هل ما يحصل في سورية ثورة؟

222

10-4-2013-01

عبد الحميد دشتي: بهذه الأدوات نجحت أميركا في إشعال الحرب على سورية

محاضرة ألقاها النائب في مجلس الأمة الكويتي عبد الحميد دشتي في بيروت مؤخرًا.. جاء فيها:

دعونا نحسم الجواب على تساؤل بعض من يتساءل:

 هل ما يحصل في سورية ثورة أم حرب خارجية بأدوات داخلية؟

 بالتأكيد هي ليست حالة ثورة شعبية طلبًا للإصلاح والتغيير، لأن من يطلب التغيير والإصلاح يحرص على بقاء بلده عزيزًا حرًّا مستقلًا، ويحرص على شعبه، أو على الأقل على أنصاره بين أبناء الشعب، ولا يتسبب بحرب طاحنة يحمل فيها السلاح ويحتمي بين المدنيين ليدفعوا هم الثمن بينما يسلم هو. من يفعل ذلك ليس إصلاحيًّا، بل إرهابي انتهازي، وهذا أعدل ما يقال في حقه.

من يطلب الإصلاح لا يتسبب في تهجير أهله وناسه، بل يحرص على النضال والقتال بكل سلاح ممكن إلا سلاح النار والدمار الذي ربما يتضرر منه الحاكم قليلًا، ولكن الشعب كل الشعب هو من يدفع الثمن، ومن يفعل ذلك ليس ابن بلد، ولا صاحب مبادئ ولا صاحب ثورة، بل إرهابي انتهازي لا يأبه بالبلد ولا بأهلها بل يهتم فقط بالمصالح الشخصية لشخصه.

ليست ثورة، فما الذي حصل في سورية؟

ولماذا أنجرَّ الناس بعشرات آلافهم للمشاركة في حرب ضد أنفسهم؟

حرب خارجية استغلت حاجة الناس لثورة حقيقية .  هي فرصة أتت مع الربيع الإخواني في العالم العربي واستغلتها دول كبرى على رأسها أميركا من خلال تخطيط واضح لتدمير سورية بالموالاة فيها والمعارضة، بإسلامييها وعلمانييها، بمؤمنيها وملحديها، وقد حانت فرصة تحقيق الهدف الأميركي مع الربيع الإخواني الذي انتصر القائمون بحركته الأولى على الخوف في تونس، فلما حانت ساعة قطاف النصر خرج الإخوانيون من رحم التوافق بينهم وبين الأميركيين استراتيجيًّا على انتزاع الحكم من يد الغابرين وأصحاب المستقبل الديمقراطي الشعبي المشرق الطالع من رغبات عفوية لأناس طبيعيين، حركة خرجت من رحم آلام الناس فتلقفها تنظيم مجهز للاستيلاء على السلطة بالخداع النفسي للمواطنين بالدين، ولأن دين الجاهلين يكون على دين أئمة المساجد والإعلام، ولأن الأميّة والعاطفة هي السمة الغالبة على الشعب العربي، وجدت المصالح الأميركية مع الإخوان قضية مشتركة، هي الحفاظ على المصالح الغربية وتأبيد تفوق إسرائيل مقابل تسليم الحكم لحلفاء أميركا الجدد البدلاء عن فاقدي الصلاحية من الشخصيات الديكتاتورية التي ضحت بها أميركا لصالح ديكتاتوريات دينية رشيقة وأنيقة ومقدسة يصعب الانقلاب عليها في المستقبل.

كيف تحول الربيع الإخواني في سورية وهابيا سلفيا؟

أسس الأميركيون منظمات المجتمع المدني ومولوها ودربوا القائمين عليها منذ عقود، وزرعوا شبكات على طول العالم العربي وعرضه من ناشطين مدنيين تعهد الأميركيون برواتبهم ونفقاتهم على مستوى العالمين العربي والإسلامي، وذلك مقابل نشر الدعاية الأميركية والخضوع للسياسات الأميركية التي تضع تفاصيل حركيتها مكاتب في السفارات تابعة لما يسمى مكتب الديبلوماسية العامة في الخارجية الأميركية، (وهو جهاز استخبارات مسؤول عن عمليات الحرب النفسية وعن الإعلام المرتهن لأميركا).

سخر الأميركيون جماعات المجتمع المدني لتجميل صورة خارجية بهية للانقلاب الإخواني على الثورات، وعلى رأسها حركة شعبية في سورية، كانت عفوية في عامة المشاركين فيها ومنظمة تنظيمًا شديدًا في قيادة تحركات المنظمين.

 حركة إعلامية ميدانية استغلت حالات الاحتقان الشعبي الموضوعي تجاه عدد من القضايا أهمها صعود الحقد الطائفي في المنطقة منذ غزو العراق واستثمار الأميركيين للاحتلال في سبيل الإيقاع بين الشيعة والسنة في ذلك البلد.

 ثم أتت الحملات الإعلامية التي نسميها (ماس ميديا) في لبنان بين تيار المستقبل وحلفاء الأميركيين ضد المقاومة وسورية، فزاد السعار الطائفي في الإعلام العربي الموجه، والذي تأثر به جزء من الشعب السوري.

وهنا نضيف:

استغل السعوديون اتهاماتهم للسلطة في سورية بتسهيل ما سموه جهودًا إيرانية (لتشييع) فئات من السوريين، فنتج عن ذلك تساهل سوري مع دعاة وهابيين أنشؤوا مراكز ومساجد وجمعيات نشرت الوهابية في قرى الأرياف دون أن تلقى الرد الرسمي المناسب.

شكلت هذه النشاطات الوهابية حاضنة شعبية لخلايا نائمة مسلحة تابعة للتنظيم العالمي للقاعدة. وكانت قد جرت حرب بين السلطة السورية وبين خلايا القاعدة منذ العام 2007 ولم يمر أسبوع منذ بداية ذلك العام لم تشتبك فيه القوى الأمنية السورية مع خلية نائمة في محافظة من المحافظات السورية، وأغلبها كان من المقاتلين سابقًا في العراق ممن عادوا إلى البلاد وبرفقتهم المئات من الجهاديين العرب.

إذن لدينا في واقع سورية عدة عوامل:

– السعار الطائفي العام ، والوهابية التي حققت نجاحات في الريف: (بعض قرى الريف في حلب وأدلب ودمشق وحمص هي من حضنت الجهاديين السلفيين من سوريين وعرب حتى من قبل الأزمة بأربع سنوات، وأقفلت القوى الوهابية منذ سنوات بعض قرى حلب وحماة  بأكملها لنفوذها وسيطرتها).

– التنظيم السري الذي أنشأه الإخوان المسلمون في سورية : (بتمويل وبغطاء قطري وباختراقات دينية حمت ذلك التنظيم بواسطة تمويله من شخصيات تعمل في التجارة وتعلن ولاءها للنظام. على سبيل المثال الأخوين الرفاعي والداعية المنافق راتب النابلسي، ومحمود الدالاتي في حمص، وغيرهم المئات من المشايخ المرتبطين بالإخوان سرًّا، والذين نافقوا السلطة وزعموا أنهم يعملون بالتعاون معها، فاستفادوا من تسهيلاتها لهم بوصفهم رجال دين تقليديين غير متحزبين أو تركوا التحزب).

– رواسب أزمة أعوام السبعينيات والثمانينيات شعبيًّا : (ولَّدت مشكلات الإخوان المسلمين مع السلطة حقدًا تاريخيًّا عند فئة من أنصارهم وأبنائهم وعائلاتهم، وبنى الإخوان تنظيمًا سريًّا جديدًا مولته قطر والسعودية منذ العام 2002 في سورية، وكان المسؤول الأول عن جهاز أمن الإخوان في سورية هو نائب عميد في كلية الشريعة ومقرب من شخصيات دينية مرتبطة بوزارة الأوقاف يدعى عز الدين رشيد. ثم تبين فيما بعد أنه المسؤول الأول عما يسمى لواء الإسلام في ريف دمشق).

التنظيم السري للإخوان في سورية ما قبل الأزمة :

كان للمدعو عز الدين رشيد مسؤولية يعرفها الآن رجال الإخوان وكان يعرفها قادتهم فيما مضى، فالرجل هو المسؤول الأول عن التنظيم الأمني للمنظمة الإخوانية السرية في سورية. وكان لعز الدين رشيد  رجال في كل المحافظات السورية.

استفاد رشيد من تاريخ عمره (سبعة عقود من النشاط الإخواني في سورية) المتجذر في بيئات سورية عديدة اجتماعيًّا أكثر مما هو فعل حزبي حقيقي.

لم تكن السلطة غافلة عن هذا التجذر الإخواني ولكنها تعاملت معه على اعتبار أنه الوريث الشرعي المتفاهم معها للإخوان المسلمين في الداخل السوري. من هنا يمكن فهم حرية الحركة والدعم الكبيرين اللذين تمتع بهما نشطاء وجمعيات خيرية وشيوخ سوريون يعرف القاصي والداني أن لهم ولاء عقائديًّا لحزب الإخوان العالمي من أمثال أسامة الرفاعي وشقيقه سارية.

هؤلاء عملوا بعلم الحكومة وبدعمها على تأطير نشاط الإخوان وحمايته باسم العمل الخيري والاجتماعي.

عملاء الأميركيين في المجتمع المدني

    حركة عملاء الأميركيين في  المجتمع المدني المنظم والممول والمدرب من الاستخبارات الأميركية مباشرة سنسميهم في هذه العجالة بالأوتوبور أو الأوتوبوريين. على رأس هؤلاء تقف رزان زيتونة وياسين الحاج صالح، والأخيران هما منظما ما يعرف بالتنسيقيات، ويقيمان بحماية السفارة الأميركية في حرم مبانيها، ويتنقلان في دمشق وفي مناطقها بسيارات السفارة الديبلوماسية.

 هؤلاء هم  الذين اجتهدت الولايات المتحدة لسنوات قبل الأزمة في تدريبهم وتمويلهم وإعدادهم وإعداد شبكاتهم على الأرض. ونعني بالأتوبور المنظمات والأشخاص الناشطون على الإنترنت ممن تعلموا على يد الأميركيين باسم التدريب على الديمقراطية كيفية تجنيد الشباب والشابات عبر المدونات وباسم النشاط المدني.

الغضب الشعبي الفطري ردًّا على انتزاع المكتسبات

أغلب الحاضنات الشعبية للمسلحين ليست مسيسة، فهي إما طائفية وإما متمردة على الأوضاع الاقتصادية التي ساءت مع التدمير الاقتصادي للمجتمع الذي مارسه النظام نفسه بحق إنجازاته التي كانت في الأساس مصممة لمصلحة الطبقات الدنيا والفقراء والريفيين.

هكذا يمكن للمؤرخ العادل أن ينسب فضل تأليب الناس على النظام إلى النظام نفسه، والذي أخضع اقتصاد البلاد طوال سنوات لرؤية موظف سابق في البنك الدولي هو نائب رئيس الوزراء الأسبق عبد الله الدردري.

يرى سوريون كثر بأنه كان للرئيس حافظ الأسد سلبيات كثيرة على الواقع السوري خصوصًا في مرحلة تلت انتصاره على أعدائه الداخليين، حيث شدد من القوانين الجنائية لتطال جرائم صغيرة بعقوبات كبيرة وأطلق يد الأجهزة الأمنية فأصبحت في كثير من الأحيان مواقع لتغطية الفاسدين باسم الحفاظ على الأمن. ولكن من ذا الذين ينكر فضل الأسد الراحل على الأرياف والفقراء، وعلى الطلاب والمرضى؟! الدولة السورية في عهد الرئيس حافظ الأسد كانت مبنية على أساس من أولوية لا منافس لها هي  الاهتمام بالفقراء والفلاحين والأرياف، ولكن دون المساس بالطبقة الوسطى ولا على حساب الرأسماليين والتجار الوطنيين، فأرضى الجميع وكسب ولاء الأرياف التي قاتلت معه حتى انهزم الإخوان في الأزمة الأولى التي امتدت بين نهاية السبعينيات وبداية الثمانينات.

 ومع الانفتاح الاقتصادي والتغيير البنيوي للنظام الاشتراكي (على الطريقة السورية) فقد السوريون الفقراء حماية الدولة لهم جزئيًّا ولكنه فقدان أورث النظام عداوة الريف الفطرية وعداوة الفقراء والمسحوقين ماديًّا.

للتغيير مبرراته، وله فضائل كثيرة، ولكن سلبياته بقيت بعيدة عن المعالجة، فتحول جزء من الداعمين التقليديين للنظام في الريف إلى أعداء ناقمين على سياساته يتطلعون إلى من يستغل  بركان الغضب بطريقة أو بأخرى. (الجزيرة السورية والعطش ودرعا وفقدان الأمل باستمرار الدعم الحكومي لأبناء قراها إلخ..).

الحرب باسم الثورة على مستقبل البلاد ووجودها

انطلقت الأزمة في الخامس عشر من آذار بإشاعة عن أطفال اعتقلوا في درعا، واستجاب الرئيس الأسد لكل المطالب الشعبية في نيسان، أي بعد أقل من أسبوعين على بداية التحركات، وخرج الناس في درعا إلى الشوارع للاحتفال بقرارات الرئيس الإيجابية التي قضت بإطلاق سراح  كل المعتقلين، وبتبديل المحافظ والمسؤول الأمني عاطف نجيب وتحويلهما للمحاكم.

أثناء الاحتفالات دخلت مجموعات سلفية من مخيم فلسطين في درعا يبلغ عددهم سبعين شخصًا إلى درعا البلد على متن دراجات نارية وشنوا هجومًا على مركز وزارة العدل وعلى مركز الشرطة، فقتلوا شرطيين وأحرقوا العدلية، ولما تصدت لهم القوى الأمنية ومات منهم اثنان أعاد المحركون والمنظمون للحرب على سورية إطلاق دعوات التظاهر، وهكذا كان في كل تحرك شعبي يسقط مدنيون برصاص مجهول لم يعرف أحد مصدره، خاصة وأن الأوامر قضت بأن لا يطلق الأمنيون الرصاص على المتظاهرين.

معلوماتي أن شيخ الجامع العمري تلقى اتصالات من أمير قطر ومن الشيخ يوسف القرضاوي يطلبان منه احتضان السلفيين المقاتلين القادمين من مخيم فلسطين، وهذا ما حصل!! فلما دخلت القوى الأمنية إلى المسجد وجدت مستشفى ميدانيًّا وأسلحة ومخازن مجهزة لعبوات الدم والأدوية بكميات هائلة. إذن وبلا مواربة.. ظهر السلاح منذ الأسابيع الأولى في درعا.

ثم انتقلت التظاهرات إلى بانياس التي تضم خليطًا من السنة والعلويين، فشن الإرهابيون هجومًا على باص للجنود وقتلوا من فيه في منتصف شهر نيسان. وفي الأول من أيار تصاعد التحرك في حمص، وفي منتصف أيار بدأت مجموعات تسمي نفسها أمن الثورة بالظهور بالسلاح وشنت حملة تطهير عرقي في القرابيص وفي حي الإنشاءات ضد المسيحيين، فكان المسلحون يجوبون حمص ليلًا ليخطفوا ويقتلوا المسيحيين والعلويين والسنة الموالين للنظام، والنظام لا يسمح بالإعلان عن ذلك لأنه لم يرغب في إشعال حرب طائفية بين السنة والعلويين الذين قتل منهم في حمص ذبحًا مئتان وخمسون شابًا وشابة بعدما خطفوا ونكل الإرهابيون بهم بين أيار وتموز 2011.

إذن هي الحرب على سورية وأدواتها الإعلام والتنسيقيات المرتبطة بالأميركيين والإخوان المسلمين والسلفيين.. والحاضنة الشعبية موجودة وتبلغ على الأقل عشرين بالمئة من الطبقات الفقيرة في الأرياف.

هي حرب ودعوني أختم بمثلين:

دمشق رفضت الانضمام للتحرك وحلب رفضت الانضمام للتحرك ، فكيف كانت ردة فعل المسلحين؟

دخلوا إلى حلب ودمروها وقتلوا أهلها واحتلوها بقوات من المرتزقة والوهابيين الريفيين وسرقوا مصانعها ودمروا منشآتها. فهل من يطلب الإصلاح يخرب بلاده؟ هل الكهرباء والنفط والمصانع ملك للبعثيين أم ملك الشعب؟!

وفي دمشق التي يقصفونها حاولوا تكرار ما حصل في حلب وفشلوا ولكن جريمتهم وقعت وتقع يوميًّا، إنها الحرب والذخائر والمقاتلون الذين يعدون بمئات الآلاف من كل الجنسيات، كم كلف نقلهم وتسليحهم؟ وكم تكلف حربهم ورواتبهم هم ومئات الآلاف من السوريين معهم؟

يتحدث تييري ميسان عن ربع مليون جهادي غير سوري في سورية، والأميركيون والغربيون يقللون من العدد ليبلغ مجرد مئات.. وهذا كذب وتلفيق، فضلًا عن أكثر من ثلاثمئة ألف مسلح سوري، فمن يمولهم ومن يدفع ثمن ذخائرهم التي كلفت حتى الآن اثنين وثلاثين مليار دولار دفعتها قطر والسعودية وشخصيات – ويا للأسف- من الكويت والإمارات فضلًا عن المساهمات الأمنية والمعلوماتية والتدريبية، ولا ننسى الإشراف الغربي الأميركي والأوروبي .

وبعد كل هذا… إن لم تكن حربًا فما هي؟!

 المصدر: إباء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*