زهد الأجور جعل الممرضين (أشباه الأطباء) ملاذًا للفقراء
280
شارك
ابتسامة خجولة علت وجه “أم سوسن” المرأة الأربعينية، التي تقف وهي تحمل طفلتها ذات الأعوام السبعة في زقاق ضيق تنتظر دورها، تقر بلجوئها المستمر للممرضين لمعالجة نزلات البرد الشديد التي تلم بأطفالها، حيث تثق بدرجة كبيرة بما يمنحه الممرض البسيط من علاج لابنتها المترنحة من شدة المرض.
وتقول أم سوسن: إن “الذهاب إلى الطبيب يعني إنفاق ما لا يقل عن 100 ألف دينار، وهو مبلغ مكلف جداً، يمكن اختزاله بـ10 آلاف دينار او أقل في عيادة الممرض”. وتضيف أم سوسن: أن “مهام الممرض ذي الخبرة لا تصل إلى إجراء عمليات جراحية كبيرة، بل تقف عند حد تشخيص أمراض معروفة، ومنها نزلت البرد وقياس ضغط الدم، فضلا عن أمراض الأطفال التي يمكن معرفتها من خلال تشخيص الأعراض الجانبية”، موضحة: أن “بعض الممرضين ذوو خبرة عالية ونجحوا في كسب ثقة المواطنين مما دفع الكثير وخاصة الفقراء ليكونوا مراجعين دائمين لهم”. ويجد سكان الأرياف والقرى الزراعية في محافظة ديإلى، أنفسهم مرغمين بالاعتماد على عيادات الممرضين في علاج أمراض شتى، إلى درجة بات الممرض أشبه بطبيب مختص يكشف في بعض الأحيان سريرياً على المرضى يصرف لهم العلاج، على الرغم من أنه يمثل خرقاً قانونياً لتعليمات ممارسة المهن الصحية.
حسن عبد الله، الذي بدت علامات التعب بادية على تقاسيم وجهه، بينما يحمل طفله ذا الأعوام الأربعة المصاب بالزكام، ويقف قرب بوابة عيادة ممرض في قرية زراعية تبعد نحو 30 كم شمال شرقي بعقوبة، اعتبر أن “الممرضين هم أطباء الفقراء في أغلب مناطق ديإلى، لأنهم الأكثر رأفة بهم ويعالجون بدون مقابل في أحيان كثيرة، وأتعابهم زهيدة قياسا بأجور الأطباء، إلى جانب تمتعهم بخبرة واسعة”. وتابع عبد الله: أنه “مضطر لمراجعة ممرض محترف لعلاج طفله، نتيجة قلة مصاريف تكاليف العلاج”، موضحاً: أن “عيادات الأطباء أصبحت أشبه بمكاتب تجارة ترهق جيوب الفقراء”.
ممرض يمتلك خبرة واسعة في مجال عمله تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، ويمارس مهنته بنشاط في عيادة متواضعة وسط زقاق شعبي في الضواحي الشرقية لبعقوبة، يؤكد أنه “وأقرانه ليسوا أطباء، لكنهم يتملكون مهارة جعلتهم قادرين على زرق الحقن والتداوي، وتقديم النصح الطبي لبعض الحالات المرضية”. ويضيف الممرض الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، خشية إغلاق عيادته البسيطة التي تشكل مصدر رزق له: أن “المرضى وبالذات الفقراء منهم، يترددون على الممرضين، لأن أجورهم بسيطة لا تتجاوز الثلاثة آلاف دينار في أفضل الأحوال”، لافتاً إلى أن “بعض الأطباء جعلوا مهنة الطب المقدسة أشبه بتجارة، كما أن تكرار الأخطاء التشخيصية وارتفاع تكاليف العلاج في العيادات الخاصة أدى إلى تزايد زبائن المضمدين، وبالذات في الأرياف والمناطق الشعبية”.
وتقول رئيسة لجنة الصحة والبيئة في مجلس ديإلى نجاة الطائي: إن “بعض الممرضين يعمدون إلى استغلال بساطة الأهالي في القرى والأرياف، ويؤدون دور الطبيب، في تجاوز صارخ للأنظمة، مما يساعد على نشوء ظاهرة سلبية تهدد أرواح الناس”. وتحذر الطائي “من خطورة تنامي ظاهرة أشباه الأطباء في، أشارة إلى الممرضين الذين يوهمون المرضى بأنهم أكثر خبرة ومعرفة من الأطباء الحقيقيين”، داعية إلى “تطبيق إجراءات رادعة بحقهم وفق القانون”. وطالبت “الدوائر الصحية في المحافظة بضرورة دعم مناطق الأرياف والقرى بالملاكات الطبية لتلافي اعتماد على الأهالي على أشباه الأطباء في تلقي العلاج”.
ومن جانبه، يصف المتحدث باسم دائرة صحة ديإلى فارس العزاوي، قيام بعض الممرضين بدور الأطباء عبر فتح عيادات لعلاج المرضى وتشخيص أمراض وصرف الأدوية إليهم، بـ”الظاهرة السلبية”. ويشير العزاوي إلى أن “فرق التفتيش الصحية اعتقلت العديد ممن انتحلوا صفة طبيب في بعض مناطق ديإلى خلال الأشهر الماضية، وضبطت بحوزتهم أدوية بكميات كبيرة أغلبها فاسدة تباع بأثمان بخسة دون الاكتراث لما تسببه مخاطر”. ويحذر العزاوي “الأهالي من التعامل مع الممرضين الذين يحاولون انتحال صفة طبيب، لأنهم يتجاوزون على القانون وأخطاؤهم قد تؤدي إلى ضرر صحي خطير على حياة المرضى”. يذكر أن الكثير من الممرضين يقومون بفتح عيادات خاصة بهم لإعطاء الحقن ومداواة الجروح، لكن بعضهم يثق بقدراته إلى درجة الكشف عن المرضى وصرف الأدوية لهم، وغالباً ما تحذر وزارة الصحة من خطر اللجوء لهم في علاج الأمراض.
يشار إلى أن العراق خسر الكثير من أطبائه المشهورين، بسبب الوضع الأمني واستهدافهم، مما فتح الباب واسعا أمام المضمد ليكون ملجأ للناس، نتيجة ارتفاع أجور الأطباء، قياساً بأجور المضمدين الذين يحصلون على أدويتهم من المستشفيات التي يعملون بها في أغلب الأحيان، ولذلك تكون أتعابهم مناسبة للفقراء والبسطاء.