أب يمني ودع أبناءه الثلاثة قبل لحظات من مقتلهم في قصف حافلة سوق ضحيان
672
شارك
الحكمة – متابعة: طلب يوسف وأحمد وعلي الذين كانت تتراوح أعمارهم بين 13 وتسعة أعوام من والدهم الالتحاق برحلة مدرسية في شمال اليمن، إلا انه رفض خوفا على حياتهم. وبعد أسبوع، نظّمت المدرسة رحلة ثانية، فوافق زيد طيّب على ذهاب أبنائه الثلاثة دون أن يعرف أنه يودعهم للمرة الأخيرة.
افترق الأب عن أبنائه موقع التجمع في السوق صباح يوم 9 آب/اغسطس، وصعد الأخوة الثلاثة الى الباص. لكن قبل ان تتحرك الحافلة، تعرّضت لضربة جوية، فقتل فيها الأبناء الثلاثة، ومعهم كثير من زملائهم.
وقال طيّب لوكالة فرانس برس في منزله في ضحيان بمحافظة صعدة على بعد نحو 20 كلم شمال صنعاء “لوّحوا لي، وقلت لهم: في أمان الله”.
وعلّقت صور الأشقاء الثلاثة على جدار كبير في غرفة الجلوس، الى جانب صور قتلى آخرين قضوا في الحرب المتواصلة منذ 2014 وصورة لزعيم المتمردين عبد الملك الحوثي.
وكتب تحت كل صورة “تاريخ الاستشهاد 9 / 8/ 2018 مجزرة الطفولة بضحيان”، والى يمينها “الموت لاميركا، الموت لاسرائيل”، وهو شعار يردده الحوثيون في تظاهراتهم.
وأمام المنزل الحجري القديم، تنّقل محمد (5 أعوام) الذي أصبح الابن الوحيد بعد مقتل أشقائه، فوق دراجته وقد ارتدى بزة عسكرية باللونين الاسود والابيض.
وأعادت هذه الضربة الدامية تسليط الضوء على الثمن الباهظ الذي يدفعه المدنيون في أفقر دول شبه الجزيرة العربية جراء أربع سنوات من حرب مدمّرة بين قوات الحكومة والمتمردين.
ويشن تحالف عسكري بقيادة السعودية ضربات جوية وحملات برية دعما للقوات الحكومية منذ آذار/مارس 2015. وقتل في اليمن منذ بدء الحملة العسكرية هذه نحو عشرة آلاف شخص معظمهم من المدنيين (نحو 6600) بينهم أكثر من 2200 طفل، وفقا للأمم المتحدة.
وبعد نحو شهر من وقوعها، لا تزال الغارة في ضحيان قيد الدراسة والتحقيق من قبل التحالف الذي اتهمه المتمردون بالوقوف خلفها.
وذكرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر ان أكثر من 50 شخصا بينهم 40 طفلا قتلوا في موقع الضربة عند الساعة الثامنة والنصف صباحا بالتوقيت المحلي.
ويقول التحالف العسكري بقيادة السعودية إنه استهدف حافلة للمتمردين في موقع الضربة، لكن “أخطاء” في التوقيت رافقتها أدت الى “أضرار جانبية”، بينما يصرّ الحوثيون على أن الحافلة كانت تقل أطفالا.
وتعهّد التحالف بمحاسبة المسؤولين عن “الاخطاء”، مشددا على ان الهدف كان “مشروعا”.
– “المؤمن لا يكذب” –
أما طيّب، فإن كل ما يعنيه أن أطفاله الثلاثة قتلوا في صباح لا تُمحى تفاصيله من ذهنه.
ويروي الأب بهدوء “استيقظت في الصباح فرأيتهم وقد ارتدوا ملابس العيد (…) مازحتهم وقلت لهم انهم لن يذهبوا، فقالوا لي: المؤمن لا يكذب، وانت وعدتنا”.
في المكان، سار طيّب لنحو 150 متراً بعدما لوح لأبنائه مودعاً، “ثم وقعت الضربة. بين الغبار، رأيت أشلاء، وكل ما تبقى من الحافلة كان حديدها”.
وتابع “أول جثة رفعتها كانت لولدي أحمد. قلت في نفسي: بلى، هذا ابني أحمد. شعرت بأن هذه اللحظة لن أنساها أبدا”.
وذكر طيّب ان ابناءه كانوا يتابعون دروسا في مدرسة لحفظ ودراسة القرآن، مشيرا الى ان الرحلة المدرسية التي نظّمت على مرحلتين كانت للاحتفال بعدما أنجز الطلاب اختبارهم الأخير.
وقال “أحمد حصل على المركز الثاني، وعلي على المركز الثالث. كانوا أذكياء ومهذبين وهادئين”.
وغالبا ما يجد المدنيون في اليمن أنفسهم عالقين بين أطراف النزاع. فبينما ينفذ التحالف غارات جوية، وتشن القوات الحكومية حملات برية، يقصف الحوثيون مواقع بصواريخ أصابت في عدة مناسبات مواقع مدنية وأدت الى سقوط ضحايا، بينهم أطفال.
وتتهم الحكومة اليمنية والتحالف ومنظمات انسانية المتمردين أيضا بتجنيد عشرات الأطفال للقتال في صفوفهم.
وفي 28 آب/اغسطس الماضي، أعلنت بعثة خبراء مفوضة من قبل مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ان كل أطراف النزاع في اليمن يحتمل ان يكونوا ارتكبوا “جرائم حرب”.
وصدر التقرير بعد أيام على مقتل 26 طفلا في أعمال عنف قرب مدينة الحديدة على ساحل البحر الأحمر، وقبل أسبوع من مشاورات سلام بين المتنازعين تستضيفها جنيف برعاية الامم المتحدة بدءا من الخميس.
وفي وقت يشكك المتمردون والحكومة في ان تؤدي هذه المشاورات وهي الاولى منذ 2016 الى حل للنزاع الدامي، يزور طيّب مقبرة دفن فيها أطفاله الثلاثة كلّما تذكر صباح الغارة.
ووضع الأهالي زهورا اصطناعية فوق مجموعة من القبور التي دفن فيها أحبتهم، محاذية لقبور مفتوحة بانتظار قتلى آخرين.
ونقلت بقايا الحافلة التي استهدفت في ضحيان الى منطقة قريبة من المقبرة، ووضعت في مربع تحيطه الحجارة من كل جانب.
ودخل طيّب بين بقايا الحافلة، ورفع حذاء وسترة وقال “هذه أغراض الأطفال”.