مقام الكفّ الأيمن: شاهدٌ شاخصٌ من شواهد ملحمة الطف الخالدة
تتعدّد المقامات لأولياء الله الصالحين خصوصاً في الأرض التي إمّا يسكنُها الأنبياء والأولياء أو يمرّون بها مثل أرض العراق، لكنْ هناك مقاماتٌ لها رمزية خاصة ومكانة ومنزلة معلومة من خلال ارتباطها بحادثة معيّنة شاء الله أن تكون خالدةً أبد الدهر، ولا غرو أن واقعةً أو حادثةً مثل واقعة الطف لا تكون ولن تكون، فبها صار دينُ الله خالداً محفوظاً (إنّ الدين عند الله الإسلام)، حتّى عُبِّرَ عنه بأنّه: (محمّدي الوجود حسيني البقاء)، نستنتج من ذلك أن الله تعالى أراد تخليد من جادَ وجاهدَ في سبيل بقاء الدين كما خلّد من كان سبباً لوجوده، ومنها مقام الكفّ الأيمن لأبي الفضل العباس(عليه السلام)..
إذ يَذكر أرباب المقاتل: عندما أكمل أبو الفضل العباس (عليه السلام) ملء القربة بالماء قفل راجعاً إلى المخيم، وفي أثناء عودته كمنَ له حكيم بن الطفيل ويزيد بن الرقاد (لعنة الله عليهما) اللذان كانا مختفيين وراء نخلة، حتى جاوز العباس (عليه السلام) مكانهما، فضربه يزيد بن الرقاد من الخلف على يمينه فقُطِعتْ حيث موقع المقام الحالي والتي دُفنت مع الجسد الطاهر فيما بعد, إلّا إنه اتُّخذَ من مكان سقوطها مقاماً ومكاناً للخلود.
يقع مقام الكف الأيمن في الجهة الشمالية الشرقية من العتبة العباسية المقدسة في محلة باب بغداد؛ والمكان متداخل بين منطقتي محلة باب الخان وباب بغداد، بالقرب من مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام)، ويتكوّن المقام الذي يقع في داخل زقاق نافذ ويتّخذ ركناً من جهتين على يسار الزقاق وفيه ثلاث نوافذ, وقد تمّ تغليف واجهته بالكاشي الكربلائي، وعليه كتيبة قرآنية كتبت عليها الآية: ((بسم الله الرحمن الرحيم (وَفَضَّلَ اللهُ المُجاهِدِينَ عَلَى القاعِدِينَ أَجراً عَظِيماً) النساء: 95)) ومن الجهة الأخرى، يوجد شباك ذو بابين صغيرين من النحاس مكتوب عليهما البيت الشعري:
ذا لعباسِ العلى الطهرِ مقامْ * كفه اليمنى بدت يوم الطفوف
وقد دُوِّن تأريخ عمل الشباك أسفل الفتحة اليمنى منه(1394هـ/1974م) وعلى الباب الأيسر مكتوب: (عمل جعفر داود السباك), وتعلو الشباك لوحةٌ من الكاشي الكربلائي رُسِمتْ عليها كفٌّ مقطوعة، ترمز إلى كفّ أبي الفضل العباس(عليه السلام) وهي محاطة بالنخيل، يعلوها قول أبي الفضل العباس (عليه السلام):
والله لو قطعتم يميني * إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين * نجل النبي الطاهر الأمين
كما يعلو الشباك أيضاً رسمٌ لكفين مقطوعتين متقابلتين، كتب على الجانب الأيمن منها (هذا مقام) وعلى الجانب الأيسر (كفّ العباس)، ويعلو ذلك كتيبة من الكاشي الكربلائي كُتِب عليها البيتان اللذان قالهما أبو الفضل العباس (عليه السلام) حينما ورد الماء على نهر الفرات وامتنع أنْ يشرب، فارتجز قائلاً:
يا نفسُ منْ بعدِ الحسينِ هُوني * وبعدَهُ لا كنتِ أنْ تكوني
هذا الحسينُ واردُ المَنونِ * وتشربينَ باردَ المعينِ
واللهِ ما هذا فعالُ ديني * ولا فعالُ صادقِ اليقينِ
يُذكر أنّ الغاية من تشييد هذين المقامين هو تخليدٌ للمقام المقدس لكفّي الجود العَلَويّ، وهما يلوحان أمام زائري مرقد أبي الفضل (سلام الله عليه) مقامين شامخين يمثّلان موقع سقوط كفّيه الأيمن والأيسر؛ حيث يتبرّكُ أتباع أهل البيت (عليهم السلام) بهذين المقامين الشريفين, وتعود بهم الذاكرة إلى ساحة البطولة والفداء، متمثّلة بساقي عطاشى كربلاء (عليه السلام) وما جرى له يوم عاشوراء وكيف ضحّى بكفّيه ومهجته فداءً للأخوّة الحسينية التي بهما أرسى قواعدها وأضحت أنموذجاَ ومَثَلاً للقاصي والداني على مرّ السنين والأيّام.
وحالياً، يتوافد اليهما الملايين من الناس وبالأخصّ في مناسبات الزيارة, حيث إنّ لهذين المقامين -كما يذكر خَدَمة العتبة العباسية المقدسة، وخاصة الماضين منهم- كرامات عديدة لقضاء الحوائج؛ فالناس يتّجهون إليهما بقلوب حزينة متألّمة، وعلى يقين ثابت بأنّ الله سبحانه وتعالى سيستجيب دعواتهم، مستشفعين بكفّي باب الحوائج أبي الفضل العباس (عليه السلام).
شبكة الكفيل العالمية