زين الدين يؤكد على ضرورة الحفاظ على ممتلكات وموارد العتبة المقدسة والضمان على من يتصرف بها
في اللقاء الأسبوعي للأمين العام مع منتسبي العتبة المقدسة ، صباح يوم الثلاثاء المصادف (15/4/2014) الموافق (15 جمادى الآخرة – سنة : 1435) للهجرة النبوية ، أشار إلى أنواع التصرفات القائمة في ممتلكات العتبة المقدسة ، والموارد التي يترتب فيها الضمان على من يتصرف بها ، وضرورة الحفاظ عليها ، حيث ترده تقارير يومية وشكاوى من بعض المنتسبين حول تصرف بعض الناس في ممتلكات تعود لهذه العتبة المطهرة بدون إذن شرعي ، بل وقد يفرط بعضهم في هذه التصرفات بدرجة تتجاوز حدود المسموح به من الاستعمالات ، مما جعل بعض الحريصين على أموال أمير المؤمنين (ع) يقترحون إصدار تعميم من الأمانة العامة بمنع هذه التصرفات ، وتضمين كل من يسيء التصرف في الممتلكات التي تحت يده .
وفي معرض جوابه على هذا الطلب ، ذكر الأمين العام : أن حرمة التصرف في أملاك أمير المؤمنين (ع) دون إذن شرعي عام ، أو خاص – وكما هو الشأن في الممتلكات العامة والخاصة التي لا تعود إلى المتصرف نفسه-، حكم شرعي واضح الثبوت لكل أحد ، ويعلمه كل مسلم من أوليات دينه الحنيف .
وكذلك الحكم بضمان ما يسببه الإفراط أو التفريط في الاستعمال ، من نقص أو خلل أو عيب في الشيء المتصرف به ، حتى في الموارد المأذون فيها بالتصرف .
وكلا الحكمين معلومان لكل المكلفين ، سواء ورد كتاب بهذا المعنى من الأمانة العامة أم لم يرد ، بل وسواء علم المعنيون بالإشراف على تلك الممتلكات أم لم يعلموا ، إذ أن الأحكام الشرعية إنما هي بين المولى (تعالى) وعبده ، قبل أن تكون بين المتصرف والمعني بما تحت يده من الممتلكات .
ومن أجل أن نستوضح المسألة بشكل أجلى نقول :
إن اليد التي توضع على الممتلكات المادية على ثلاثة أقسام ، لكل منها حكمه الخاص ، وعلى كل مكلف أن يعرف ما يعنيه منها بشكل واضح ليخرج عن تبعاته :
اليد المالكة
اليد الأولى : يد المالك على ما يملكه من الأعيان والمنافع ، وهي يد سليمة الأحكام ، مباحة الآثار والنتائج ، إذ أن للمالك حق التصرف فيما يملكه من الأشياء ، ومن أوليات الشريعة الغراء : (أن الناس مسلطون على أموالهم) .
نعم ، يجب أن يكون التصرف في الحدود المسموح بها شرعاً ، لحرمة إتلاف الشخص لأمواله المحترمة عبثاً ، أو سفهاً ، أو تبذيراً ، وخصوصاً إذا كان تصرفه مما يؤثر على الصالح الاجتماعي العام ، ولتفصيل هذه الأمور ومعرفة أحكامها يرجع كل فرد إلى مقلده ، ليعلم الموازين الشرعية التي يجب عليه اتباعها في كل مورد يعرض له .
كما أن على الإنسان أن يتتبع -حينما يتصرف في أمواله- الموارد التي يتعلق فيها الحق الشرعي لله ، كما لو زاد ما يملكه على مؤنته السنوية ، أو لغيره من الناس مثل ما يلزم به المالك من النفقات ، أو غير ذلك مما هو مذكور في محالّه من الرسائل العملية ، لما تسببه هذه المتعلقات من قيود خاصة في التصرف ، ومنها توقف السماح له به على الخروج عن عهدة الحق الشرعي ، وتسليمه إلى المستحق وفق الموازين الشرعية أيضاً ، وكل حسب تقليده الخاص .
وننبه هنا على أنه حتى في موارد التصرفات غير المشروعة من المالك في ممتلكاته ، لا يضمن لغيره شيئاً غير الواجب عليه من الحق الشرعي في الحالات التي يجب فيها .
* * *
اليد المعتدية
اليد الثانية : اليد المعتدية ، أو العادية -كما في التعبير المتعارف في الرسائل العملية-، وهي اليد التي تتصرف في الأموال العامة ، أو أموال الغير بدون إذن شرعي من المالك أو ممن له حق الإذن بالتصرف .
وأمثلة هذه اليد كثيرة .. ومنها:
1 -: شخص غصب شيئاً من شخص بالقوة ومنعه من التصرف في ما يملكه .
2 -: شخص سرق شيئاً من شخص آخر .
3 -: شخص ادعى كذباً أن له خبرة في القيام بعمل ما وهو لا يحسنه ، أو هو قادر على القيام به وهو عاجز عنه واقعاً فمكنه بعض الناس –وبناء على دعواه- من التصرف في بعض ممتلكاته ، وحدثت خسارة لهذا المالك جراء دعواه الكاذبة .
4 -: شخص ادعى أنه قادر على إصلاح شيء وهو لا يحسن إصلاحه ، وسلمه المالك إليه ليصلحه فأعابه .
5 -: شخص استولى على شيء من الممتلكات العامة بدون إذن مرجعي ، أو شرعي .
6 -: شخص استولى على لقطة ، وهو عازم على أن لا يرجعها إلى صاحبها وإن وجده .. وهكذا .
وأحكام التصرفات الصادرة من هذه اليد المعتدية :
أولاً: الحرمة الشرعية ، وخروج المتصرف من عين الله (تعالى)، وكما هو الشأن في كل عمل محرم يقوم به الإنسان .
ثانياً : موجب لضمان المتصرف:
أ -: كل خلل ، أو نقص يحصل في العين المعتدى عليها ، ووجوب إرجاعها إلى ما كانت عليه قبل الاعتداء عليها ، وليس مجرد الاكتفاء بما استفاده المتصرف منها ، فلو هدم الدار المغصوبة ، وباع أنقاضها لا يكتفى منه مجرد إعطاء المالك ثمن هذه الأنقاض ، أو مثلها ، بل لا بد من إعادة بنائها كما كانت قبل غصبه وتصرفه .
بـ -: أجرة المثل ، أو الأجرة التي يفرضها عليه المالك -فيما لو كانت للعين منفعة فوّتها على صاحبها-، وكل حسب مورده ، سواء استفاد المتصرف هذه المنفعة-كأن سكن الدار التي غصبها من مالكها ، أو آجرها لغيره خلال مدة الغصب-، أم لم يستفدها -كأن أغلق الدار المغصوبة ، واكتفى بحرمان مالكها من استغلالها كما يريد .
ثالثاً : عدم ارتفاع هذا الضمان –بكل صوره وأسبابه-، حتى مع ندم المتصرف على تصرفه ، وتوبته إلى الله (سبحانه) قبل أن يسلم العين إلى مالكها ، أو إلى صاحب الحق في التصرف فيها ، ويستميحه منه ، أو يوفيه إليه .
نعم ؛ إذا حصل إذن من المالك ، أو من صاحب الحق ، بإبقاء العين تحت يد الغاصب بعد توبته ، انقلب وصف اليد من العدوان إلى الأمانة ، وأصبحت يده يداً أمينة لا تضمن إلا مع الإفراط أو التفريط –وكما سنراه- .
وهذا هو أحد الفروق بين الأحكام التكليفية الخمسة ، أي الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة ، والأحكام الوضعية كالصحة والفساد والضمان وسائر الأحكام الشرعية .
فالأحكام التكليفية إنما تتعلق في ذمة المكلف عند توفر شرائطها من البلوغ والعقل والاختيار والعلم ، أما الأحكام الوضعية فهي أوسع دائرة من تلك الشرائط ، إذ قد يترتب يعضها حتى مع عدم استيفاء هذه الشرائط أو استيفاء بعضها .
فالطفل يضمن ما أتلفه من ملك الغير ، وإن لم يكن ما ارتكبه لا يعتبر محرماً بالنسبة له ، لكونه غير مكلف من جهة عدم بلوغه مرحلة لصغره ، ومثله المجنون والمضطر .
وكذلك من اعتقد ملكيته لشيء فاستوفى منافعه ، أو تصرف فيه تصرفاً متلفاً أو معيباً ، ثم تبين له أنه كان واهماً في اعتقاده ، وأن ذلك الشيء ملك لغيره ، فهو يضمن له تلك المنافع التي استوفاها قيمة أو مثلاً ، كما يتحمل تبعات النقص التي التصرفات التي قام بها ، وإن لم يكن قد ارتكب محرماً لجهله بالحقيقة .. وهكذا .
* * *
اليد الأمينة
اليد الثالثة : اليد الأمينة ، وهي التي تستولي على ملك غيرها مع الإذن الشرعي من الشارع ، أو من مالك حق التصرف فيه ، والأمانة هنا على قسمين :
القسم الأول : الأمانة المالكية ، وهي التي تحصل بإذن المالك للعين ، أو المالك لحق التصرف فيها ، -وكما في تعبير السيد الكلبايكاني- (ما كانت باستئمان المالك وإذنه ، سواء كان عنوان عمله ممحضا في ذلك ، كالوديعة ، أو تبعا لعنوان آخر مقصود بالذات ، كما في الرهن والعارية والإجارة والمضاربة ، فإن العين بيد المرتهن والمستعير والمستأجر والعامل أمانة مالكية ، حيث أن المالك قد سلمها بعنوان الاستئمان وجعل حفظها على عهدتهم) .
ومالك حق التصرف على أنحاء :
1 -: أن يكون مالكاً للعين المملوكة نفسها .
2 -: أن يكون مالكاً لمنفعة العين المملوكة كالمستأجر لها .
3 -: أن يكون ولياً شرعياً على العين ، كولاية الحاكم الشرعي على الأقاف العامة التي لا متولي لها ، أو على الأموال العامة أو مجهولة المالك ، أو ولاية الأب على ممتلكات ولده القاصر .. وهكذا ، ومن أمثلة هذه اليد ما ذذكره السيد الكلبايكاني في عبارته السابقة :
1 -: الوديعة : كأن يودع شخص حاجة يملكها أو ولياً عليها لدى شخص آخر ، للحفاظ عليها .
2 -: العين المستأجرة ، حيث تستدعي الإجارة أن يسلم المالك أو الولي هذه العين إلى المستأجر ليستوفي منفعته منها .
3 -: العين المستأجر عليها ، كما لو استأجر المالك لسيارة سائقاً ليستوفي له منفعتها ، فهو يعطيها إياه ليتحقق له هذه المنفعة التي استأجره من أجلها .. وأشباه هذه الأمثلة .
القسم الثاني : الأمانة الشرعية وهي التي تحصل بإذن المولى الشارع في وقت لا يمكن أخذ الإذن من المالك في الممتلكات الشخصية لسبب من الأسباب ، أو لا يمكنه أخذ الاذن من المتولي الشرعي في الموقوفات ، أو الممتلكات العامة أيضاً .
والسيد الكلبايكاني يعرف هذه الأمانة أيضاً بقوله : (هي ما وقع تحت يد الآخر ، لا باستئمان المالك وإذنه ، ولا على وجه العدوان ، بل إما قهرا ، كما إذا أطارت الريح ثوبا ، أو جاء به السيل إلى ملكه –مثلا-، فصار بحيث يصدق عليه أنه في يده ، وإما بتسليم المالك لها بدون اطلاعهما ، كما إذا اشترى صندوقا ، فوجد فيه المشتري شيئا من مال البائع بدون اطلاعه ، أو تسلم البائع أو المشتري زائدا على حقهما بسبب الغلط في الحساب ، أو صارت في يده برخصة من الشرع ، كاللقطة والضالة ، وما ينتزع من يد السارق ، أو الغاصب من مال الغير حسبة للإيصال إلى صاحبه ، وكذا ما يؤخذ من الصبي أو المجنون من مالهما عند خوف التلف في أيديهما حسبة للحفظ ، وما يؤخذ من معرض الهلاك والتلف من الأموال المحترمة ، كحيوان معلوم المالك في مسبعة ، أو مسيل ونحو ذلك ، فإن العين في جميع هذه الموارد تكون تحت يد المستولي عليها أمانة شرعية ، يجب عليه حفظها) .
ويجمع هذين النوعين من الأمانة من الأحكام : أن الأمين لا يضمن التلف ولا الخلل اللذين يحصلان في العين التي اؤتمن عليها ، إلا إذ أفرط في استعمالها ، أو فرّط في المحافظة عليها .
فالشخص الذي يتصرف في البيت الذي يستأجره بالمستوى المتعارف من تصرفات الساكنين في البيوت ، لا يضمن النقص الذي يحدث فيه جراء تصرفه او جراء تقادم الزمن الذي يمر عليه .
والشخص الذي يتصرف في الجهاز الذي يوضع تحت يده في الاعمال التي استؤجر عليها لا يضمن النقص او الخلل الذي يحدث فيه مما هو متعارف نتيجة تصرفاته.
والشخص الذي تسرق السلعة التي اودعها المالك لديه لا يضمن للمالك مثلها او قيمتها إذا حفظها في المكان الذي تودع فيه مثل هذه السلعة .. وهكذا ..
أما إذا حدث منه تفريط في المحافظة على تلك السلعة ، أو في التصرف فيها ، أو تحقق منه إفراط في استعمالها ، فيجب عليه الضمان للمالك ، أو لصاحب الحق مثلها أو قيمتها ، جراء تفريطه أو إفراطه ، وحسب الضوابط الشرعية .
ومن أمثلة التفريط الذي يحصل في السلع عادة :
أ -: إهمال حماية تلك السلعة ، في وقت هي تحتاج إلى مثل هذه الحماية لوجود خطر عليها ، كما لو ابتعد عن الموقع الذي كانت فيه العين ، دون أن يكلف أحدا يأتمنه على مراقبتها ، ودفع العادين عنها ..
ب -: أن يهمل السلعة ، أو يجعلها عرضة للتلف ، كأن يضع جهازاً تتلفه العوامل الجوية الخارجية كالشمس والمطر في مكان يعرضها لهذه العوامل .
ج -: أن لا يحفظ السلعة في مكان يحفظ هو سلعه المماثلة فيه ، كما لو حفظ النقود في مكان يمكن أن ينالها السارق ، أو يعتدي عليها المعتدي ..
د -: أن يهمل العين المؤتمن عليها دون توفير ما تحتاجه من الأشياء -لسلامتها وديمومة صلاحها-، كأن يهمل الحيوان المؤتمن عليه بدون ماء أو علف ، أو يهمل الجهاز الذي أودع عنده دون إمداده بما تحتاجه الأجهزة المماثلة من الإمدادات .. وهكذا .
أما أمثلة الإفراط في استعمال السلع فمنها :
أ -: أن يحمّل السلعة بأكثر مما تحمله من الأعمال والأثقال ، كالسائق الذي استؤجر لقيادة سيارة حمولتها القصوى خمسة أطنان لكنه حملها أكثر من هذا المقدار ، فأصابها عطل جراء هذه الزيادة .
ب -: أن يستعمل السلعة التي استأجرها لاستعمال ساعتين ، فترة أطول من هذا الوقت ، أو يتجاوز المدى الذي سمح له به كما لو تجاوز بسيارة استأجرها ليصل بها إلى مكان يبعد عشرين كيلومتراً ، ليصل بها الى مسافة ابعد ..
جـ -: أن يستعمل العين في غير الوجه الذي سمح به المالك له ، ولو بتصرف بسيط ، كان يودع لديه سيارة ليحفظها له، واستعملها لبعض أموره الخاصة دون إذن من المالك أو الشارع.
أو وضع المالك لديه جهاز حاسوب ليمضي فيه شؤون العمل الذي تحت يده ، فاستعمله هو لمصلحته الخاصة ، أو لغير شؤون العمل الذي كلف به.
ومن هذه الأمثلة نعلم أن الإفراط والتفريط كلاهما يخرجان يد المؤتمن من صفة الأمانة إلى العدوان ، لتترتب عليه كل الأحكام التي ذكرناها لليد العادية من الحرمة والضمان لكل المنافع ، ولكل خلل أو نقص يحدث في العين جراء تفريطه أو إفراطه ، وإن كانت يده في البداية يداً أمينة ، ولا ترتفع أحكام اليد العادية عنه إلا بعد رجوعه إلى الأمانة بأحد أسبابها التي أشرنا إليها.
ومن خلال هذه التفاصيل نعلم أحكام التصرف في ممتلكات العتبة المشرفة ، فأي تصرف فيها لا يكون مسموحاً به ، ولا اليد المستولية عليها يداً أمينة إلا حيث يرد الإذن الشرعي من الحاكم الشرعي ، أو ممن جعله متولياً عليها ، وبدون ذلك يضمن المتصرف كل تبعات تصرفه في شيء منها.
كما أن من يحصل على الإذن في التصرف الوقوف عند حدود هذا الإذن ، لأن أي تفريط أو إفراط يتجاوزه في التصرف يقلب يده من الأمانة إلى العدوان ، لتترتب الحرمة والضمانات التي ذكرناها لليد العادية.
والله (تعالى) هو العاصم ، وهو الموفق للصلاح والإصلاح.
العتبة العلوية المطهرة