفا للجمیع.