الفضائيات العراقية تلغي برامج الأطفال من مناهجها
يصر الطفل همام البالغ من العمر ثماني سنوات على معرفة مكان وكيفية المشاركة في برامج المسابقات التي تقدم العديد من الجوائز وتعرض أفلام الكارتون التي تبث عبر إحدى القنوات الفضائية العربية مع عدد آخر من فضائيات تعرض فيها افلام ومسابقات لفئات محدودة من العمر وعلى مدار 24 ساعة.. هذا الإصرار جعلني أتابع عددا كبيرا من المحطات الفضائية العراقية لمعرفة اهتمامها وما الأوقات والساعات التي تبث فيها برامج وافلام ومسابقات الاطفال ،والمتابعة شملت القناة الممولة من الحكومة أيضًا والقنوات الأخرى الممولة من الاحزاب والشخصيات ، وتوصلنا إلى نتيجة هي عدم وجود أية برامج في منهاج هذه القنوات باستثناء اثنين وتعرض أفلام كارتون عرضت منذ أكثر من عشرين عاما .
(المدى ) إدراكاً منها بأن الاهتمام بالطفولة خصوصًا عبر وسائل الإعلام أمر مهم يجب تسليط الضوء عليه .
تُسهم في النمو المعرفي للطفل
أستاذ علم الاجتماع كمال صالح (متقاعد ) يشير لـ(المدى) إن أهمية دراسة أثر الرسوم المتحركة على الأطفال لا تأتي فقط من كونها تشكل النسبة الأعلى لما يشاهده الاطفال في العراق ،وإن مشاهدة الرسوم المتحركة ومسابقات الاطفال تفيد الطفل في جوانب عدة ،صالح اشار إلى أن فوائدها هي تنمية خيال الطفل من حيث تزويده بمعلومات ثقافية منتقاة وتسارع بالعملية التعليمية ،فبعض أفلام الرسوم المتحركة تسلط الضوء على بيئات جغرافية معينة، الأمر الذي يعطي الطفل معرفة طيبة ومعلومات معرفية وافية، والبعض الآخر يُسلط الضوء على قضايا علمية معقدة ـ كعمل أجهزة جسم الإنسان المختلفة بأسلوب سهلٍ جذاب، مضيفاً انه يكسب الطفل معارف متقدمة في مرحلة مبكرة تقدم للطفل لغة عربية فصيحة غالباً لا يجدها في محيطه الأسري مما ييسر له تصحيح النطق وتقويم اللسان وتجويد اللغة، وبما أن اللغة هي الأداة الأولى للنمو المعرفي فيمكن القول بأن الرسوم المتحركة ـ من هذا الجانب ـ تسهم إسهاماً مقدراً غير مباشر في نموه المعرفي كما تلبي بعض احتياجات الطفل النفسية وتشبع فيه غرائز عدة مثل غريزة حب الاستطلاع فتجعله يستكشف في كل يوم شيئا جديدا وغريزة المنافسة والمسابقة فتجعله يطمح للنجاح ويسعى للفوز.
عرض البرامج مقابل ثمــن
مدير عام دار ثقافة الأطفال محمود أسود قال لـ (المدى) إن غياب البرامج والمسابقات الخاصة للأطفال وعدم تخصيص وقت لها في المنهاج اليومي لعموم الفضائيات العراقية والمحلية هو بسبب بحث تلك القنوات عن مردود مادي للبرامج التي تبث عبر شاشاتها وهي السمة السائدة لأغلب تلك المحطات ، وأشار أسود إلى أن دار ثقافة الاطفال تبذل جهداً استثنائيا لهذا الموضوع الحيوي والمهم في جميع مجتمعات العالم وتحديداً موضوع (الطفل) برغم الإمكانيات المحدودة المخصصة لها إذ تقدر ميزانية الدائرة ب(80) مليون دينار سنوياً وتوزع على جميع الأنشطة بما فيها مطبوعات الدائرة والمتضمنة مطبوعي ( مجلتي – المزمار ) التي تطبع منها7500 نسخة بعد أن كانت تطبع ربع مليون نسخة بالإضافة إلى سلسة إصدارات الطفل والأنشطة الاخرى في 12 محافظة ونحن اتجهنا نحو فعاليات المسرح والأوبريت وزيارة الفرق الجوالة لتقديم ما أمكن تقديمه وفق تلك الإمكانيات بسبب ضعف الميزانية وهذه أيضا جزء كبير من معاناة وزارة الثقافة، فالدائرة شبة عاجزة عن تأدية رسالتها للطفولة في العراق ، قائلًا: إننا أجرينا العديد من اللقاءات والحوارات مع القنوات الفضائية وبالأغلب رحبوا بعرض برامج خاصة للأطفال (مقابل ثمــن) لأن جميع القنوات تبحث عن موارد! وأما عن قناة العراقية فهي الأخرى رحبت بالفكرة لكنها طالبت الدار بإعداد وإنتاج البرامج وهي تقوم بالعرض المجاني وهذا يعنى عدم قدرتنا على عمل برنامج واحد بسبب قلة وضعف الميزانية ، أسود دعا جميع المعنيين والمتخصصين في الحكومة والبرلمان والرئاسة إلى الاهتمام بشكل جدي في جميع القضايا التي تهتم في نشأة الطفل .
الدعوة لإعداد برامج تُعنى بتطوير ذهنية الطفل
المعلمة خالدة عبد الجبار من تربية الرصافة الأولى تشير لـ( المدى ) ان متابعة الاطفال للمسابقات التي تعرض عبر المحطات الفضائية العربية حصرًا وهي محدودة أيضًا لها فوائد عدة إذ تسهم في تطوير ذهنية الطالب في مختلف المجالات لاسيما في مجال العلوم والجغرافية والفن وغيرها .
عبد الجبار دعت جميع القنوات الفضائية العراقية ومنها القنوات الممولة حكومياً المساهمة فى إعداد برامج ذات نفع عام للطفل ولفئة محدودة وأن يُترك للمتخصصين في مجال علم الاجتماع والنفس والثقافة الحرية في إعداد تلك البرامج ، عبد الجبار طالبت أيضًا أن تبتعد تلك البرامج عن ترسيخ ذهنية الطفل بالجوانب الأخرى وتحديدًا( الطائفية ) و( السياسية) وان تبتعد أيضًا عن جميع التساؤلات والأفكار الهدامة خصوصاً الفئوية منها كما نستمع للأسف البعض منها عبر محطات إذاعية محدودة .
الاهتمام بالشؤون الحزبية والشخصية
حسين مرتضى طالب في كلية الإعلام أشار
لـ( المدى ) أثناء تجواله فى شارع المتني أن الإعلام العراقي الآن هو ملك الأحزاب والأشخاص، وشيء طبيعي أن لا نرى أي اهتمام من قبل القائمين على هذه المؤسسات الإعلامية في برامج الأطفال وإعداد برامج مسابقات وغيرها، وهذا أيضًا موجود في الإعلام المسموع والمقروء ، مرتضى بين أن القنوات الفضائية المحلية مواردها معروفة وهي تعد برامج فقط عن الشأن السياسي وغيرها من البرامج غير المكلفة مادياُ وهذا أمر طبيعي، ولكن العتب والحديث لمرتضى على القناة الممولة من الحكومة، وللأسف الشديد هناك برنامج واحد يعرض على قناة يعني بمسابقات ولفئة المرحلة المتوسطة يتم فيها سباق بين طلبة مدرستين توجه فيه بعض الاسئلة الفقيرة معرفيا ، موضحًا أن الصحف المحلية لم تلتفت أبدًا لشريحة البراعم التي تعد اللبنة الأولى لتأسيس المجتمعات.
حلـم أيمـن في المشاركة
أيمن 12 عاما طالب في مدرسة المجد الابتدائية في بغداد يقول لـ( المدى ) إنه يشاهد يومياً عدداً من القنوات العربية ويستمتع خصوصاً في برنامج لإحدى القنوات العربية يعطي جوائز للمتسابقين وتتنوع الجوائز بين جائزة وأخرى حسب ذكاء المشارك وقدرته على الإجابة عن الاسئلة الموجهة للمشاركين . ايمن يقول: لماذا لم تقدم برامج فى القنوات العراقية الموجودة، بعد ان عرفت من والدتي ان تلك الفضائيات غير موجودة فى بلدنا متمنياً ان يشارك في إحدى هذه البرامج مستقبلاً، ايمن لم يخفِ لـ( المدى ) انه يرسل رسائل للمشاركة في مسابقات تلك القنوات التي يشاهدها متمنياً ان يتحقق حلمه في المشاركة.
موجـَّه لخدمة الصراع السياسي والتسقيط !
احمد ستار 31 عاماً بين لـ( المدى ) على الرغم من كثرة منافذ الإعلام العراقي إلا انه لا يغطي الفئات كلها وبالأخص الطفولة منها ولا نجد في مجمل ما نرى ونقرأ ونسمع اي حيز مهم يخص الطفولة ، ستار أوضح أن السبب في هذا ان الإعلام العراقي مسيَّر لخدمة الصراع السياسي ومنشغل بالتسقيط والتجارب مع الافتقار العميق للقدرات المهنية والرؤية التطورية ،ولهذا فكل قنواتنا المرئية هي إخبارية وأحادية النسخة وهي لا تملك رؤية متفحصة للفئات العمرية لأنها بالأساس غير معنية بهذا، ستار أوضح ان ما نعانيه اليوم من زوايا محددة في المرئيات هو مؤشر واضح للافتقار إلى المهنية والتخطيط فضلا عن غياب هامش التطوير، فالإعلام العراقي لا يتقدم بقدر ما يحافظ على صراخه وتشدده ويزيد من اغترابه المهني، والمشاهد العراقي في العموم ينقسم هو الآخر بين منتقد وساخر وغير مهتم وينصرف عن الإعلام العراقي إلى غيره، موكداً ألافتقار إلى ممارسة اعلامية تتوفر فيها الموهبة والنضج والمعلومة الغنية، كما ان السنوات الماضية لم تؤسس إعلاماً تصاعديا وإنما رسخت نفوراً اجتماعيا كبيرا، مضيفا انه للاسف الشديد ان الإعلام المرئي العراقي لا يعمل على ثيمة الترفيه والتوصيل والبناء ولهذا فهو يكشف عن هويته الدعائية ويثبت انه لسان حال السياسة ولا هدف له سوى التشويه وتعميق القطيعة مع الآخر!!
تحقيق / قيس عيدان .. تصوير/ محمود رؤوف