الثاني والعشرون من شهر ذي الحجة الحرام ذكرى شهادة ميثم التمار

361

هو ميثم بن يحيى التمار، من خواص اصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن صفوتهم، بل من حواريه، وقد علمه عليه السلام من العلم حسب استعداده وقابليته وأخبره بالاسرار الخفية والأخبار الغيبة، وكان ميثم يخبر بتلك الاخبار في بعض الاحيان.
ويكفي في فضله قوله لابن عباس: اسئلني ما بدا لك من تفسير القرآن فاني قد قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام فعلمني تأويله، وابن عباس لم يستنكف من هذا الامر بل قام وجاء بقلم ودواة كي يكتب ما يقوله ميثم.

ميثم العالم الزاهد:
وكان رحمه الله من الزهاد، وممن يبست عليهم جلودهم من العبادة والزهد، وروي عن أبي خالد التمار قال: كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة فهبت ريح وهو في سفينة من سفن الرومان، قال: فخرج فنظر إلى الريح، فقال: شدوا برأس سفينتكم إن هذه ريح عاصف مات معاوية الساعة.
قال: فلما كانت الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام فلقيته فاستخبرته، فقلت له: يا عبد الله ما الخبر؟ قال: الناس على أحسن الحال، توفي أمير المؤمنين (معاوية) وبايع الناس يزيد، قلت: أي يوم توفي؟ قال: يوم الجمعة.

صحبته مع الأمير:
روى الشهيد الأول محمد بن مكي رضوان الله عليه عن ميثم عليه الرحمه قال ما مضمونه: أخرجني أمير المؤمنين عليه السلام معه في بعض الليالي من الكوفة فذهبنا إلى مسجد الجعفي، فاستقبل القبلة وصلى أربع ركعات فلما سلم وسبح بسط يديه وقال:
«إلهي كيف أدعوك وقد عصيتك وكيف لا أدعوك وقد عرفتك وحبك في قلبي مكين، مددت إليك يداً بالذنوب مملوءة وعيناً بالرجاء ممدودة، إلهي أنت مالك العطايا وأنا أسير الخطايا… إلخ».
ثم سجد عليه السلام ووضع جبهته على التراب وقال مائة مرة «العفو، العفو…» ثم قام وخرج من المسجد فلحقته حتى وصلنا إلى الصحراء فخط لي خطا وأمرني أن لا أخرج منه وكان ليلاً مظلماً جداً، فقلت في نفسي: تركت مولاك في هذه الصحراء القفرة مع كثرة أعدائه فما عذرك لدى الله ورسوله، فو الله لأذهب في أثره وأحرسه وان كنت مخالفاً لأمره.
فخرجت أطلب مولاي فوجدته مدخلاً رأسه ونصف بدنه الشريف في جوف بئر ويتكلم معه ويحدثه، فلما أحس بي قال: من أنت؟ قلت: ميثم، قال: ألم آمرك أن لا تتجاوز الخط؟ قلت: يامولاي خشيت عليك من الاعداء فلم أملك نفسي فخرجت في أثرك.
قال: هل سمعت ما كنت أقوله: قلت: لا يا مولاي، فقال: يا ميثم وفي الصدر لبانات اذا ضاق لها صدري نكت الارض بالكف وأبديت له سري فمهما تنبت الارض فذاك النبت من بذري.

الاسم والكنية:
يقول العلامة المجلسي في جلاء العيون أن الشيخ الكَشي والشيخ المفيد وغيرهما روى: أن ميثم التمار كان عبداً لامرأة من بني أسد فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام منها فأعتقه، فقال له: ما اسمك؟ فقال: سالم، فقال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، قال: صدق الله ورسوله وصدقت يا أمير المؤمنين والله إنه لإسمي، قال: فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله صلى الله عليه وآله ودع سالماً.

إخبار بالمستقبل:
فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم، فقال له علي عليه السلام ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دماً، فيخضب لحيتك، فانتظر ذاك الخضاب، وتصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب على جذعها فأراه اياها.
وفي رواية أخرى أن أمير المؤمنين عليه السلام قال له: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية الى البراءة مني؟ فقال يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذن والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر فذاك في الله قليل، فقال: ياميثم إذاً تكون معي في درجتي.
فكان ميثم يأتيها (أي النخلة) فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذيت… ، وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري، فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم؟ وهو لا يعلم ما يريد.

ميثم في مكة المكرمة:
وحج في السنة التي خرج فيها الحسين عليه السلام من المدينة الى مكة ثم الى كربلاء، فدخل على أم سلمة رضي الله عنها فقالت: من أنت؟ قال: انا ميثم، قالت: والله لربما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يذكرك ويوصي بك علياً في جوف الليل.
فسألها عن الحسين عليه السلام فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله، فدعت وطيبت لحيته، فقال لها: أما والله لئن دهنتيها لتخضبن فيكم بالدماء، فقالت أم سلمة: كثيراً ما رأيت الحسين عليه السلام يذكرك، فقال ميثم: انا كذلك أذكره كثيراً وإني مستعجل وقد قدر لي وله أمراً لابد من الوصول إليه، فلما خرج رأى ابن عباس جالساً فقال له: يا ابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن فإني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام وعلمني تأويله.
فطلب ابن عباس دواة وقرطاس فأقبل يكتب، فقال له ميثم: يا ابن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوباً تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة؟ فقال له: وتكهن أيضاً؟ وخرق الكتاب، فقال له ميثم: مه احفظ بما سمعت مني فإن بك ما أقول لك حقاً امسكته وإن يك باطلاً حرقته.

العودة إلى الكوفة:
فلما فرغ من الحج توجه إلى الكوفة وكان يقول لعريف الكوفة قبل خروجه إلى مكة: يا فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني أميه ابن دعيها فيطلبني منك أياماً، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب عمرو بن حريث، فلما قدم عبيد الله بن زياد الكوفة أرسل إلى العريف وسأله عن أحوال ميثم، قال له: قد ذهب إلى الحج، فقال له: والله لئن لم تأتني به قتلتك، فأجله أجلاً وخرج العريف إلى القادسية ينتظر قدومه.

اللقاء بابن زياد:
فلما قدم أخذه إلى ابن زياد فقيل له: هذا كان من آثر الناس عند علي عليه السلام قال: ويحكم هذا الأعجمي؟ قيل له: نعم، قال له عبيد الله: أين ربك؟ قال: بالمرصاد لكل ظالم وأنت أحد الظلمة، فقال له إبن زياد: أتجرأ أن تتكلم هكذا؟ تبرأ من أبي تراب، قال: لا أعرف أبا تراب، قال: تبرأ من علي بن أبي طالب، فقال له: فإن أنا لم أفعل؟ قال: إذاً والله لأقتلك، قال: لقد أخبرني مولاي أنك ستقتلني مع تسعة أخر على باب عمرو بن حريث.
قال ابن زياد، لنخالفنه كي يظهر كذبه، قال ميثم: كيف تخالفه فو الله ما أخبر إلا عن النبي صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء؟ ولقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه وأين هو من الكوفة وأنا أول خلق الله ألجم في الإسلام.

المختار الثقفي وميثم والشهادة:
فحبسه وحبس المختار معه، فقال له ميثم: إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الذي يقتلنا، فلما دعا عبيد الله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد يأمره بتخلية سبيله فخلاه وأمر بميثم أن يصلب، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول إني مجاورك، فأمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره.
فجعل ميثم يحدث بفضائل أهل البيت عليهم السلام ومثالب بني أمية وما سيصيبهم من القتل والانقراض، فقيل لابن زياد، قد فضحكم هذا العبد فقال: ألجموه، فألجموه كي لا يتكلم فجاءه في اليوم الثالث لعين بيده حربتين وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك لا قوّاماً صوّاماً، ثم طعنه في خاصرته فأجافه ثم انبعث منخراه دماً في آخر النهار، فخضب لحيته بالدماء وذهب طائر روحه إلى رياض الجنان وقد استشهد قبل قدوم الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق بعشرة أيام.
وروي أيضاً أنه لما توفي ميثم جاء سبعة من التمارين في ليلة إليه والحراس يحرسونه لكن الله تعالى حجب أعينهم فأخذوه ودفنوه جنب نهر وأرسلوا الماء عليه، ففحص الجند عنه فلم يجدوه.
والسلام عليه ناصراً ومجاهداً ومظلوماً وشهيداً.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*