80% مـن مصــانـع العـراق معطّـلـة ونـسبـة الإنـتـاج الصنـاعـي 1,5%

221

15-4-2014-S-13

     الصناعة المحلية ضرورة من ضرورات الحياة في بلد مثل العراق، ولا نريد أن نستعرض صناعاتنا المحلية سابقا، والمشهود لها بجودتها وتميزها وكيف كانت تدخل في المنافسة مع الصناعات المستوردة ولها الغلبة أحيانا، أما اليوم فتشير الدراسات إلى أن 80 في المئة من مصانع العراق انهزمت في معركة غير متكافئة مع السلع المستوردة، ومعظم الصناعيين انسحبوا من المواجهة وتحوّلوا إلى التجارة ما أدى إلى ارتفاع نسب البطالة والباعة الجوالين، أما العشرون في المئة المتبقية فبقيت تعمل بنصف طاقتها.

يقول أسامة محمد، صاحب معمل بلاستك ” إن “تراجع إنتاجية معمله يعود لما قبل 2003،والسبب يكمن في الرداءة النوعية للمادة الخام (البلاستك)”،مشيرا إلى أن “منافسة البضائع المستوردة المتمثلة بأنابيب المياه البلاستيكية السبب الرئيسي لإغلاقه”.

بينما يرى حميد جواد صاحب معمل الشمع أن “معمله هو احد المعامل الصغيرة التي توقفت عن الإنتاج لأسباب بيئية تكون مصادرها من مشتقات النفط”،مضيفا :إن “شمع الإنارة المستورد الذي يستخدم في المناسبات من نوعية جيدة ورخيص الثمن وفي  قوالب جذابة نافست معمله البسيط ، وأوقفته عن العمل”. ويؤكد جواد، “أن “سبب تراجع معمله هو عدم تشجيع الحكومة للقطاع الخاص، رغم قدرته على صناعة ما هو أفضل من المستورد”.في حين يبين حامد جاسم، صاحب معمل المساميرأن “سبب إغلاق معمله منافسة البضائع الأجنبية حيث يتم استيراد المسامير بسعر أرخص من القيمة التي يستورد فيها المادة الخام”،موضحا ان “تكلفة الإنتاج في المعمل تبلغ 1200 دولار,في حين يتم استيراد المسامير من الصين بتكلفة 900 دولار بنفس الكمية المنتجة”.

القطاع الصناعي غائب تماماً منذ ثمانينات القرن الماضي

نعلم جميعا أن الحروب التي مرت على العراق أجهزت على البنى التحتية لصناعاتنا المحلية ، في فترة الثمانينات (الحرب العراقية -الإيرانية) والتسعينات (الحصار الاقتصادي) ،والتغيير الذي حصل بعد 2003 كان له الأثر الكبير في تحطيم القطاعين الصناعيين الخاص والعام وتدميرهما بدرجة كبيرة جدا وصلت إلى أكثر من 95% من المصانع والشركات العراقية الإنتاجية ،وبالتالي خسر العراق الشيء الكثير من جراء توقف المعامل والمصانع حتى وقتنا هذا.

يقول باسم  جميل أنطون، الخبير الصناعي ” استنزفت الصناعة سابقا في فترة الثمانينات والتسعينات مبالغ هائلة لأغراض الحرب الإيرانية -العراقية وحرب الخليج أي استخدمت للتصنيع العسكري، وترك القطاع الصناعي المدني دون أي تمويل”، لافتا إلى ان “هذا الأمر أدى إلى هجرة الكثير من الصناعيين للبلد لشعورهم بالخطر على الصناعة العراقية من الاندثار”.

وبين أنطون، انه “بعد سقوط النظام السابق كان الصناعيون العاملون في القطاعين العام والخاص يأملون ان تكون هناك نهضة بواقع حال الصناعة”،مشيرا إلى ان “مستلزمات تلك النهضة كانت متواجدة في البلد سواء كانت الثروات الهائلة المتمثلة بالريع النفطي أو الكادر الصناعي الموجود في البلد بقطاعيه العام والخاص”.

وكشف ، عن نسبة المصانع التابعة للقطاع الخاص البالغة 35 ألف مصنع 80%منها معطل، بينما المصانع التابعة للقطاع العام 76شركة تحوي 250 مصنعا شبه معطل، في حين  45 ألف مصنع تابع لاتحاد الصناعات أيضا معطلة.

وأضاف، ان “الصناعيين كانوا يتوقعون من النظام الجديد مد يد العون لهم للنهوض بالقطاع الصناعي العام والخاص”،لافتا إلى ان “تعرض القطاع العام لعملية السلب والنهب أدى إلى أضرار مضاعفة”

وأشار الخبير الصناعي،الى ان “هدف الصناعيين كان إعادة الحياة لهذه المعامل وتهيئتها لاستيعاب الأيدي العاملة من ذوي الكفاءات وتفعيل دورها في تقليل ظاهرتي الفقر والبطالة ،إذ ان 20% من سكان البلد دون خط الفقر”، مبينا “هدفها في الحد من الاستيراد العشوائي للسلع والبضائع الأجنبية ،وتصنيع سلع وبضائع محلية تحل بدلها”.

وأعرب،عن اسفه الشديد من “خيبة امل هؤلاء الصناعيين عند اكتشافهم عجز الوضع الجديد عن النهوض بالمصانع، لمنافسة نتائج الضربة القاسية التي وجهها الحاكم الأمريكي (برايمر) آنذاك حين أمر بفتح الأبواب على مصراعيها للبضائع الأجنبية وبرسم كمركي بسيط 5% ورفعه للتعرفة الكمركية على الإنتاج المحلي”،موضحا ان “هذا جاء بدلا من دعمهم وتقديم القروض وتعمير المدن الصناعية وبناء منشآت صناعية جديدة، فتوجهت الأنظار إلى ضرورة وضع ستراتيجية صناعية للنهوض باقتصاد العراق”.

ودعا الخبير الصناعي، إلى “ضرورة تهيئة النمو الصناعي لخلق بيئة ملائمة للإنتاج، إلى جانب دعم القطاع الخاص بعدة أمور منها قروض ميسرة ، طاقة كهربائية ما لا تقل عن ثماني ساعات”,مشددا على “ضرورة إحكام التقييس والسيطرة النوعية على السلع والبضائع التي تدخل البلد، وخصخصة بعض مصانع القطاع العام أو شراء أصحاب رؤوس الأموال لبعض أسهمه للنهوض به إلى المستوى المطلوب”.

التخطيط تنوي إقامة مصانع جديدة!

في المقابل أكد عبد الزهرة الهنداوي، المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط ان “المسح الذي أجرته وزارته حول المصانع بمختلف قطاعاتها يبين ان 1996مصنعا معطلا”، لافتا إلى ان “الوزارة مستمرة في إكمال المسح لحين وصولها إلى العدد الإجمالي”.

الهنداوي بين” انه “في إطار الخطة الخمسية (2013-2017)هناك تركيز على القطاع الصناعي باعتباره المساهم في عملية الإنتاج المحلي الإجمالي”، موضحا ان “الخطة تتضمن بناء مصانع جديدة  بمختلف الاختصاصات وتوزيعها جغرافياً بصورة عادلة وبحسب توفر المادة الأولية لكل مصنع مع مراعاة الوضع البيئي”.

وبخصوص توجه أغلب الشباب الصناعيين القادرين على العمل في مجال الصناعة إلى العمل في الأمن الذي يعتبر قطاعاً غير منتج .

يقول الهنداوي “إن توقف اغلب المصانع أدى إلى توجه الصناعيين للعمل في مجال الأمن”،لافتا إلى ان “استمرار وزارة الصناعة بدفع رواتب موظفيها الذين لا يقدمون شيئا للصناعة يعد عبئا ثقيلا على الموازنة”.

توجد في العراق بنية تحتية ومصانع قائمة منذ اكثر من 60-50 سنة وتتوفر فيها كل المقومات من مكائن وآلات وخبرات صناعية كبيرة ،إذاً لابد من إعادة الحياة لتلك المصانع والمعامل الصغيرة والمتوسطة وتطوير الصناعات الحرفية لما لها من أهمية حقيقية في دعم الاقتصاد الوطني في البلاد.

أثر تدهور القطاع الصناعي على البطالة منذ سقوط النظام ولحد الآن حتى وصل إلى حد الشلل التام وتوقف اغلب المصانع للقطاع الخاص مما أدى إلى اعتماد البلد بنسبة كبيرة على البضائع المستوردة وزيادة نسبة البطالة، ولذلك تأثرت الصناعة الوطنية سلبياً وأصبح البلد يستورد كل شيء مما تسبب في قتل الصناعة وزيادة عدد العاطلين عن العمل والذين يمثلون الأرضية الخصبة للمجاميع الإرهابية المهددة لاستقرار الأمن الوطني

غياب الستراتيجية وعدم تطبيقها سبب رئيس لتدهور القطاع الصناعي

من جانبه يشير ماجد الصوري، الخبير الاقتصادي إلى ان “عدد العاملين في القطاع الصناعي(العام) اكثر من 182ألف منتسب صرفت لهم منذ 2003 لغاية2011 (13تلريون دينار)،وهم لا يساهمون في الناتج المحلي الإجمالي”، مشددا على “ضرورة معالجة هذه القضية وتقديم الحلول الجذرية لها”.

الصوري يؤكد “انه “لو تمت إعادة تهيئة المصانع ستؤدي إلى تشغيل 650ألف عامل”، ما يعد “مؤشراً ايجابياً لخفض نسبة الفقر والبطالة والتخلص من الإرهاب”.

ويبين،ان “في العراق 21مصنع (سمنت) بإمكانها سد حاجة السوق نهائيا، إلا انه وللأسف الشديد مازالت أبواب استيراد السمنت الأجنبي مفتوحة!”، مشيرا الى ان “السبب وراء تراجع دور المصانع هو عدم وجود دعم حكومي من ناحية توفير المستلزمات، او توفير الطاقة الكهربائية لهذه المنشآت بشكل منتظم،وانعدام الحماية وما إلى ذلك”.

ويضيف الخبير الاقتصادي، ان “هناك الكثير من القواعد الصناعية الموجودة في العراق قد تؤدي إلى تفعيل العملية الإنتاجية التي ستكون محوراً مهماً جدا لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة منها صناعة البتروكيمياويات”, عازيا الأسباب إلى “غياب الستراتيجية وعدم تطبيقها لمختلف المجالات الاقتصادية، منها التخلص من البطالة،خطط التنمية الاقتصادية،القضاء على الفقر”.

ويلفت،النظر إلى ان “الآليات واضحة وهي ضرورة فصل السياسة عن الاقتصاد”، مشددا على ضرورة حل أزمة الكهرباء التي تعتبر الأساس في عملية التنمية الاقتصادية بشكل عام والتنمية الصناعية بشكل خاص”.

العراق يمتلك ثاني اكبر مصنع للحديد والصلب في الشرق الأوسط لكنه عاطل عن العمل،وكذلك الأمر ينطبق على معمل البتروكيمياويات والأسمدة والغزل والنسيج والجلود والسمنت الذي يضاهي المنتج الأجنبي،ومعامل الزيوت والألبان،ومصانع تعليب كربلاء،ومعمل تجميع السيارات في الإسكندرية الذي انتج سيارات (ريم العراقية ) وجرارات عنتر الزراعية،وغير ذلك من الصناعات الخفيفة والثقيلة والأجهزة الدقيقة,حتى معمل سامراء لصناعة الأدوية التي كانت فخرا للصناعة الدوائية توقفت العديد من خطوط إنتاجه وتسرب العديد من كوادره النادرة.

خطوات النهوض بالقطاع الصناعي

لأجل النهوض بواقع حال الصناعة يجب:

1- تعزيز الصناعات التي تقوم على الميزات النسبية التي يملكها العراق كبلد غني بثروات طبيعية.

2- الاتجاه نحو المنتجات ذات القيمة المضافة العالمية.

3- الاتجاه نحو الصناعات ذات المحتوى التقني العالي والصناعات المعرفية.

4- تبني نموذج التجمعات الصناعية بأنواعها المختلفة (الصناعات العنقودية).

5- دعم وتعزيز المؤسسات الصناعية الصغيرة والمتوسطة.

6- تطوير بيئة العمل (الأنظمة،التشريعات،الإجراءات).

7- رفع القدرة التنافسية للمنتجات الوطنية (مواصفات،مقاييس،الجودة،مكافحة الإغراق).

8- تنمية الموارد البشرية لقطاع الصناعة.

إمكانية النفع من النهضة الصناعية في البلد

ومن خلال التسارع في تنفيذ الفقرات أعلاه والرقابة المستمرة على تطبيق الشروط ستكون الحصيلة لهذه الستراتيجية كالآتي:

1- خلق عدد واسع من الوظائف المنتجة.

2- المساهمة بفاعلية في الناتج الإجمالي المحلي إلى 25%.

3- زيادة نسبة النمو السنوي للصناعات التحويلية إلى 14%.

4- زيادة نسبة نمو القيمة المضافة في المنظومة الصناعية إلى 8% سنويا.

5-بلوغ مؤشرات التنافسية مستوىً عالمياً.

6-التواصل المستمر بين المنظومة الصناعية، والجامعات العراقية المختصة بإعداد الكفاءات، والمراكز البحثية، بنسب عالية.

750 ألف منتسب لا يديرون سوى الأعمال المكتبية

يقول عدنان الصفار، عضو الاتحاد العام للنقابة العمالية في العراق، ان “دعم الصناعة الوطنية سيؤدي إلى تشغيل الأيدي العاملة بدل تركها عرضة للتهميش والإقصاء، وللحد من انجرافها نحو البطالة”،مؤكدا ان “هناك 750 ألف منتسب حاليا في القطاع العام لا يمارسون الأداء الصناعي،مكتفين فقط في الأعمال الإدارية والمكتبية”. ويشير الصفار “الى انه “في حال عمل القطاع الخاص بشكل متكامل وتوفرت له الضمانات الحقيقية من جانب امني وتوفير الكهرباء وتوفير المواد الأولية، فان ذلك سيساعد على التقليل من نسب البطالة بشكل كبير”، مبينا ان “عمل القطاعات الصناعية العام والمختلط والخاص ستستقطب الكثير من الأيدي العاملة وبالتالي ستقل نسب الإرهاب والفقر والبطالة في البلد”.

ويضيف الصفار، ان “أعداد الكفاءات البشرية في المجال الصناعي كبيرة جدا وتمتلك من الخبرة ما يؤهلها لإدارة الإنتاج في البلد”،معربا عن استغرابه من تحويل العاملين في القطاع العام من الحرفيين والمهنيين الى العمل في  مؤسسات خدمية وسياحية وفي قطاع الأمن”. ويؤكد، ان “هناك غيابا كاملا في التنسيق بين مؤسسات الدولة. فالصناعة والعمل والتخطيط كل يعمل بطريقته الخاصة”، لافتا الى انه “لو قامت هذه الوزارات بالعمل المشترك ووضع الخطة الصحيحة لتمت إعادة بناء الاقتصاد الصناعي بسرعة قصوى”.

ويبين عضو الاتحاد العام للنقابة العمالية في العراق، انه “بسبب الموقف الرسمي لجهات متعددة في الدولة من عملنا النقابي تم إبعادنا عن مناقشة وضع الصناعة في البلد”، موضحا ان الاتحاد العام للنقابة العمالية في العراق يلقى دعما من الخارج افضل بكثير من دعم المؤسسات الحكومية له من الداخل”.

المدى – علي الرسولي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*