د. ناهدة محمد علي.. إن التشوه الحاصل بالبيئة العراقية والمتمثل في شحة المياه وخاصة النظيفة والتصحر والذي تتشكل أسبابه في ضعف وقلة الجدار النباتي والذي ينظف الجو ويلطفه ويصد قوة الرياح ويمنع تكاثر الأتربة فيه , أما الاستخدام الحاصل للطاقة باستعمال المولدات المحلية في الشوارع والبيوت والتي تملأ الجو بغاز ثاني أُوكسيد الكاربون وتتكاثر أيضا مع هذا الغاز , الغازات السامة الأخرى , كغاز الميثان من المياه السوداء والمجاري ومن تفسخ الحيوانات الميتة والمزابل , كل هذه الغازات يتنفسها الإنسان العراقي وتساهم بشكل مؤكد بتلويث الهواء والأطعمة والذي يؤثر حتماً في الصحة العامة والعقلية للفرد العراقي . إن استخدام أسطح البيوت كأبراج لشركات الموبايل هو الطامة الكبرى لزيادة نسبة الإشعاع والتي تؤثر تأثيراً مباشراً على أجساد العراقيين وعقولهم بالإضافة إلى وجود الأسلحة المشعة المدفونة في كل أرجاء العراق على فترات زمنية متلاحقة والتي تؤثر أيضاً بشكل مباشر على الأطفال ونموهم الجسدي والعقلي وتسبب أنواع من السرطانات والتي كثرت بالفترة الأخيرة وخاصة في رؤوس الأطفال . إن التلوث الحاصل في الجو والأرض قد دفع الكثير من الحشرات والقوارض إلى النمو بشكل مُلفت للانتباه في العدد والحجم , كل هذا له تأثير على الصحة العقلية والنفسية , إذ تساهم في تلويث الأطعمة والبيوت وخلق أنواع من ( الفوبيا ) لدى الأطفال . إن من المعروف أن شحة المياه النظيفة تؤثر نفسياً على مزاج الفرد العراقي حيث قد أُثبت علمياً أن معدل شرب لتر ونصف من الماء يومياً يؤثر كثيراً في السلوك العام للفرد ويخفف من حدة المزاج ومن ضغط الدم , كما يقلل درجة حرارة الجسم , أما الظلام الذي تعيشه البيوت والشوارع العراقية فقد أدى إلى زيادة نسبة الإحساس بعدم الطمأنينة والخوف المزمن خاصة لدى الأطفال والنساء , كما ساعد على انتشار مرض الكآبة والتفكير بالانتحار واليأس من الحياة ويُصَعد حدة المزاج لأن طبيعة الإنسان تميل إلى الارتياح إلى النور والذي يبعث على الطمأنينة والهدوء لدى النفس الإنسانية . إن الطاقة الكهربائية هي أساس حضارة الإنسان فبفضلها تواجدت الصناعات بكل أنواعها , وعدم تواجد هذه الطاقة يؤدي إلى الهبوط الاقتصادي والبطالة والتي تؤدي أيضا إلى خواء البيت العراقي , والخواء هنا لا يعني فقط الخواء المادي بل الخواء الروحي , إذ لا يعلم الفرد هل سيتوفر له طعام الغد , وهل سيستطيع أن يدفع ثمن طعام ودواء أولاده , ولا يخفى علينا بأن الفئة العاملة هي الأكثرية في المجتمع العراقي . إن التلوث الحاصل في الجو العراقي وزيادة نسبة ثاني أُوكسيد الكاربون يؤدي إلى تخريبات عقلية ونفسية في الطفل العراقي بشكل خاص , إذ إن الأُوكسجين هو أحد المصادر المهمة لتغذية الدماغ الإنساني , أما أبراج البث لشركات الموبايل فتشكل خطراً كبيراً أيضا على البناء الدماغي , لذلك يُمنع الأطفال من استخدام الموبايل بشكل مبكر . إن المشكلة الحالية ليس فقط في جشع الشركات وسوء التخطيط بل في طريقة تفكير والتبدل القيمي للفرد العراقي , حيث أصبح غير مبال بحياته أو موته , أو حياة أو موت أطفاله أو جيرانه بل أصبح ما يهمه هو الحصول على القليل من المال , وهذا يشكل تحولاً خطيراً في نفسية الفرد العراقي , فقد أصبحت قيّمه هشة ومشوهة وقل مستوى الحس الإنساني لديه وتبدل إلى الإحساس النفعي , ولماذا يبالي الفرد العادي بالصحة العامة والمجتمع لا يوفر العمل للعاطلين , وهذا ما ركز أخلاقية الفرد في بؤرة واحدة وهي ذاته , وحتى ذاته هو جاهل برعايتها ومكتوف الأيدي . إن التلوث الغازي في الشارع العراقي يساهم مساهمة فعالة في تأخر أداء عمل الدماغ ويساهم في ضعف التركيز لدى الكثير من الطلاب ويقلل من سرعة الاستيعاب والإدراك وهذا ما يشكو منه الكثير من المدرسين حيث تحيط مياه المجاري بالكثير من المدارس وخاصة مدارس الأطفال , وتتزايد نسبة الرسوب سنوياً في المدارس الابتدائية والثانوية حيث يُفترض أن يجد الطالب في مدرسته البيئة النموذجية لكن الحاصل أن الطفل لا يجد في مدرسته غرفة نموذجية للدراسة أو حديقة للعب , بل يجد أمراضاً منتشرة ومعدية ولا تبالي العائلة أو المدرسة بالحفاظ على الصحة العامة لأبنائهم , وعلى هذا الأساس تزداد نسبة الغيابات من قبل الطلاب والمدرسين ويهبط المستوى الدراسي بانحدار شديد , ولذلك يعمد بعض الأهالي إلى أُسلوب الرشوة أو شراء الأسئلة أو تهديد الطاقم المدرسي للحصول على نجاح أبنائهم . إن الارتفاع الشديد في درجات الحرارة والغبار الجوي الكثيف قد ساهم مساهمة فعالة في تأخير النمو الدراسي والعلمي وزيادة الأمراض التنفسية وأمراض ضغط الدم , ودفع الطالب إلى الإحساس بالكسل والتراخي والتعب وضعف التركيز ايضاً , حيث تفتقد معظم المدارس والجامعات إلى أجهزة التكييف وبرادات الماء ويعوض عنها بقناني ( البيبسي كولا والكوكا كولا ) المبردة , ولا يخفى على القارئ الأمراض المترتبة على شرب هذه المواد والتي تؤثر على الجهاز الهضمي والجهاز العصبي . إن درجات الحرارة المتصاعدة يمكن السيطرة عليها بتقليل نسبة الغازات المتصاعدة والتي تسبب تشوهات في طبقة الأُوزون الواقية , ويمكن تفادي كل هذا باستخدام الطاقة النظيفة واستخدام الآبار الهائلة الجوفية النظيفة وعلاج شحة الأمطار علمياً وبناء جدار نباتي كثيف حول المدن يصد الأتربة والرياح كما يقوم بتلطيف الجو , وأعتقد أن هذا هو ما يُجدي نفعاً لأجساد العراقيين وصحتهم النفسية والعقلية لأن البيئة النظيفة والجميلة تشكل منتجعاً صحياً لتهدئة النفس الإنسانية وبناءها العقلي المتوازن .