بأمر الأزهر .. 20 عالمًا فقط للفتاوى

258

21-5-2014-2-d

“لا يعقل أن تبقى المؤسسة الدينية صامتة أمام هذا السيل الهادر من الفتاوى غير المسؤولة، والتي تسببت في الإضرار بالنسيج الاجتماعي المصري والعربي..”
بهذا برر أعضاء هيئة كبار العلماء قرارهم الاخير باعتماد 20 عالمًا فقط للفتاوى عبر الفضائيات الحكومية والخاصة، مؤكدين أن هؤلاء هم الوحيدون المخول لهم بالإفتاء عبر الفضائيات، وستتم مقاضاة القنوات غير الملتزمة بتلك الأسماء.
جاء ذلك في جلسة هيئة كبار العلماء الشهرية الأخيرة، برئاسة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، غير أنه لم يتم الإعلان بعد عن الأسماء العشرين الذين سيقتصر عليهم الإفتاء بالفضائيات.
القرار أثار موجة من الجدل والاختلاف حول توقيت صدوره، وأثره على العملية الإفتائية، ففي حين قال البعض إنه يصب في الصالح العام معتبرين القرار خطوة على الطريق الصحيح نحو إنضاج خطاب إفتائي سليم.
أهل الذكر أولى
بداية برر الدكتور محمد رأفت عثمان، عضو هيئة كبار العلماء، لـ ” مصر العربية ” هذا التوجه بأنه رد فعل على فوضي الفتاوى الفضائية التي أضرت بالمجتمع المصري سواء كانت هذه الفتاوى صادرة عن بعض المنتسبين للأزهر ممن يبحثون عن الشهرة وإثارة الجدل من خلال إصدار فتاوى شاذة، أو من خلال مجموعة من الدخلاء على الساحة الإفتائية من خارج الأزهر ممن أصدروا فتاوى يندي لها الجبين، والنماذج على ذلك كثيرة.. حسب تعبيره.
وأشار إلى أن الأزهر قرر التصدي لهذه الفوضى من خلال إعداد هذه القائمة المكونة من عشرين عالمًا من كبار العلماء الثقات المتخصصين في العلوم الشرعية، وخاصة الفقه وسيتم عقب الانتهاء من إعدادها وإرسالها إلى التليفزيون المصري، وكل القنوات الفضائية الخاصة باعتبارها الأكثر انتشارًا وتأثيرا واستضافة للعلماء.
ولفت عضو هيئة كبار العلماء إلى أن الأمر لن يقتصر علي هذا بل إنه سيمتد إلى كل الصحف سواء القومية والمستقلة أو الخاصة ليكون تواصلهم في التعرف على حكم الشرع في أي قضية مع هؤلاء العلماء المتخصصين للرد على أسئلة الجماهير والإعلاميين وبالتالي يتم منع استضافة كل من تثير فتاويه الشاذة الجدل.. وبهذا يؤكد عثمان أن الفتوى ستنضبط في مصر من خلال المتخصصين، متسائلا: ألم يقل الله عز وجل ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ “.
مواجهة الجهل
وفي السياق ذاته قال الدكتور عبد الله النجار عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر لـ ” مصر العربية ” إن “الوقاية خير من العلاج ” وهذا مبدأ محترم ومعترف به في كل امور الدنيا، وهذا القرار نوع من أنواع الوقاية التي ستجنبنا كثيرا من المخاطر التي وقعنا فيها للأسف الشديد.
وتساءل: أليس الدين عندنا أغلى من الدنيا وما فيها، وماذا يتبقى من الدين بعد أن يفتي فيه السباك والنجار والطبيب؟! معلقا: مع أننا نرفض أن نذهب في كل أمور الدنيا إلا إلى المتخصص فلماذا التساهل في أمور الدين؟
وأشار النجار إلى أن الساحة مليئة بالدخلاء، والجهال الذين يضرون الناس ويسيئون إلى الدين لأنهم ينسبون أنفسهم ظلما وزروا إلى طائفة العلماء ويحمل لقب ” شيخ ” مع أنه في الحقيقة ممن حذرنا منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:” إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالما اتخذ الناس رؤوس جهالا فسألوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ”
وقال عضو مجمع البحوث كان لابد للأزهر من اتخاذ إجراء وقائي بعد أن زادت الأمور عن الحد، وأعمت الرغبة في الشهرة عيون الدخلاء فأصدروا الغريب من الفتاوى الضالة المضلة ونسي هؤلاء الوعيد من رسول الله صلي الله عليه وسلم إليهم بقوله: ” اتَّقُوا الْحَدِيثَ عَنِّي إِلا مَا عَلِمْتُمْ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ كَذَبَ بِالْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ “.
وبرر النجار هذا القرار فقهيا فقال: من حق ولي الأمر اتخاذ إجراءات استثنائية لوقف الفوضى في أمور الدنيا فلماذا نرفض هذه الإجراءات الاستثنائية وهي اوجب لحماية الدين من دعاة فوضى الفتاوى التي انتشرت في الفترة الأخيرة؟ مع التأكيد علي أن جهة الإفتاء الرسمية في الدولة هي الأزهر بهيئاته العلمية، ويجب علي المواطنين جميعًا عدم الالتفات للفتاوى الغريبة التي تربك المجتمع.
نخاف التأميم
على الجانب الآخر حذر الدكتور محمود مزروعة، رئيس جبة علماء الأزهر في حديثه لـ ” مصر العربية ” من أن تكون هذه القائمة بداية لتأميم الفتوى أو يكون الحديث باسم الدين من حق أناس بعينهم من العلماء المرضي عنهم فقط من السلطة في حين يتم تكميم أفواه بقية العلماء حتى لو كانوا يحملون أعلى الدرجات العلمية وينتسبون للأزهر.
وتساءل مزروعة: كيف نتعامل مع الحديث النبوي الذي يحذرنا نحن العلماء الوسطيين المتخصصين من كتم العلم حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من كتم علم ألجمه الله لجام من نار يوم القيامة ”
وتعجب رئيس جبهة علماء الأزهر من استمرار موجة الإقصاء والمحاصرة للعلماء غير الحكوميين وكأنه يتم عقابهم علي رفضهم تأييد الانقلاب والآثار المترتبة عليه، مؤكدا أن هذه كارثة تشق عصا جماعة العلماء الذين عليهم أن يعملوا علي توحيد الصفوف وإصلاح الأخطاء والتناصح وليس القتل، وإلا لماذا جعل الرسول الدين النصيحة حين قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:” الدِّينُ النَّصِيحَةُ “، قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: ” لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامتهِمْ “.. يتساءل مزروعة.
وأشار إلى أن معارضته لقصر الافتاء أو الظهور في الإعلام على عشرين عالما فقط ليس معناه أنه يؤيد فتح باب الافتاء علي مصرعيه ليدخل منه غير المتخصصين والمتطفلين، وإنما ينبغي وضع ضوابط موضوعية بإنزال أقصي عقوبة علي من يفتي من غير المتخصصين مثله مثل من يدعي أنه طبيب أو مهندس وهو غير متخصص.
جذور القرار
جدير بالذكر أن الدعوة إلى مراقبة فتاوي الفضائيات تمتد إلى عصر مبارك حين اقترح الدكتور علي جمعه، مفتى الجمهورية آنذاك إنشاء “مجلس أعلى لمراقبة فتاوي الفضائيات” تكون مهمته رصد القائمين بالإفتاء ومدى تخصصهم والفتاوى التي يصدرونها، وإذا تم ضبط أي مخالفة شرعية تتم مخاطبة القناة لمنع ظهوره مرة أخرى، فإذا لم تستجب يتم تحريك دعوي قضائية ضد القناة والشيخ القائم بالإفتاء مع أنه غير متخصص.
وطالب جمعة بضرورة توحيد الفتاوى الخاصة بالقضايا والموضوعات التي تهم الأمة الإسلامية والتصدي لفوضى الفتاوى لحماية المجتمع من مخاطرها لأن توحيد الفتاوي لا تأتي بالتشريع فقط، وإنما من خلال منظومة متكاملة من الإعلام والثقافة والتعليم إضافة إلى الدور الذي تقوم به دار الإفتاء في هذا الصدد، مُرجعا ذلك إلى حالة القلق والتشويش التي تسببت بها بعض الفضائيات من خلال الفتاوى غير الدقيقة التي تصدرها مما يسبب بلبلة لدى المواطنين.
ودعا جمعة إلى ضرورة رجوع الجميع إلى دار الإفتاء لطلب الفتوى الصحيحة في مختلف القضايا الحياتية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*