“دولة الخلافة” تتجه نحو “الانتحار” والزوال بشكل يشابه نشأتها و”تمددها” السريع
بعد 16 شهراً على إعلان ولادته رغم رفض التنظيم الأم “القاعدة” الذي يحمل فكره وإيديولوجيته، استطاع تنظيم “الدولة الإسلامية” السيطرة على حوالي نصف مساحة العراق وثلث مساحة سوريا، ليتحول إلى مصدر تهديد ورعب حقيقي على المستويين الإقليمي والدولي.
إلا أن بعض المراقبين والمتتبعين لمسيرة التنظيم الوليد، يرون أن تمدده الكبير والذي اعتمده شعاراً واستراتيجية خلال تلك الفترة القصيرة نسبياً، بالإضافة إلى كثرة خصومه واتساع التحالف الدولي المعارض له، وحالة الغرور بقوته وإمكاناته التي تعتريه، ينذرون جميعا بأنه يتوجه حتماً نحو “الانتحار” السريع.
النشأة:
أعلن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم ما كان يسمى “الدولة الإسلامية في العراق”، الذي نشأ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 كفرع لتنظيم القاعدة، في تسجيل صوتي له أبريل/ نيسان 2013 أن جبهة “النصرة” في سوريا هي جزء من التنظيم الناشط في العراق.
وأوضح البغدادي أن الهدف من هذا الضم هو إقامة دولة إسلامية في سوريا والعراق، وإعلان إقامة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أو ما عرف إعلامياً وقتها بـ”داعش”.
فيما أعلن أبو محمد الجولاني قائد جبهة النصرة، في اليوم التالي للإعلان المذكور مبايعته لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، ورفض قرار البغدادي، الأمر الذي تطور بين الرجلين إلى اشتباكات مسلحة بين تنظيميهما ما تزال مستمرة منذ نهاية العام الماضي، وأدت لمقتل المئات من الجانبين.
ولم تكن جبهة النصرة معروفة قبل بدء الاحتجاجات في سوريا في مارس/ آذار 2011، لكنها برزت كقوة قتالية ميدانية مع تبنيها تفجيرات استهدفت مراكز عسكرية وأمنية للنظام في الشهور الأولى للاحتجاجات.
الظواهري بدوره رفض قرار البغدادي بإعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ودعاه في تسجيلات صوتية بهذا الخصوص كان آخرها مايو/أيار الماضي إلى التفرغ لما وصفه بـ”العراق الجريح”، والعودة إلى الأمير(الظواهري) بـ”السمع والطاعة”، وهو ما رفضه التنظيم الجديد سريعاً وشن هجوماً على الظواهري وطالبه بمبايعة البغدادي كأمير، وذلك في تسجيل لأبو محمد العدناني، الناطق باسم التنظيم.
ومع تنامي قوة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” وسيطرته على نحو نصف مساحة العراق وثلث مساحة سوريا، أعلن العدناني، نهاية يونيو/حزيران الماضي، عن تأسيس “دولة الخلافة”، في المناطق التي يتواجد فيها التنظيم في البلدين الجارين، وكذلك مبايعة زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي “خليفة للمسلمين” بعد مبايعته من قبل مجلس شورى التنظيم، وذلك بحسب تسجيل صوتي منسوب له بثته مواقع جهادية.
ودعا العدناني باقي التنظيمات الإسلامية في شتى أنحاء العالم لمبايعة “الدولة الإسلامية”، بعد شطب اسم العراق والشام من اسمه.
مناطق السيطرة:-
يسيطر تنظيم “الدولة الإسلامية” في العراق على معظم مساحة محافظة نينوى التي سيطر عليها مع حلفائه من المقاتلين السنة في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، وذلك بعد انسحاب قوات الجيش العراقي منها بدون مقاومة تاركين كميات كبيرة من الأسلحة والعتاد.
كما سيطر أيضاً في الوقت نفسه، على مناطق واسعة في محافظة صلاح الدين وخاصة مركزها مدينة تكريت وبدأ بتهديد بلدة سامراء ذات المكانة الدينية لدى الشيعة والاستراتيجية لقربها من بغداد، وأيضاً مناطق في محافظة ديالى حيث سيطر مؤخراً على ناحية جلولاء القريبة من الحدود الإيرانية وأيضاً على أجزاء من محافظة كركوك الغنية بالنفط.
وقبلها بأشهر سيطر “الدولة الإسلامية” والمتحالفون السنة على مدن بمحافظة الأنبار الحدودية مع سوريا وأكبر محافظات العراق مساحة.
أما في سوريا فيسيطر التنظيم على محافظة الرقة بشكل شبه كامل منذ نحو عام والتي تعد المعقل الأساسي للتنظيم في البلاد، في حين سيطر مؤخراً على معظم مساحة محافظة دير الزور الغنية بالنفط والتي تمتلك امتداداً جغرافياً مع المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في العراق، ويسيطر التنظيم أيضاً على مناطق في الريف الشمالي لمحافظة حلب ويسعى للسيطرة على مناطق أوسع فيها.
المرجعيات الإيديولوجية:-
لا توجد مرجعية فكرية أو دينية معلومة أو يعلن عنها تنظيم “الدولة الإسلامية”، إلا أن بعض الباحثين في شؤون الجماعات الإسلامية، يرون أنه “يتبع الفكر السلفي الجهادي، كوسيلة وحيدة للتغيير، وبناء الدولة الإسلامية التي تطبق فيها تعاليم وأحكام الشريعة، ويسعى التنظيم لتطبيق ذلك بطريقة متشددة وبفرض العقاب وإقامة الحدود على من يخالفها عن طريق المحاكم الشرعية التي ينشئها””.
وأعربت العديد من المؤسسات الدينية الإسلامية كالأزهر والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين غير الحكوميتين وغيرهما، عن عدم اتفاقها ورفضها للمنهج الذي يتبعه التنظيم في تطبيق تعاليم الشريعة الإسلامية وتكفير الآخرين وتطبيق الحدود، حيث وصفته بعض تلك المؤسسات في بيانات أصدرتها مؤخراً بـ”الكيان الشيطاني.. التتار الجدد.. أعداء الإسلام.. خوارج العصر.. صنيعة المخابرات”.
العقيدة القتالية:-
يعتمد تنظيم “الدولة الإسلامية” في معاركه التي يخوضها ضد خصومه في كل من سوريا والعراق على أسلوب فرض الرعب على الطرف الآخر، متخذا من “الانغماسيين” و”الذبِّيحة” ذراعين أساسيتين لتحقيق هذا الأسلوب.
ويحاول التنظيم الذي يقول مراقبون إن عدد مقاتليه لا يتجاوز 15 ألف عنصر دون عدد المتحالفين معه، تعويض النقص العددي لديه مقارنة بخصومه، حيث يعمل على تصوير مقاتليه على أنهم مستعدون للموت عبر القيام بما يسميها “عمليات استشهادية” ينفذها “الانغماسيون” ضد الأعداء.
كما يلّوح لأعدائه أيضاً بأن مصيرهم يتعدى الموت في المعارك معه، وإنما سيواجهون الذبح وقطع الرؤوس الذي ينفذه بعض العناصر المتخصصين لديه والذين يلقبهم العوام في كل من سوريا والعراق بـ”الذبِّيحة” بتشديد الباء وكسرها، بحسب المفردة العامية هناك التي تدل على كثرة القتل ذبحاً.
ويختلف “الانغماسيون” عن “الاستشهاديين” أو “الانتحاريين” كونه لا يشترط أن ينفذ “الانغماسي” عملية استشهادية أو انتحارية تودي بحياته، وحصل عدة مرات أن قام “انغماسيون” بقيادة عربة ملغومة إلى هدف تابع للعدو وتفجيرها عن بعد، بعد تمكنه من الانسحاب منها عقب ركنها في المنطقة المستهدفة، وذلك للقيام بعملية أخرى، بحسب ما صرّح عدد منهم في مقاطع الفيديو التي بثها تنظيم “الدولة الإسلامية” لتوثيق عملياته.
الرايات والشعارات:-
يرفع عناصر التنظيم راية تنظيم القاعدة (العلم الأسود المكتوب عليه باللون الأبيض عبارة، لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ويطلق عناصره، وغالبيتهم من غير السوريين، هتافات إثر كل معركة أو انتصار يحققونه على قوات الأعداء مثل “قائدنا للأبد سيدنا محمد” و”الله أكبر” التي تتعالى بها أصواتهم أيضاً خلال الاشتباكات.
كما يرفع مقاتلو “الدولة الإسلامية” وأنصاره عبارة “باقية وتتمدد” شعاراً للتعبير عن فكر “دولتهم الإسلامية” التوسعي والتي تتعدى حدودها حدود سوريا والعراق، وكذلك بقائها على الرغم من معارضة خصومها وأعدائها الكثر.
الأعداء والخصوم:-
يتخذ التنظيم كل من يخالفه في العقيدة خصماً له ويعتبره “مرتداً” وعقوبته القتل، ولا يقتصر إطلاق “الردة” على المسيحيين أو اليهود أو الإيزيديين وغيرها من الطوائف، وإنما يسبغ التنظيم هذا الحكم حتى على المسلمين من الشيعة وحتى السنة ممن لا يتبعون التعاليم التي يراها التنظيم أنها هي التعاليم الصحيحة والحقيقية للدين.
أما بالنسبة لأعداء التنظيم فإن الأخير يقاتل في العراق كل من الجيش العراقي والميليشيات الطائفية الموالية للأخير وقوات البيشمركة وقوات عشائرية مناهضة للتنظيم، إضافة إلى مسلحين محليين ممن يرفضون سيطرة التنظيم على مناطقهم وآخرين متوحدين دينياً أو عرقياً مثل الإيزيديين والتركمان وغيرهم.
وتلقى كل تلك القوات دعماً لوجستياً أمريكياً وغربياً في مواجهة التنظيم خاصة بعد سيطرته قبل أسابيع، ،على مناطق قريبة من أربيل عاصمة إقليم كردستان، كما دخلت إلى معادلة الصراع المباشر ضد “الدولة الإسلامية” مؤخراً وبشكل محدود، القوات الأمريكية حيث أمر الرئيس الأمريكي باراك أوباما قبل أكثر من أسبوع بشن ضربات جوية ضد أهداف للتنظيم شمالي العراق بعد تهديده “المصالح الأمريكية وإقليم شمال العراق المستقر”، وكذلك “استهدافه للأقليات”.
أما في سوريا، فيقاتل التنظيم كلاً من جيش النظام والميليشيات الشيعية الموالية له، إضافة إلى قوات الدفاع الوطني(ميليشيات مسلحة غير نظامية)، إلى جانب حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب النظام في عدد من المناطق السورية.
وإلى جانب هؤلاء يقاتل التنظيم قوات المعارضة من جيش حر وفصائل إسلامية معارضة للنظام مثل الجبهة الإسلامية وجبهة النصرة وغيرهما، فضلاً عن ميليشيات كردية في بعض المناطق التي تسيطر عليها تلك الميليشيات شمالي البلاد.
القيادة والتنظيم:-
لـ”الدولة الإسلامية” هيكل تنظيمي يرأسه زعيم التنظيم “الخليفة” أبو بكر البغدادي إضافة إلى أمراء للمناطق ومجالس شورى المجاهدين، إضافة إلى قيادات ميدانية، إلا أن تلك الأمور التنظيمية يكتنفها سرية تامة، في حين يشير باحثون في الشؤون الإسلامية إلى أن تبعية قادة “الدولة الإسلامية” في سوريا تعود لأمراء التنظيم في العراق.
أما “الخليفة” أبو بكر البغدادي واسمه الحقيقي “ابراهيم بن عواد”، فهو من مواليد مدينة سامراء ويبلغ من العمر 43 عاماً، وتولى منصبه كزعيم لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق” بعد مقتل زعيمه السابق أبو عمر البغدادي عام 2010 بقصف جوي أمريكي، وذلك بحسب ما يعرف به التنظيم وما تذكره مواقع مقربة منه.
وتذكر المواقع المقربة من التنظيم على شبكات التواصل الاجتماعي، أن البغدادي تتلمذ على يد أبو مصعب الزرقاوي (أردني الجنسية) الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في العراق الذي قتل في قصف أمريكي عام 2006، واعتقل من قبل القوات الأمريكية في العراق لمدة أربع سنوات قبل إطلاق سراحه عام 2009.
وأظهر البغدادي تمرده على قرارات زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، خاصة بعد اعتراض الأخير على قرار البغدادي بإعلان “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
ويدين التنظيم للبغدادي بتحقيق أكبر مساحة توسع منذ تأسيس تنظيم القاعدة في العراق بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003.
الأذرع الإعلامية:-
على الرغم من الاتهامات التي تواجه التنظيم بالتشدد والتضييق على عمل وسائل الإعلام واعتبار بعض من يعمل فيها “مرتداً” ما لم “يبايع الدولة الإسلامية”، إلا أنه يمتلك آلة إعلامية متقدمة إلى حد كبير.
حيث أصدر التنظيم مؤخراً صحيفة رسمية ناطقة باسمه باللغتين العربية والإنكليزية تحت اسم “دابق”، إضافة إلى اعتزامه إصدار صحيفة أخرى مماثلة باسم “خلافة2″، بحسب بيانات أصدرها على صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعمل الصحيفتين على نقل أفكار التنظيم والتعريف بـ”دولة الخلافة” التي أعلنها مؤخراً.
كما أطلق التنظيم مؤخراً عدداً من الإذاعات المحلية باسمه تبث في المناطق الخاضعة لسيطرته في كل من سوريا والعراق مثل “البيان”، كما يملك التنظيم ما يسميها مؤسسات إعلامية ناطقة باسمه أبرزها “مؤسسة الفرقان”، وأيضاً يمتلك صفحات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي يخصص كل واحدة منها لكل “ولاية” وينشر عليها صوراً وفيديوات لما يسميها “تغطيات” إعلامية لنشاطاته والمعارك التي يخضوها مقاتلوه، وذلك عن طريق المكاتب الإعلامية التي ينشئها بكل ولاية.
مصادر التمويل:-
في بداية نشأته اعتمد التنظيم على التمويل الخارجي، إلا أنه لا يعلن عادة عن مصادر ذلك التمويل، كما لا تعلن تلك المصادر عن تقديمها الدعم له خوفاً من العقوبات الدولية عليها خاصة أنه موضوع على لوائح “الإرهاب الدولية”.
إلا أنه خلال الفترة الماضية بدأ بالاعتماد على موارد ذاتية بعد سيطرته على حقول وآبار للنفط والغاز في كل من سوريا والعراق، وقيامه ببيع كميات منها عن طريق مهربين إلى بعض دول الجوار.
العدد والعتاد:-
يرى متخصصون في شؤون الجماعات الإسلامية أن عدد مقاتلي “الدولة الإسلامية” لا يتجاوز 15 ألف مقاتل، أكثر من 80% منهم من جنسيات غير سورية أو عراقية، غالبيتهم حسب ما يعلن التنظيم من الشيشان والسعودية والأردن ودول المغرب العربي ومصر وليبيا وغيرها.
وهذا العدد مرجح للتزايد بسرعة بعد حملة المبايعات الكبيرة للتنظيم خاصة من بعض فصائل المعارضة المسلحة شرقي سوريا، وإعلان “دولة الخلافة” التي تستقطب مهاجرين إليها تلبية لدعوات أطلقها التنظيم.
أما بالنسبة للسلاح والعتاد فيمتلك التنظيم أسلحة ثقيلة ونوعية تصل إلى صواريخ بالستية من طراز “سكود” التي استعرض واحداً منها قبل فترة في شوارع مدينة الرقة شمالي سوريا استولى عليها من بعض مواقع النظام العسكرية التي سيطر عليها.
إضافة إلى مدافع ثقيلة ودبابات وعربات مصفحة أمريكية بكميات كبيرة استولى عليها من المواقع والفرق العسكرية التي فر منها الجيش العراقي قبل شهرين، وكذلك عربات ودبابات روسية الصنع التي كان يمتلكها النظام السوري قبل أن يستولي عليها مقاتلو التنظيم من بعض فرقه العسكرية التي سيطروا عليها.
ويعتمد مقاتلو التنظيم بالشكل الأبرز على القواذف الصاروخية (آر بي جي) وقذائف الهاون بعياراتها المختلفة فضلاً عن الأسلحة الفردية مثل بنادق “الكلاشينكوف” الروسية والرشاشات المتوسطة والثقيلة المثبتة على العربات رباعية الدفع، وذلك في معاركه ضد أعدائه على الجانبين السوري والعراقي.
احتمال الانتحار:-
يرى مراقبون لمسيرة “الدولة الإسلامية” أن التوسع السريع لمناطق سيطرة التنظيم وانتشار مقاتليه فيها، وكثرة الخصوم والأعداء الذين يقاتلهم في نفس الوقت بكل من سوريا والعراق، والدعم الأمريكي والدولي لأولئك لوجستياً وعسكرياً، مع إثارة التنظيم نقمة سكان المناطق التي يسيطر عليها بقيامه بتطبيق الحدود الشرعية من جلد ورجم وذبح وقطع للرؤوس، وبدء “انتفاضات” شعبية مسلحة ضده خاصة في شرق سوريا، يوحي ذلك أن “دولة الخلافة” تتجه نحو “الانتحار” والزوال السريع بشكل يشابه نشأتها و”تمددها” السريع، في الوقت الذي لا يؤمن مقاتلو التنظيم بذلك ويصرون على أنها “باقية”.
واي نيوز