المرجعية العليا تحذر من اللسان وخطورة القلم وتكشف عن أسباب التلفيق والتسقيط والافتراء عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجماعي
اكد ممثل المرجعية الدينية العليا خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي اقيمت في الصحن الحسيني الشريف ان الكذب والتزوير والبهتان والافتراء وتلفيق الاخبار ونشرها وقولها بغير علم تعد من الظواهر التي تهدد المنظومة الاخلاقية والتعايش الاجتماعي وكيان المجتمع وتماسكه الاجتماعي.
وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي، ان اللسان او ما يقوم مقامه يمثل الوسيلة الاساسية للتفاهم والتخاطب والحوار والنقاش بحيث لا يمكن ان يعيش الانسان فرداً ومجتمعاً من دونه، بالاضافة الى انه يمثل الاداة الاساسية والوسيلة الاكبر لدى الانسان في التعريف بالعلوم والمناهج المعرفية والعلمية والثقافات ونشرها بين ابناء البشر، الى جانب نقل الحقائق التاريخية والاحداث التي مرت بها البشرية في الماضي وكذلك الحاضر، ونقل سير وتراجم العظماء والصلحاء من ابناء البشر للتعرف على سيرتهم ونقل التاريخ عن الاحداث السابقة للامم والاقوام التي مضت والاعتبار بها.
واضاف ان اللسان يستعمل تارة للخير وتارة اخرى للشر وكذلك الحال بالنسبة للقلم الذي يقوم مقام اللسان وفي بعض الاحيان تتعدى خطورته خطورة اللسان خصوصا في ظل توافر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي.
واوضح ان التفاهم والتكافل والتعاون والحوار بين ابناء المجتمع من الضرورات الاجتماعية التي نحتاج اليها للقيام بوظائف الحياة للوصول الى الاهداف التي ننشدها في تحقيق الاستقرار في المجتمع والسعادة والتعايش السلمي والثقافي والاجتماعي والفكري، مؤكدا ان اي مجتمع لا يتمكن من الوصول الى هذه الاهداف اذا لم يكن هنالك حوارا او تفاهما او تكافلا او ثقة او ائتمان متبادل بين افراد المجتمع .
وبين ان اللسان او القلب او مايقوم مقامه من القلم والكتابة يمكن له ان يكون رائد خير ورسول صلاح ويؤدي الى الحالة التي ينشدها المجتمع من السعادة والاستقرار والخير والكمال اذا كان صادقا في لهجته وحديثه وامينا في نقل الحقائق وكاشفا عن العواطف والاحاسيس والانفعالات والمشاعر والمواقف والارادات للانسان، فضلا عن كشف الحقائق في التاريخ او الحال الحاضر وامينا في تراجمة السير والرجال.
واشار الشيخ الكربلائي الى انه في مقابل ذلك يكون اللسان او ما يقوم مقامه رائد شر ورسول افساد وسبب هلاك للفرد والمجتمع حينما يكون كاذبا بالكشف عن المشاعر والارادات والمواقف، ويستخدم كوسيلة للتضليل والخداع والكذب والتزوير والتلفيق سواء في نقل الحقائق العلمية وسير تراجم الرجال والاقوام السابقين، مستشهدا بالحديث الشريف (وهل يكب الناس على مناخرهم في النار الا حصائد السنتهم)، مبينا ان الكثير من الايات القرانية والاحاديث الشريفة تبين ان اكثر ما يلج الناس في النار بسبب حصاد اللسان والقلم.
وانتقد خطيب جمعة كربلاء السلوكيات والاخلاقيات التي انتشرت في الفترة الاخيرة المتمثلة بظاهرة التلفيق والتزوير والتضليل والخداع والقول بغير علم ونشرها في قناة فضائية يشاهدها الملايين او من خلال موقع على شبكة الانترنت او عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تصل الى الملايين بضغطة زر واحد، مبينا ان هذه الظواهر المجتمعية تعد من الظواهر الخطير التي تهدد كيان الفرد والمجتمع، داعيا الى ضرورة التنبه واليقظة والحذر.
ويرى ممثل المرجعية الدينية العليا ان هنالك عدد من الاسباب لهذه الظواهر في مقدمتها الاتصاف بالحسد، مبينا انه في بعض الاحيان يرى انسان انسانا اخر فاقه علما وذكاء او اكثر منه مالا او اعظم منه جاها او احذق منه مهارة او مهنة او انشط منه عملا او اشد منه محبوبية بين الاخرين او انجح منه في حياته فيحسده لانه لايستطيع ان يرى هذه النعمة في غيره فيلجأ للافتراء والتلفيق عليه ونسب له صفات غير صحيحه بهدف اسقاطه في المجتمع، مبينا ان هذا الحسد ليس على مستوى الفرد فقط بل على مستوى الكيانات والمؤسسات وغير ذلك.
واكد ان كل انسان وحتى المؤمن لا يخلو من الحسد، الا ان الخطورة تكمن حينما يتجاوز ذلك الحسد القلب ويتحول الى فعل او كلام او كيد او مكر تجاه شخص او جهة، مستشهدا بقصة هابيل وقابيل التي اشار اليها القران الكريم، مبينا انها ليست قصة تاريخية حدثت قبل الاف السنين انما هي للعبرة والتذكرة عن اولاد نبي احدهم حسد الاخر لانه افضل منه تقوى وعمل صالح فدفعه الحسد الى قتل اخيه الذي هو من امه وابيه، وكذلك الحال بالنسبة لاخوة يوسف عليه السلام وهم اولاد نبي من انبياء الله لم يستطيعوا ان يتحملوا تميز اخوهم عنهم بحب ابيه له، فارادوا قتله الا ان الله قدر له غير ذلك، مشيرا الى ان الكثير من الانبياء وائمة اهل البيت عليهم السلام تعرضوا للقتل والتشريد بسبب الحسد.
ودعا الى ضرورة الالتفات الى القول والفعل وما يكتبه الانسان او يقوله عن الاخرين الذي يكون في دافعه الحقيقي هو الحسد لكن الشيطان يغلف ويؤطر ذلك الفعل بإطار اخر وعناوين واغلفة بحيث ينطلي على الانسان الذي ليس لديه ايمان وقدرة على التمييز بين الحق والباطل والخير والشر.
وقال ان من بين الاسباب كذلك هو الحقد والعداء للاخرين فيدفع بالبعض الى تلفيق وتزوير الاخبار ونشر اخبار كاذبة عن اناس ابرياء من ذلك، وكذلك الطمع في المال والمنصب والجاه والتزلف والتملق لاصحاب السلطة والنفوذ من اجل حطام الدنيا، بالاضافة الى التحزب والتعصب لدين او مذهب او قوم او عنصر وغير ذلك مما يدفع بالشخص الى اللجوء الى التسقيط والافتراء على الاخرين.
ولفت الى ان سوء الظن من بين الاسباب التي تؤدي الى ظاهرة الافتراء والكذب والتزوير، مبينا ان الكثير منا يفسر عمل وسلوك وتصرف الاخرين تفسيرا سيئا ويحمله على محمل سيء فيصدر بحقه كلام وحكم وقول سيء بسبب سوء الظن.
ويرى ان من بين الاسباب التي يبتلى بها الكثير هي التسرع والعجلة في الحكم على الامور، مبينا ان الكثير ممن يطلع من خلال وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي على ما ينشر من كتابات ومقالات وافلام فيتسرع ويتعجل في الحكم بصحة تلك المواد المنشورة ويقوم بنشرها دون ان يتثبت منها فيكون مساهما بنقل الباطل والكذب والتزوير والتضليل والتسقيط بحق الشخصيات والجهات، خصوصا ما يتعلق بالعلماء واهل العلم والدين والفضل والصلاح والخير.
وكشف الكربلائي عن موقف الاسلام من اتهام الناس بالباطل والافتراء على الابرياء والاستئناس بنقل الاخبار المزورة والباطلة خصوصا ما يتعلق باهل العلم والدين والفضل والصلاح، موضحا ان ذلك يمثل جريمة عظيمة وخطيئة كبيرة عندما يسمع الانسان ويرى شيئا باطلا وتلفيقا وتزويرا ولا يأخذه بالعقل والدليل والحجة والبرهان انما ياخذه باللسان او البصر فقط دون ان يمرر تلك الامور المزورة والملفقة والكاذبة على قلبه وعقله وشرعه فيجعل العقل والضمير والاخلاق والقانون هي الحاكمة على انها صادقة، مستشهدا بقوله تعالى (ذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ).
ودعا الى ضرورة الالتفات الى ان التسقيط والتوهين بحق اي شخصية خصوصاً المؤمنة واهل العلم والاخلاق والصلاح يؤدي الى نفور الناس وابتعادهم عنهم، محذرا من ان الكثير ممن يغلف ويؤطر نفسه بعنوان ديني ويكتب في صفحات التواصل الاكاذيب والافتراءات الباطلة على اهل العلم والدين وهم منها براءفيخدع ويُضلل البعض بها لأنها متصفة بأسماء وعناوين دينية قد تكون كبيرة لدينا ولكن هؤلاء قد اغواهم الشيطان.
ودعا في ختام الخطبة الى ضرورة الالتفات الى ما يتعلق بأهل العلم والتقوى والصلاح الذي اراد الله تعالى ان ينتفع الناس من علومهم وفقههم وورعهم وتقواهم وكمالاتهم المعنوية، الى جانب الالتفات الى الكم من النساء البريئات اللواتي لصق بهن الكثير من التُهم الشنيعة والامور غير الاخلاقية وهن براء منها فأدى ذلك الى القتل او القطيعة بين العوائل وبين العشائر او حرمان الرجل او المرأة من حقهم في الحياة الى جانب الايذاء المعنوي والنفسي الذي سيعيشه الانسان الذي تنُسب له مثل هكذا افعال واقوال واعمال وتصرفات وصفات هو براء منها.
المصدر: موقع العتبة الحسينية المقدسة