أكثر من 130 إذاعة في العراق .. المنوَّعة تعيش على الإعلانات .. والدينية والحكومية “سمينة”
قال عاملون في مجال البث الاذاعي في العراق ان مصادر تمويلهم تختلف باختلاف توجهات الاذاعة والجهة الراعية، فضلا عن اعتماد بعضها على مصادر مالية توفرها بنوك وشركات، فيما وصف عدد من مالكي اذاعات خاصة اداء هيئة الاعلام والاتصالات بـ”المسيس”. وقال مدراء تنفيذيون في محطات اذاعية محلية، طلب كلهم عدم ذكر اسمائهم وأسماء محطاتهم، ان تأثير بثهم في الرأي العام اكثر من الصحف.
وقال مسؤول في هيئة الاعلام والاتصالات في حديث لـ”العالم” شريطة عدم ذكر اسمه، ان هناك الان ما يزيد عن 130 محطة اذاعية في العراق، باستثناء منطقة كردستان غير الخاضعة لمسؤولية الهيئة، منها في بغداد وحدها اكثر من 40 محطة اذاعية.
وامتلأ الفضاء العراقي بعد العام 2003 بعشرات المحطات الاذاعية والتلفزيونات الفضائية، في مشهد يتخطى التنوع الى الاختلاف والتناقض.
وكان العراقيون يستمعون قبل الاطاحة بنظام صدام الى محطتين اذاعيتين ومحطتين تلفزيونيتين تضاف اليها محطة تلفزيونية فضائية. وكانت السلطات تفرض عقوبة بالسجن 6 شهور ومصادرة الاجهزة في حال استعمال العراقي لـ”صحن ومستقبل”. وهناك عقوبات قد تصل الى الاعدام.
وكان تقرير صدر عن “مجموعة المرشدين العرب”، المتخصصة برصد تطور وخدمات قطاع الاتصالات في الدول العربية، ذكر ان العراق وفلسطين يتصدران الدول العربية بعدد المحطات الاذاعية الحكومية والخاصة، التي تبث على موجة FM وAM.
وأفادت الآنسة جود حزينة، محللة الأبحاث في مجموعة العرب، وكاتبة التقرير، ان “بنهاية شهر آب 2013، احتل العراق، من بين الدول العربية المشمولة في التقرير، المرتبة الأولى من حيث العدد الكلي لمحطات الراديو وأيضاً من حيث عدد المحطات الخاصة. إذ وصل عدد المحطات الكلي في العراق إلى 69 محطة.”
وتبلغ تكاليف انشاء اذاعة والمحافظة على بثها آلاف الدولارات شهريًّا.
وقال مدير تنفيذي في اذاعة خاصة تبث من بغداد، فضل عدم ذكر اسمه في حديث مع “العالم”، انهم “إذاعة خاصة تتنوع برامجنا بين السياسة والثقافة والفن والأخبار،” مشيرا الى “اننا لا نتلقى دعما من أية جهة.”
وقال ان “تمويلنا يعتمد على الإعلانات، التي تسهم في تمويل الكثير من الإذاعات الخاصة الأخرى.” وقال ان هناك عددا من الاذاعات تحصل على تمويلها من “أحزاب ومؤسسات دينية أو غير دينية.”
وأضاف ان هناك ايضا “اذاعات خاصة تحصل على تمويلها من بنوك أو شركات تجارية.”
ورفض المتحدث التطرق الى مزيد من التفاصيل. وبشأن المحطات الإذاعية الترفيهية وأعدادها، قال المتحدث “لا أعرف ماذا تقصدون بـ(الترفيهية)،” وتابع ان “إذا كان القصد هو المحطات التي تبث أغان وموسيقى، فإنني، كمختص في الوسط، أرى أن أعدادها يفوق قليلا على الإذاعات الدينية أو تساويها.”
ولاحظ ان “انتشار الإذاعات الدينية يمكن رده إلى الوفرة المالية لدى المؤسسات الدينية،” مشيرا الى ان “شخصيات دينية لديها قنوات تلفزيونية وإذاعات،” فضلا عن “اذاعات الوقفين السني والشيعي.”
وقال ان “بعض الأحزاب الدينية لديها إذاعاتها أيضا.”
المهندس أزهر العباسي، مدير راديو المؤتمر التابع لحزب المؤتمر الوطني العراقي، تحدث لـ”العالم” عن حجم الانفاق على الاذاعات، قائلا ان “كلفة الأجور والمستلزمات تصل شهريا الى حدود 17 ألف دولار، باستثناء اجور المكان ووقود المولدات الكهربائية.”
وبشأن كلفة انشاء محطة إذاعية قال المهندس ازهر انها “تتراوح بين 150 الى 200 ألف دولار،” لافتا الى ان هذا “التراوح يعتمد على نطاق البث.”
ويعتقد مراقبون محليون ان على الرغم من ان تنوع جهات البث الاعلامي في العراق يسهم في تعزيز المناخ الديمقراطي الناشئ في العراق، إلا ان كثرة الاذاعات والتلفزيونات تسهم ايضا بإرباك الرأي العام وتثير جوا من الفوضى.
اذ يقول احد العاملين في المجال الإذاعي الذي طلب عدم ذكر اسمه لعدم تخويله بالتصريح لوسائل الإعلام ان هناك من دخل في مجال الاعلام حاملا ايديولوجية معينة يصر على تنفيذها او انه ينفذ اجندة معينة تمليها توجهات مصدر المال، الذي يبقى في حالات كثيرة طي الكتمان. ولاحظ المتحدث ان الإذاعات واحدة من أكثر وسائل الإعلام انتشارا بعد الصحف، ان لم تكن تسبقها. ويقول ان السبب في هذا “ربما لقلة ما تتطلبه من أموال مقارنة بوسائل اعلام أخرى أو لغياب الرقابة، أو لتعطش تاريخي عانى منه العراقيون لعقود كانوا فيها مرغمين على سماع إذاعتين أو ثلاث في العراق كله.”
وتقول إحصائيات دوريات هيئة الإعلام والاتصالات ان اكثر المحطات الاذاعية مرخصة من جانبها، وان هناك محطات يغطي بثها المحافظة التي تعمل فيها، وهناك اخرى تغطي محافظات عدة من العراق.
لكن هذا العدد غير القليل من المحطات الاذاعية مقارنة بعدد سكان العراق ومساحته الجغرافية، مستثنى منها كردستان، يبعث على التساؤل عن جدواها في صناعة رأي عام حديث بلد تحكم مجتمعاته صور نمطية ووقائع تاريخية مضت.
هذا فضلا عن ان غالبية العاملين في هذا المجال لا يتوافرون على الخبرة في ادارة بث في مجتمع متنوع تمزقه الانتماءات الدينية والعرقية وتتلاعب به المواقف الحزبية.
مدير تنفيذي اخر في محطة اذاعية خاصة، يقول إن “الإعلام في بيئة مأزومة مثل البيئة العراقية لا يمكن أن يتحرك بحرية، سواء على مستوى الخطاب والأطروحات الفكرية والفنية، او على المستوى الميداني حيث حصدت المفخخات و”الكواتم” أرواح إعلاميين وإعلاميات.”
وعلى الرغم من ان هذا عمل محفوف بالمخاطر أحيانا يرى المتحدث انه “لا يقلل من أهمية وسائل الإعلام والإذاعات على نحو خاص في تشكيل رأي عام يزحزح بعض الأيقونات.”
ويعرب عن اعتقاده ان الأمر “يتطلب وقتا لنرى تلك التأثيرات، وإن كانت بعض الإذاعات تركز على التأليب والعمل على تضخيم بعض المعلومات.”
عامل اخر في محطة اذاعية خاصة أيضا قال لـ”العالم” إن “بعض المحطات الإذاعية تعمل بمهنية عالية وتسعى لوضع دورات برامجية تضع في حسبانها الجمهور بنحو عام،” بدلا من التركيز على فئة معينة منه.
لكنه يقول ايضا ان هناك “اذاعات تسعى للحصول على المال أولا وفي المقدمة عن طريق اعتمادها على خدمة الاتصالات الخاصة التي تؤمن مداخيل مادية جيدة لمالكي الإذاعات،” مضيفا ان هذا يعني “ايجاد برامج معينة قد لا تحترم الذوق العام.”
أبو طيبة، 58 سنة سائق سيارة أجرة، يقول انه يقضي “أكثر من عشر ساعات في الشارع، لذلك أحتاج للراديو فأتنقل من إذاعة إلى أخرى بحثا عن بعض البرامج.”
ويوضح ابو طيبة ان اهتمامه ينصب على البرامج “السياسية والدينية”.
لكن عبد الله الشمري، 34 سنة، يقول “سئمت من سماع المواعظ وأخبار الانفجارات والسياسيين، التي تبثها اذاعات كثيرة.”
و”سئم” الشمري هذا يدفعه الى “اللجوء الى (السي دي) لكن أحيانا اسمع الراديو، وبالتحديد بعض برامج المنوعات والمسابقات”.
بعض العاملين في المحطات الإذاعية، يسعون الى تامين حاجات حياتهم اليومية ولا يعنون بـأجندة او أيديولوجية هذه الاذاعة او تلك. هم يريدون “تأمين لقمة العيش،” كما يقول احدهم.
المخرج الإذاعي أكرم عبد الرحمن، 28 سنة، يقول انه يعمل في إذاعة معينة “ثلاثة أيام وإذاعة أخرى ليومين، ويتبقى لي من الأسبوع يوم وجمعة، اقضي اليوم بمراجعة الدوائر أو قضاء حاجاتي الخاصة، اما الجمعة فللراحة.”
ويقول بصراحة ان “كل هذا الجهد كي الحق بالعيشة!”
احمد الطائي، مقدم برامج في احدى الاذاعات الخاصة، يقول يرى ان وسائل الإعلام “وفرت فرص عمل للشباب، وان لم تكن كبيرة، لكنها أسهمت إلى حد ما بامتصاص جزء من البطالة.”
ويوضح ان “كل محطة إذاعية توفر من 20 الى 40 وظيفة،” لافتا الى ان هذا العدد يمكن ان “يتضاعف في الإذاعات الحكومية والإخبارية.”
لكن عددًا من مالكي المحطات الاذاعية الخاصة، من الذين التقتهم “العالم”، يشتكون من “حجم الضرائب والرسوم أو الأموال المحتسبة كأجور للطيف الترددي، التي وصلت إلى مئات الملايين،” كما يقولون.
وهذا الامر، برأيهم، يضع “الاذاعات الخاصة تحت رحمة هيئة الإعلام والاتصالات، وعرضة للتهديد الدائم بالإغلاق،” إذا ما أصرت الهيئة على تنفيذ قراراتها، التي يصفها بعضهم بأنها “غير مدروسة”.
لكن اخرين قالوا ان سياسات الهيئة “خاضعة لتوجهات سياسية.”
سالم موسى / العالم