مقبرة وادي السلام تضم نحو سبعة ملايين قبر .. وثالث أكبر مقبرة في العالم
لما تحمله مدينة النجف الأشرف من قدسية لدى المسلمين في العراق والعالم الإسلامي لاحتضانها مرقد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فتكونت مقبرة (وادي السلام) أحدى أكبر مقابر العالم، حيث تحتوي حسب تقديرات على ما يقارب سبعة ملايين قبر، وادرجت ضمن قائمة التراث العالمي، وتختلف قبورها ما بين التي يطلق عليها القبور الإسلامية التي لا تتعدى 80 سم وهناك ما يصل طوله الى 5 أمتار فوق سطح الارض.
كما ان مقبرة وادي السلام تحوي قبران من الأنبياء هم (هود وصالح) وقبور الملوك والشيوخ والعلماء، أما نبيا الله (آدم ونوح) فهما مدفونان مع أمير المؤمنين عليه السلام، ولا يقتصر الدفن على طائفة أو عرق محدد بل تجد فيها المسيحي والمسلم والسني والشيعي والعربي والأجنبي، إلا ان الأكثرية هم من المسلمين الشيعة ليجاوروا قبر الإمام علي عليه السلام.
وعند دخول المقبرة من الجانب الشمالي او الجنوبي تجد عدد كبير من المكاتب تحمل أسماء الدفانين.
وقال الحاج سالم أبو صيبع (صاحب مكتب للدفن) ان “من يشرف على عملية دفن الميت هنا في المقبرة يطلق عليه اسم (دفان) لان مهمته الاشراف على الأراضي وبيعها، وينيط مهمة الحفر وبناء القبور باشخاص آخرين يتفق معهم مقابل أجور محددة”.
واضاف أبو صيبع ان ” القطعة التي يدفن فيها الميت لا تتجاوز متر او متر ونصف مربع تحفر فيها حفرة بعمق متر وربع المتر يدفن فيها الميت، وتختلف اسعار اراضي الدفن من 800 ألف الى 15 مليون حسب قربها من مرقد الإمام علي عليه السلام، كما ان اغلب العوائل لديها اراضي في المقبرة القديمة تملكتها منذ زمن ونقصد بالمقبرة القديمة وهي المقبرة القريبة من المدينة القديمة في النجف اي قريبة من مرقد الإمام علي عليه السلام اما المقبرة الجديدة فهي المقبرة التي تقع شمال النجف الاشرف”.
فيما قال السيد حازم الحسني (استاذ في الحوزة العلمية في النجف الاشرف) ” إنها ليست مقبرة عادية لا بالحسابات السياحية ولا التأريخية ولا الجيولوجية ولا حتى في حسابات يوم الحساب، لأن الروايات الإسلامية التي رويت في فضل الدفن في هذه البقعة جاءت من الفريقين المسلمين الشيعة والسنة تؤكّد على ذلك فترى الكثير من الأُسر السنية تحرص على دفن موتاها في مقبرة وادي السلام رغم أنها تقع في عاصمة الشيعة والتشيع”.
واضاف الحسني ان” بعض الباحثين يرجع تأريخ نشوء هذه المقبرة إلى أبو البشر النبي آدم عليه السلام ، مستدلاً بذلك على ما ورد في الروايات والزيارة (السلام عليك وعلى ضجيعيك آدم ونوح) والبعض الآخر يرجعه إلى فترة إنتقال الإمام أمير المؤمنين (ع) لقيادة الأمة الإسلامية في الكوفة المقدسة، والبعض الآخر قال بأنها فترة هارون العباسي الذي وضع علامة واضحة على مرقد الإمام أمير المؤمنين (ع) عندما كان خارجاً للصيد والنزهة مع بعض حواشيه في ظهر الكوفة والمعروف بالنجف فأخذت بعدها المقابر تزداد وتتكاثر بجوار مرقد الإمام أمير المؤمنين (ع) شيئاً فشيئاً تبركاً وأملاً بنيل شفاعة وكرامة هذا الجوار”.
وتتميز هذه المقبرة بأنها أكبر مقبرة في العـالم الإسلامي على الإطلاق وقيل بأنها ثاني أكبر مقبرة في العالم بعد المقبرة (الصينيّة) وهي أكبر حتى من مقبرة (الفاتيكان) ومقبرة (ستالينغراد) المشهورتين بسعة مساحتيهما وتقدر مساحة مقبرة وادي السلام بحوالي 17 كم مربع ولا تزال هذه المساحة في إزدياد مضطرد وبشكل ملفت للنظر، خصوصاً بعد زيادة ضحايا العمليات الإرهابية والإنتحارية التي أودت ولا تزال بحياة المئات يومياً.
ويرى حميد الزيادي (موظف في مكتب استعلامات المقبرة) ان ” القبور بين قبر عليه دكة تختلف صغراً وكبراً، وآخر حوله سور يـختلف سعة وإرتفاعاً، وثالث عليه بناء والبناء قد تكون ذات فخامة وإتقان تشبه داراً من أحسن الدور قد يقيم فيها شخص يرتل آيات من القرآن في أوقات معينة ويتقاضى راتباً من ذوي العلاقة, حسب امكانية ذوي الميت كما يحوي كل قبر صخرة ينحت عليها إسم الميت وتأريخ وفاته وبعض الميزات الأخرى, وكل قبيلة أو مدينة لها جانب تختص به من هذه المقبرة لا يشاركها فيه غيرها بل إنك تجد العوائل قد تدفن في مكان واحد حتى يتسنى زيارة الجميع وقت ورود المقبرة في أوقات خاصة، والصخور التي ينقش عليها الإسم ما بين صخر طبيعي بسيط, وبين صخر من الرخام الجيد أو من الآجر أو من البلاط الصناعي المسمى بالكاشاني”.
واضاف الزيادي ان ” المقبرة تحتوي على معالم تاريخية تحدد العمق التاريخي لها، وذلك من خلال الكتابات الموجودة على القبور، هناك قبور تعود إلى مئات السنين وهي وثيقة تاريخية مادية، فهناك مقبرة للبريطانيين في النجف الذين قتلوا في ثورة العشرين على أيدي الثوار، وكذلك مقبرة للهنود الذين كانوا يمكثون في النجف لمدة طويلة، ولهم مؤسسات في النجف، ولهم مقبرة بين النجف والكوفة، وهاتان المقبرتان قضي عليهما من أجل توسيع الشوارع، رغم العمق التاريخي الكبير لهما، لأنهما تمثلان قدما يعود لمئات السنين، وكان بعض السلاطين من الهنود يدفنون في وادي السلام، فكانوا يوصون بالدفن في وادي السلام، وكانت تأتي جثثهم إلى النجف على شكل ودائع (عظام فقط )، فكان السلطان يدفن في أرضه وبعد أن تتفسخ الجثة وتصبح عظامًا تنقل إلى النجف لتدفن في مقبرة وادي السلام في كيس، وذلك لظروف سياسية أو اقتصادية أو لبعد المسافة، مع وجود وسائط النقل البسيطة جدا في وقتها، وهذه القبور الأَولى تاريخيا أن يتم الاحتفاظ بها لتبين تاريخ المنطقة”.
وأوضح الزيادي ” لقد ضاعت الكثير من آثار هذه المقبرة، فالشوارع التي تم فتحها على القبور أضاع أقدم آثار للقبور في النجف، فكانت فكانت هذه القبور تضم رفات الوزراء في زمن الأنظمة المتعاقبة على العراق، وحتى ثوار ثورة العشرين كانوا مدفونين فيها، بالإضافة إلى وجود قبور لعلماء الدين القدماء منذ عصور مضت، ومنهم العراقيون وغير العراقيين، وكذلك كان فيها قبر ضابط الأمن الخاص بتعذيب السجون في زمن الرئيس عبد الكريم قاسم وهو الضابط (ناظم كزاز)، ناهيك عن الإنكليز والبريطانيين الذين كانوا يدفنون مع مقتنياتهم، ولولا تدخل المرجعية الدينية في النجف الأشرف، ربما فتحت الحكومة شوارع أخرى على باقي المقبرة”.
وطالب الزيادي الحكومة العراقية الالتفات الي هذه المقبرة كونها معلما تاريخيا واثاريا يجب الحفاظ عليه وجعله معلم من معالم النجف الاشرف ليكون عامل جذب سياحي كما هو الحال في كافة دول العالم.
فيما طالب الدفان حسن الجشعمي في حديث الحكومة العراقية وضع ضوابط للعمل في المقبرة لان المهنة بدأت بالانحدار ودخول الكثير ممكن يبتزون اهالي الموتى بشتى الطرق وهو ما ولد حالة من الاستياء لدى المواطنين، ويضيف الجشعمي ” يوجد الان أثر من 500 مكتب للدفن، معظم العاملين فيها توارثوا المهنة أبناً عن جداً، ولا يعرفون غيرها ولكل مكتب زبائن من العشائر في المحافظات يتعاملون معه عندما تحصل حالات الوفيات ليتم تهيئة القبر ولوازم الدفن للمتوفي”.
ويتابع الجشعمي ان ” عدم وضع ضوابط للمهنة وعملها في النجف سهل للبعض من الطارئين على المهنة بالنصب على أهل المتوفين مما يسيء للعاملين بالمهنة حيث قدم العاملين في مكاتب الدفن الرسمية عدة شكاوى بحق أولئك الطارئين من دون أن تجد آذاناً صاغية من قبل الأجهزة الأمنية”.
وتبقى النجف رغم ارض الله الواسعة هي افضل مكان يراه المسلم كمثواه الاخير والاخص محبي أهل البيت (ع) للندفن بجوار حامي الجار أمير المؤمنين الأمام علي بن أبي طالب (ع) في أرض الغري ( ثرى النجف الطاهر ) وخاصة منطقة الخليج والهند والباكستان وبلاد الأناضول وأوروبا وأمريكا وأستراليا وكندا وكل أرجاء المعمورة.
بلاد نيوز