من الأرشيف – بيان مكتب السيد الحكيم (مد ظله) حول استشهاد الصديقة الطاهرة (عليها السلام)

274

sayed-alhakeem-hakeem-najaf

أعظم الله أُجورنا وأُجوركم بذكرى مصاب بضعة الرسول (صلى الله عليه وآله) فاطمة الزهراء (عليها السلام)

    تمرّ علينا هذه الأيام ذكرى استشهاد سيّدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)
وإنا إذ نقدّم تعازينا لولدها الإمام المهدي المنتظر (عجلّ الله فرجه) ولجميع الأخوة المؤمنين والأخوات المؤمنات في بقاع المعمورة, نستثمر هذه الفرصة للإشارة إلى جوانب من فضل الصديقة الطاهرة وشخصيتها وسيرتها (عليها السلام)، فإنَّها سيّدة نساء العالمين وقدوة المرأة المسلمة.

1- أول ما يلاحظ الباحث في القرآن والسنّة اختصاص الزهراء فاطمة (عليها السلام) من بين أخواتها بالفضل والرعاية وتميزها عنهن، ففاطمة سيّدة نساء أهل الجنة (البخاري)، وهي المشمولة بآية التطهير، وهي التي حسمت السماء أمر زواجها، وهي التي اختصت برعاية رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتَّى (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا سافر، آخر عهده إتيان فاطمة، وأوّل من يدخل عليه إذا قدم ـ فاطمة) (مسند أحمد)، في كلِّ هذه الأحاديث والمواقف وغيرها .. كانت فاطمة (عليها السلام) تتميز عن باقي أخواتها، مما يكشف عن سرٍّ عظيم كامن في شخصيتها ومقامها (عليها السلام) .

2- اتسمت حياة الزهراء (عليها السلام) بالبساطة والقناعة، فلم تستثمر مكانتها من أبيها لتحرجه بمستلزمات الترف والنعيم، بل نجدها على العكس من ذلك قد ضربت ـ مع باقي أفراد أسرتها ـ الأمثلة الرائعة في التضحية والإيثار قربة وإخلاصاً لله تعالى، وكانت آيات سورة الدهر شاهداً خالداً على إيثارها (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً * إنّما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شُكوراً).

3- عرفت الزهراء (عليها السلام) بعطفها وحنّوها على إخوة الإيمان حتَّى انعكس ذلك على عبادتها ودعائها لربّها، ففي الحديث عن الإمام الحسن (عليه السلام): (رأيت أُمي فاطمة (عليها السلام) قامت في محرابها ليلة جمعة فلم تزل راكعة وساجدة حتَّى انفجر عمود الصبح، وسمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات وتسمّيهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أُمّاه لِم لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك؟ فقالت: يا بُني الجار ثمَّ الدار). (كشف الغمة إلى معرفة الأئمة 2 / 94).

4- لم تتوانَ الزهراء (عليها السلام) – رغم صغر سنها وكونها ابنة الرسول وزعيم المسلمين وقائدهم – من مشاركة باقي المسلمات في دعم المسلمين في المحن والمصاعب التي واجهوها، فقد روى الواقدي – في حديثه عن رجوع النبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين من معركة اُحُد-: (وكنّ جئن أربع عشرة امرأة، منهنَّ فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحملن الطعام والشراب على ظهورهن ويسقين الجرحى ويداوينهم)، (المغازي 1 / 249).

5- لم يكن مقام الزهراء (عليه السلام) ولا التزاماتها الإسلامية العامَّة تمنعها من أداء دورها في بيتها كزوجة بارّة وأُمّ مثالية فلم تغفل حقّ زوجها ولم تتطاول عليه بل كانت مثال الزوجة الصالحة في الإخلاص لزوجها واُنسه وتخفيف معاناته خارج البيت حتَّى ورد الحديث عن الإمام علي (عليه السلام) انه قال: (فو الله ما أغضبتُها ولا أكرهتُها على أمر حتَّى قبضها الله عزّوجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنتُ أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان)، وفي هذه المواقف الفاطمية درس للمرأة المسلمة في ضرورة العناية ببيتها وأسرتها مهما كانت التزاماتها خارج البيت.

6- إنَّ من مفارقات الدهر التي تعبّر عن مأساة المسلمين أن تواجه البضعة الطاهرة بأنواع المآسي والمحن عقيب رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله) أمام أعينهم وخذلانهم ونكوصهم، فمِن غصبِ حقّها في فدك .. مروراً بمنعها من البكاء على أبيها والتهديد بإحراق دارها .. وانتهاءً بأحداث الهجوم على الدار وكسر ضلعها وإسقاط جنينها وغير ذلك ممّا حفلت به المصادر التاريخية، فقد روى ابن عبد ربه .. (فأما علي والعباس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حتَّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجهم من بيت فاطمة وقال له: إن أبَوا فقاتلهم، فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يابن الخطاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة)، (العقد الفريد 4 / 259)، وروى البلاذري: (أنَّه حصر فاطمة في الباب حتَّى اسقط محسناً)، (وحكاه الشهرستاني عن النظام)، إلى غير ذلك من المآسي التي اندثرت أكثر أخبارها كما هي الحالة في ممارسات كلّ الطغاة. ويكفي دلالة على مدى الآلام والمظالم التي واجهتها فاطمة (عليها السلام) ما رواه ابن حجر العسقلاني إنَّ الرسول (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة (عليها السلام): (إنَّ جبرائيل أخبرني أنَّه ليس امرأة من نساء المسلمين أعظم رزية منك فلا تكوني أدنى امرأة منهن صبراً)، (فتح الباري 8 / 111).

7- لم تقتصر مواقف الزهراء المبدئية على حياتها، بل سجلت في وصيّتها الخالدة حجّة دامغة ودليلاً يهتف بظلامتها تعيشه الأجيال على مرّ العصور، فقد روى البلاذري عن عروة بن الزبير (أنَّ علياً دفن فاطمة ليلاً وغسّلها علي وأسماء وبذلك أوصت ولم يعلم أبو بكر وعمر بموتها)، (انساب الأشراف 1 / 405)، ومن بين قبور الصحابة وزوجات الرسول بقي موضع قبرها مجهولاً إلى يومنا هذا، ليكون صرخة تهز الضمائر المسلمة الحيّة، ولتؤكد غضبها وسخطها على القوم، وهي التي قال عنها الرسول (صلى الله عليه وآله): (إنّما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها)، (البخاري).

8- كانت الزهراء – في أوج ظلامتها – تنبىء عن مستقبل الأمّة القاتم بعد أن أهملت وصية نبيّها فقالت مخاطبة نساء المهاجرين والأنصار: (ويحهم (أفمن يهدي إلى الحق أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فمالكم كيف تحكمون)، أما لعمري لقد لقحت فنظرةً ريثما تنتج ثمَّ احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً وذعافاً- أي سما- مبيداً، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غِبّ – عاقبة – ما أسّس الأوّلون، ثمَّ طيبوا عن دنياكم أنفساً واطمئنّوا للفتنة جأشاً وابشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدعُ فيئكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرةً لكم، وأنى بكم، وقد عمّيت عليكم (أَنُلزِمكموها وأَنتم لها كارهون)).

ختاماً إذ نجدد التعازي لكلِّ الأخوة المؤمنين والأخوات المؤمنات بهذه المناسبة الحزينة ندعو الباري سبحانه أن يوفق الجميع لانتهاج خطى أهل البيت (عليهم السلام) والتمسك بحبلهم رغم ركام الفتن والآلام كما قال (صلى الله عليه وآله):
(إنَّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلّف عنها غرق وهوى).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*