يجمع الله له أصحابه
الشيخ علي الكوراني ..
ينبغي أن نلفت إلى عدة أمور في أصحاب الإمام المهدي (عليه السلام) منها ، أن عددهم الوارد في مصادر الفريقين أنه بعدد أصحاب النبي صلى الله عليه وآله في بدر ، ثلاث مئة وثلاثة عشر ، يدل على الشبه الكبير بين بعث الإسلام مجدداً على يده عليه السلام ، وبعثه الأول على يد جده رسول الله صلى الله عليه وآله . بل ورد أن أصحاب المهدي عليه السلام تجري فيهم عدة سنن جرت على أصحاب الأنبياء الأوائل عليهم السلام .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إن أصحاب موسى ابتلوا بنهر ، وهو قول الله عز وجل: إِنَّ الله مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ . وإن أصحاب القائم يبتلون بمثل ذلك). (البحار:52/332) .
ومنها ، أن المقصود بهؤلاء الأصحاب خاصة أصحابه عليه السلام وخيارهم ، وحكام العالم الجديد الذي يقوده الإمام المهدي عليه السلام .
ولكنهم ليسوا وحدهم أنصاره وأصحابه ، فقد ورد أن عدد جيشه الذي يخرج به من مكة عشرة آلاف أو بضعة عشر ألفاً ، وجيشه الذي يدخل فيه العراق ويفتح فيه القدس قد يبلغ مئات الألوف .
فهؤلاء كلهم أصحابه وأنصاره ، بل وملايين المخلصين له في عصره ، من شعوب العالم الإسلامي .
ومنها ، أنهم من حيث التنوع ، من أقطار العالم الإسلامي ، ومن أقاصي الأرض ، ومن آفاق شتى ، ومن ضمنهم النجباء من مصر، والأبدال من الشام، والأخيار من العراق ، وكنوز الطالقان وقم ، كما تذكر الروايات .
قال ابن عربي في الفتوحات المكية عن جنسياتهم: ( وهم من الأعاجم ما فيهم عربي ، لكن لا يتكلمون إلا بالعربية) ، لكن الأحاديث المتعددة تدل على أن فيهم العديد من العرب ، ومنها الحديث المشهور: (فيهم النجباء من أهل مصر ، والأبدال من أهل الشام ، والأخيار من أهل العراق) (البحار:52/334) ، ويشبهه ما في مخطوطة ابن حماد ص95 وغيره من المصادر .
كما تدل روايات أيضاً على أن فيهم العديد من العجم ، وأن عمدة جيشه عليه السلام من إيران .
ومنها ، أن بعض الروايات تذكر أن من بينهم خمسين امرأة كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام (البحار:52/223) وفي رواية ثلاث عشرة امرأة يداوين الجرحى .
وفي ذلك دلالة على المكانة المهمة والدور العظيم للمرأة في الإسلام وحضارته، التي يقيمها الإمام المهدي عليه السلام ، وهو دور معتدل مبرأ من الخشونة البدوية في النظرة إلى المرأة ومعاملتها ، التي ما زالت موجودة في بلادنا ، ومبرأ من إهانة المرأة وابتذالها في الحضارة الغربية .
ومنها، ذكرت بعض الروايات أن أكثرية أصحابه عليه السلام شباب ، بل ذكر بعضها أن الكهول فيهم قليلون جداً مثل الملح في الزاد ، كالحديث المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (أصحاب المهدي شباب لاكهول فيهم إلامثل كحل العين والملح في الزاد ، وأقل الزاد الملح) . (البحار:52/334 ).
ومنها ، أنه وردت أحاديث كثيرة في مصادر الفريقين في مدحهم ، وبيان مقامهم العظيم ومناقبهم ، وأنه يكون مع المهدي عليه السلام صحيفة فيها عددهم وأسماؤهم وصفاتهم ، وأنهم تطوى لهم الأرض ، ويذلل لهم كل صعب ، وأنهم جيش الغضب لله تعالى .
وأنهم أولو البأس الشديد الذين وعد الله تعالى أن يسلطهم على اليهود في قوله تعالى: بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيد .
وأنهم الأمة المعدودة الموعودة في قوله تعالى: وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ .
وأنهم خيار الأمة مع أبرار العترة ، وأنهم الفقهاء والقضاة والحكام ، وأن الله يؤلف بين قلوبهم فلا يستوحشون من أحد ، ولا يفرحون بأحد دخل فيهم ، أي لاتزيدهم كثرة الناس حولهم أنساً ولا إيماناً .
وأنهم أينما كانوا في الأرض يرون المهدي عليه السلام وهومكانه ويكلمونه !
وأن أحدهم يعطى قوة أربعين رجلاً ، أو ثلاث مئة رجل !
بل ورد أنهم أفضل من أصحاب جميع الأنبياء عليهم السلام ، ففي بصائر الدرجات للصفار رحمه الله ص104: (عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال: لا ، إنكم أصحابي ، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني ، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم ، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا . أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة ).
وفي صحيح مسلم النيسابوري:1/150: ( وددت أنا قد رأينا إخواننا . قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي ، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد . فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ، ألا يعرف خيله ؟ قالوا: بلى يا رسول الله . قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك! فأقول سحقاً سحقاً !). انتهى.
إلى آخر ما ذكرت الأحاديث الشريفة من خصائصهم وكراماتهم .
وذكرت بعض الروايات أن أهل الكهف يبعثون ويكونون منهم ، وأن منهم الخضر وإلياس عليهما السلام . وذكرت الروايات أن بعض الأموات يحيون بأمر الله تعالى ويكونون منهم .
ومنها، أن الروايات تدل على أنهم يكونون قرب ظهوره عليه السلام ثلاث مجموعات أو فئات: فئة تدخل معه مكة ، أو تصل إليها قبل الآخرين . وفئة يسيرون إليه في السحاب أو الهواء ، وفئة يبيتون ذات ليلة في بيوتهم في بلادهم فلا يشعرون إلا وهم في مكة .
فعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب وأشار إلى ناحية ذي طوى (وهي من شعاب مكة ومداخلها) ، حتى إذا كان قبل خروجه بليلتين انتهى المولى الذي يكون بين يديه حتى يلقى بعض أصحابه فيقول: كم أنتم هاهنا؟فيقولون:نحو من أربعين رجلاً فيقول كيف أنتم لو قد رأيتم صاحبكم؟ فيقولون: والله لو يأوي الجبال لأوينا معه ! ثم يأتيهم من القابلة فيقول لهم: أشيروا إلى ذوي أسنانكم وأخياركم عشرة . فيشيرون له إليهم ، فينطلق بهم حتى يأتوا صاحبهم ، ويعدهم إلى الليلة التي تليها) . (البحار:52/341).
والظاهر أن منظور الرواية غيبته عليه السلام في الفترة القصيرة التي تسبق ظهوره . وأن هؤلاء الأصحاب غير الأبدال الذين يكونون معه ، أو على صلة به ، وغير الاثني عشر الذين يجمع كل منهم على أنه قد رآه فيكذبونهم ، بل يكونون من الأخيار الباحثين عنه ، من أمثال العلماء السبعة الذين تقدم ذكرهم .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يقبل القائم عليه السلام في خمسة وأربعين رجلاً من تسعة أحياء: من حي رجل ، ومن حي رجلان ، ومن حي ثلاثة ، ومن حي أربعة ، ومن حي خمسة ، ومن حي ستة ، ومن حي سبعة ، ومن حي ثمانية ، ومن حي تسعة . ولا يزال كذلك حتى يجتمع له العدد) . (البحار:52/309 ) .
والمقصود أنه يقبل في مقدمات ظهوره ، أو يقبل إلى مكة ، ولا يبعد أن تكون المجموعتان المذكورتان في الروايتين مجموعة واحدة ، وهي التي تصل إلى مكة قبل بقية الأصحاب .
ويبدو أن أصحابه المفقودين عن أفرشتهم ، الذين ينقلون من بلادهم إلى مكة برمشة عين بقدرة الله عز وجل أفضل من الذين يصلون قبلهم .
أما الذين يسيرون إليه نهاراً في السحاب كما تذكر الروايات ، ويكونون معروفين بأسمائهم وأسماء آبائهم ، أي يأتون إلى مكة بشكل طبيعي لايثير الناس ، فهم أفضل أصحابه على الاطلاق !
ولايبعد أن يكونوا هم الأبدال الذين يعيشون معه ، أو يقومون بأعماله في أنحاء العالم، ويعرفون موعد ظهوره بالتحديد ، فيصلون في الموعد .
فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: ( إن صاحب هذا الأمر محفوظة له أصحابه ، لو ذهب الناس جميعاً أتى الله بأصحابه ، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِين . وهم الذين قال الله فيهم: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)(البحار:52/370)
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: (منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة ، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً ، يعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه . قلت: جعلت فداك أيهم أعظم إيماناً ؟ قال: الذي يسير في السحاب نهاراً). (البحار:52/368).
ومعنى سيرهم في السحاب نهاراً أن الله تعالى ينقلهم إلى مكة بواسطة السحاب على نحو الكرامة والإعجاز ، كما يحتمل أن يكون معناه مجيؤهم بواسطة الطائرات كسائر المسافرين ، بجوازات سفر بأسمائهم وأسماء آبائهم، وتكون الأحاديث الشريفة عبرت بذلك لأن الطائرات لم تكن موجودة .
ولعل السبب في أن هؤلاء أفضل من المفقودين عن فرشهم ليلاً ، أنهم الأبدال الذين يعملون معه عليه السلام كما أشرنا ، أو أصحاب اتصل بهم قبل غيرهم في تلك الفترة وكلفهم بأعمال ، بينما المفقودون عن فرشهم يبيتون تلك الليلة وواحدهم لايعلم أنه عند الله تعالى أحد أصحاب الإمام المهدي عليه السلام ، ولكن مستوى تقواهم وعقلهم ووعيهم يؤهلهم لهذا المقام العظيم ، فيصطفيهم الله تعالى ، وينقلهم ليلاً إلى مكة المكرمة ، ويتشرفون بخدمة المهدي عليه السلام .
وقد ورد في بعض الروايات أنهم بينما يكونون نائمين على أسطح منازلهم إذ يفتقدهم ذو وهم وينقلهم الله إلى مكة . وفيها إشارة إلى أن ظهوره عليه السلام يكون في فصل الصيف أو بين الصيف والخريف كما سنشير إليه ، وإشارة إلى أن عدداً من هؤلاء المفتقدين عن فرشهم يكونون من أهل المناطق الحارة التي ينام أهلها على سطوح منازلهم أو في ساحاتها .
وقد ورد أن اجتماعهم في مكة يكون في ليلة جمعة ليلة التاسع من شهر محرم، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يجمعهم الله في ليلة جمعة، فيوافونه صبيحتها إلى المسجد الحرام ولايتخلف منهم رجل واحد) (بشارة الإسلام ص210). وهو ينسجم مع ما ورد في مصادر الفريقين من أن الله تعالى يصلح أمر المهدي عليه السلام في ليلة واحدة ، فعن النبي صلى الله عليه وآله قال: (المهدي منا أهل البيت يصلح الله أمره في ليلة . وفي رواية أخرى: يصلحه الله في ليلة) (البحار:52/280) لأن تجميع أصحابه من ألطاف الله تعالى في إصلاح أمر وليه .
وينسجم أيضاً مع الروايات المتعددة التي تحدد بداية ظهوره في مساء يوم الجمعة التاسع من محرم ، ثم في يوم السبت العاشر من المحرم.