العيد “ضحيّة” التكنولوجيا

534

2-8-2014-4-d

في صبيحة العيد تلامس أنامل سليم الزبيدي ، العراقي المقيم في بلجيكا، شاشة هاتفه الحديث، منتقياً نحو خمسين من قائمة أصدقائه المحفوظة في ذاكرة الهاتف، مهنئاً اياهم بالعيد، عبر نص هيّأه قبل ايام انتقاه عبر ماكنة البحث “غوغل”.
وشملت رسائل الزبيدي النصية، الأهل والأقرباء في بلجيكا وخارجها، وفي العراق أيضا.
وفي الوقت الذي يعترف فيه الزبيدي،في تصريح صحفي بأنّ “التقنية المعلوماتية وفّرت الوقت وقلّصت الجهد”، إلا أنها عزَلَته اجتماعياً عن الكثير من الناس، مؤكدا أن “بعض الذين هنأهم عبر الرسائل النصية لم يقابلهم وجها لوجه منذ نحو السنة، وان علاقاته طوال هذه الفترة كانت عبر التلفون، ومواقع التواصل الاجتماعي”.
وإذا كان للزبيدي “العذر”، بحكم وجوده في المغترب، في اِنْسِلاَخ تواصله مع أفراد مجتمعه إلى “رقمي” خالص، فإن الكثير من العراقيين داخل البلاد وجدوا أنفسهم على نحو غير مسبوق، وقد ركنوا إلى حقيقة تحولهم إلى “كائنات افتراضية”لا يتوفّر لها الوقت للتعامل المباشر مع بعضها،ولا تجيد التعبير بالمشاعر، ولا تكترث لصلة الأرْحام والعلاقات الاجتماعيَّة التقليدية وإبداء العواطف إلا عبر التقنيات الرقمية، لاسيما الرسائل النصية، أو عبر التدوينات الرقمية في “فيسبوك” أو التغريدات عبر “توتير”.

التقنية “تقضم” فرحةالعيد
إن القول إن التقنية المعلوماتية “تقضم”فرحة العيد، صحيح إلى حد كبير، بعدما انحسرت الكثير من الفعاليات الاجتماعية الواقعية وتحولت إلى “عوالم افتراضية” بلا مشاعر، منذ دخلت تقنيات التواصل عالم الانترنت في 1993 من قبل شركتي “أميركا أون لاين” و “ديفلي” حين غزت رسائل الجوَّال والرسائل الإلكترونيَّة، العالم، بقدراتها اللامحدودة على إيصال الأفكار.
لقد أصبح من غير الممكن بحسب الناشط الرقمي حسن الدايني في تصريح صحفي في ظل العصر الالكتروني “التَّواصل المباشر من غير واسطة تقنية مع الأهل والأصدقاء والمعارف، بعدما فرضت الأجهزة الجامدة نفسها على الحياة”.
ويردف الدايني في القول “على رغم الفائدة الكبيرة للتواصل الرقمي عبر التلفون والحاسوب ، إلا أنها سرقت الحياة الواقعية من الفرد ضربت العلاقات الاجتماعية في الصميم وقضت على العواصف ومسخت المشاعر”.
ومقابل هذه الحقائق المرة، فإنه لا مفر من الاعتراف بحقيقة أن “التقنية خدمت الإنسان، ماديا لكنها أضرت به روحيا”.
وفي ليلة العيد، هنّأ رباح حسن، الشاب المدمن على الرسائل النصية ومواقع التواصل الاجتماعي نحو ثلاثة آلاف صديق على موقع التواصل الاجتماعي بضغطة زر، رافضا فكرة أن “التقنية أثرت سلبيًّا على العلاقاتِ الاجتماعية”.
فبحسب حسن في تصريح صحفي فإنه “لولا هذه الأجهزة الالكترونية الساحرة لتعذّر جمع هذه العدد الوافر من الأصدقاء”.
ويستطرد في قوله “هل نتذكر البريد العادي يوم كانت الرسائل تستغرق أسابيع وأشهر لكي تصل إلى هدفها، إذا لم تضلّ الطريق”.

العُزْلة الاجتماعية
إن كلام حسن لا يجانب الصواب، فقد أوصل عبر هذه الوسائل الجديدة في الاتصال والتواصل، رسائل العيد إلى أصدقاء وأقرباء له في كندا واستراليا والولايات المتحدة و أوربا، وهو جالس في غرفته يحدّق بإمعان إلى هاتفه لتتبع ما وصله من رسائل من مختلف الأنحاء.
لكن أمام كل التأثيرات الإيجابية للتكنولوجيا، فإن حسن يرضخ في النهاية إلى حقيقة أن “التقنيات سلخته عن الواقع وجعلته شخصا فصاميًّا يعيش ماديًّا على هامش المجتمع من حوله ، فيما تجده شخصًا حيويًّا في العالم الافتراضي”.

ثقافة افتراضية
غير أن الباحثة الاجتماعية سوسن العبيدي تلفت الانتباه إلى أن “تأثيرات التكنولوجيا تتجاوز في تأثيراتها، حدود العلاقات الاجتماعية إلى استلهام ثقافة افتراضية مصدرها التلفاز والانترنت ، لكنها توفر فرص التفكير والتأمل”.
وتزيد في القول “هذه المعطيات الجديدة، تحتم علينا القبول بسلوكيات وأخلاقيات الجيل الجديد التي تنتج تصرفات وردود أفعال جامدة غير حيوية لا تستطيع ملامسة المشاعر والعواطف الإنسانية”.
وتميل العبيدي إلى الحديث عن ان “العيد أصبح أيضا مناسبة افتراضية شأنه شأن الحياة بشكل عام، والتي ينحسر فيها تفاعل الانسان الواقعي إلى (روبوت) لا يُنتظر منه على صعيد المشاعر الإنسانية شيء مهم ،غير  قدرته على الإنتاج السلعي الذي يشبع حاجاته المادية، فيما يُشبع حاجاته الروحية من العالم الافتراضي”.
وتختتم العبيدي رأيها بالقول “العيد مثل الكثير من المناسبات أصبح ضحية أدبيَّات تعامل جديدة بين الناس فرضها تطور تكنولوجي، أطاح بالكثير من الأخلاقيات التي تحكم المجتمع لصالح قيم جديدة تضخّها العولمة إلى كل أرجاء الأرض في وقت واحد عبر تقنيات تواصل أصبحنا في أمس الحاجة إليها”.

كنوز ميديا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*