مسجد السهلة والتميز المنشود

286
27-3-2013-05
النجف الأشرف ، الحكمة خاص ، محمد الشريفي

مسجد السهلة المعظم … إرثٌ ديني و تأريخي لا مجال لمقارنته بسواه، رغم ضياع الكثير من صفحاته، بعد ما حلَّ بالكوفة عقب استشهاد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ورغم المحاولات التي أُريد منها طمس معالم هذا المكان الطاهر المقدس، لكن الإرادة الإلهية حفظت لهذا المكان قدسيته وهيبته، كيف لا وفيه بيت النبي إدريس ومحل عمله،  وبيت النبي إبراهيم ومحل انطلاقته، ومسكن العبد الصالح الخضر ومحل تردده، ومقر داود ومحل توجهه، لذلك فالإرادة الإلهية حفظت لهذه البقعة الطاهرة قدسيتها وحمتها من دنس العابثين، على الرغم من كون هذا المسجد شُيد قبل خلافة أمير المؤمنين عليه السلام (35 – 40)هـ.

مقامات وأعمال مسجد السهلة

27-3-2013-07

توجد في مسجد السهلة سبعة مقامات، لكلٍ منها أعماله وصلواته الخاصة، فأول هذه المقامات هو مقام الإمام صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ويقع تقريبًا وسط الجزء الجنوبي من المسجد، وله زيارة خاصة بالإضافة لركعتي صلاة يؤديها الزائر، ثم مقام الإمام زين العابدين (عليه السلام) ويقع وسط المسجد في زاويته الجنوبية الشرقية، وفيه تصلى ركعتي الزيارة أيضًا، فمقام الأنبياء والصالحين، ثم مقام الخضر (عليه السلام) وهو صاحب القصة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم مع نبي الله موسى عليه السلام، ثم مقام نبي الله إدريس (عليه السلام) حيث رُفع من هذه البقعة الشريفة إلى السماء، ثم مقام النبي إبراهيم (عليه السلام) فمقام الإمام جعفر الصادق (سلام الله عليه). وكما بينا فلكل مقام من هذه المقامات ركعتا صلاة وبعض الأعمال الخاصة.

إعمار المسجد

منذ ما يقارب الخمسة عشر عامًا ومسجد السهلة المعظم يشهد عملية إعمار كبيرة شملت كل مرافقه تقريبًا، فقد تبنى مكتب سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (دام ظله)، عملية إعمار المسجد وإعادة بنائه، بداية العمل لم تكن بهذا الحجم ولم يخطط لها لأن تكون بهذا المستوى فكانت البداية  بمقام الإمام الحجة (عجل الله فرجه) وبمساحة لم تتجاوز (380) متر مربع، لكن الرغبة الكبيرة والتوجيه المستمر من قبل سماحة السيد الحكيم (مدّ ظله)، بضرورة إعادة ترميم القبة والأجزاء المحيطة بالمقام كانت السبب المباشر وراء هذا العمل الجبار، وبعد الفحص والتشاور مع ذوي الاختصاص جرى الاتفاق بين الكوادر الهندسية المسؤولة عن إنجاز العمل وأصحاب الخبرة في المجال الهندسي على ضرورة إجراء توسعة شاملة في مقام الإمام (عجل الله فرجه)، يتضمن ذلك توسعة وصيانة مقام الإمام السجاد (عليه السلام)، الذي كان هيكله متصدعًا خصوصًا وسقوفه بُنيت من (حديد الشيلمان)، فتمت المباشرة بإزالة الهيكلين القديمين مع المحافظة على موقع المحراب بصورة دقيقة جدًا تصل حتى السنتمتر، العمل في هذه المرحلة بدأ في (2010) والتصاميم الخاصة بالعمل أخذت وقتًا وجهدًا كبيرين لتبدأ المباشرة الفعلية بالعمل بعد ذلك، وكانت أولى الخطوات هي عمليات الحفر وصب الأسس (رافت كونكريت) بارتفاع (90)سم، وبكمية  (1800) متر مكعب من الكونكريت المسلح تم الانتهاء منه على ثلاثة مراحل، بعد ذلك بدأ العمل على وضع الأعمدة الكونكريتية وصبها وبارتفاع (13.80)م.

منجز عالمي

27-3-2013-06

بعد المباشرة بالعمل كانت هناك فكرة أو حلم يراود مخيلة الكوادر الهندسية المشرفة على المشروع تتمثل بكيفية التوصل إلى تصميم يتيح للداخل إلى مقام الإمام الحجة (عجل الله فرجه) أن يرى القبة الوسطية الممتدة على مساحة (1200)م من دون أعمدة وسطية! وهذه النقطة بالذات تسببت بتأخير كبير وجهد لا يمكن وصفه، حتى وقع التوصل لأفضل الخيارات المتاحة على مستوى العالم في تصميم قد يكون الفريد من نوعه على مستوى المنطقة، حيث حصل التعامل مع الحالة وفق تصميم خاص وهو ما يعرف هندسيًا بـ(عملية الشد اللاحق للكونكريت) وهو الأسلوب المتبع عادةً في بناء الجسور الكبيرة أو الأبنية ذات الفضاءات الواسعة، ويتميز بطول عمره حيث خطط المهندسون لأن يستمر هذا البناء لمائة وخمسين عامًا إذا شاء الله ذلك.

 اليوم وبعد أن أنجزت مراحل متقدمة من العمل بدأت المباشرة بتنفيذ أعمال السقف المتكون من ارتفاعين، الأول الارتفاع الخاص بمقام الإمام السجاد (عليه السلام) حيث يبلغ ارتفاعه (11.20 ) وهذا الجزء من العمل تم بالفعل، أما الارتفاع الثاني المتعلق بمقام الإمام الحجة (عجل الله فرجه) فيبلغ ارتفاعه (13.80) وهذا الجزء بالذات تطلب تصميمًا خاصًا بالنسبة للقوالب المستخدمة والـ”سكلات” الخاصة بالعمل نتيجة الارتفاع الكبير وثقل المواد المستخدمة فيه والوزن الثقيل للسقف والقباب.

مواد محلية وتقنية خارجية

المواد الأولية التي استخدمت في المشروع كلها من المواد المتوفرة في الأسواق المحلية حيث اعتمد منها الأجود بعد إخضاعها لعمليات الفحص المختبري، معززةً بتقنية خاصة استوردت من الخارج تتمثل بمد (كيبلات) خاصة مع الكونكريت من أجل إضافة القوة والمتانة اللازمة للـ”كونكريت” وهذه التقنية إسبانية وهي الأفضل والأجود على مستوى العالم أنجز العمل على يد الخبراء الإسبان عن طريق شركة مختصة في هذا النوع من الأعمال، ومن الجدير بالذكر القول إن جميع المواد أو التقنيات التي استخدمت في العمل لا تعتمد ما لم تفحص مختبريًا.

صعوبات ومعاجز

27-3-2013-03

عنوان ربما بدا غريبًا بعض الشيء ، فكيف تكون هناك صعوبات طالما أن هناك إعجاز في العمل؟  يجيب المهندس المسؤول عن أعمال تطوير وبناء مسجد السهلة، المهندس أحمد هاشم الحطاب الذي يقول: في هذا النوع من المشاريع الضخمة يضع المهندسون والمسؤولون عن العمل نسب مخاطرة حسب مستوى العمل وطبيعته، فكثيرًا ما تجد عاملًا يسقط من مكان مرتفع على سبيل المثال أو أن هناك مشاكل كبيرة تحدث في العمل، أو تعرض حياة أحد العاملين للخطر نتيجة الارتفاعات الكبيرة للمشروع، لكن، وأقولها بصدق كنت أشعر بنوع معين من التسديد، وكأن هناك رعاية خاصة لكل العاملين معنا في الموقع، فعلى الرغم من كوننا نعمل بطريقة التنفيذ المباشر وبهذه الكميات الكبيرة من الكونكريت لم تسجل أي حالة إصابة ولو طفيفة، وهذا أمر غير عادي أبدًا ولا جدال فيه، فبناء بيت أحيانًا تحصل فيه بعض الإصابات أو المشاكل التي تعيق العمل فكيف بمشروع ضخم كهذا؟ بالتأكيد نحن نشعر بتسديد الإمام (عليه السلام) لنا ونتمنى أن نكون موفقين في خدمته عجل الله فرجه.

تمويل المشروع

العمل بدأ في المسجد من تسعينيات القرن الماضي تقريبًا كما أشرنا، وبتمويل من قبل مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (مدّ ظله)، فلم يكن لأي جهة رسمية أو غير رسمية أي دور لا قبل السقوط ولا بعده أيضًا! عدا استثناء وحيد يتمثل بتنفيذ الضلع الجنوبي من المسجد من قبل هيئة الإعمار في المحافظة ومن تخصيصات مشروع النجف عاصمة الثقافة الإسلامية، والمبالغ التي صُرفت في بناء المسجد حتى الآن قاربت الملياري دينار عراقي، وهو رقم يقل بمقدار الضعفين عن أي عمل مشابه، لكن ونتيجةً لسياسة التنفيذ المباشر التي تبنتها الكوادر الهندسية اختزل هذا المبلغ حتى وصل المليارين أو أقل بقليل وهذا بحد ذاته إنجاز.

27-3-2013-04

27-3-2013-08

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*