بعد 10 سنوات على السقوط .. المثقفون العراقيون يقفون على تلال الخيبة العالية!

236

الثقافة العراقية

عبدالجبار العتابي

تحرر المثقف العراقي من العديد من المنغصات التي كانت تلازمه، لكنه وقع في منغصات أخرى أسهمت في أن ينظر إلى الأمور بشيء من الإحباط والسوداوية، لاسيما عدم انتباه السياسيين إلى الثقافة وإعارتها أهمية ترفع من شأنها في المجتمع.

على الرغم من مرور عشر سنوات على التغيير الكبير الذي حدث في العراق إلا أن المثقف العراقي لا يزال يرى أن أحواله ليست على ما يرام، مع اعترافه بوجود إيجابيات عديدة، فهو ينظر إلى أشياء كثيرة كان يتمنى أن تحدث خلال هذه السنوات لكن السلطة لم تلتفت إليها فيما هي من أعمدة متطلبات الثقافة العراقية والمثقف الذي عانى الكثير خلال المرحلة السابقة، لذلك أشار عدد من المثقفين الذين استطلعنا آراءهم إلى جملة من السلبيات التي رافقت السنوات، مؤكدين أنهم أصيبوا بخيبة أمل بسبب أن التغيير الثقافي لم يتم.

 فقد امتدح الكاتب أحمد سعداوي الإبداع الشخصي للمثقفين، لكنّه أشار إلى البنية التحتية ووصفها بالخمول فقال: على مستوى نشاط الأفراد انفتح المبدع العراقي على العالم بشكل ملحوظ، مقارنة بفترة العقوبات الاقتصادية خلال التسعينيات، وصرنا نرى مشاركات عراقية واسعة في مجال السينما الشبابية والاحترافية والأدب بمختلف حقوله في المسابقات العربية والدولية، وكذلك حضور الفعاليات والملتقيات الثقافية، وشهدنا خلال السنوات العشر الماضية ازدهاراً لبعض الأنماط الإبداعية كما هو حال الرواية، والتي وجدت في فضاء الحرية النسبية متسعاً للتحرر من رقابة السلطة الرسمية، وأنموذجها عن التاريخ، تبعاً للعلاقة الوثيقة بين فن الرواية والتاريخ، كما أن نشاط الصحف والقنوات الفضائية العراقية أخرجت لنا موجة من الطاقات الابداعية الشبابية في مختلف المجالات، ويمكن التعميم على كل حقول الإبداع الثقافي بالمجمل.

وأضاف: أما على مستوى النشاط المؤسسي، فلم نشهد تحولات كبيرة، فما زالت البنية الثقافية التحتية خاملة إن لم نقل متداعية، فليست لدينا دور نشر قوية تنافس مثيلاتها العربية على الأقل، وبات قطاع المسرح شبه معطل بسبب غياب البنى التحتية، والأمر يشمل السينما، ويبدو أن الانشغال بالصخب السياسي والتداعيات الأمنية حرف بوصلة الجهات الرسمية بعيداً عن رعاية قطاع الثقافة، أو على الأقل رعاية التراث الثقافي العراقي وتقديمه وتقريبه إلى الناس.

وتابع: وفي العموم، أنا أشعر، من خلال تجربتي الخاصة، بأن النتاج الثقافي العراقي، رغم كل شيء يحظى بالاحترام والإعجاب خارج الدائرة الوطنية، ويحقق حضوراً ملفتاً ربما يتزايد في السنوات المقبلة.

    من جانبه، أكد رئيس اتحاد ادباء النجف فارس حرام على أن الحكومات المتعاقبة بعد 2003 أهملت رأي المثقف، وقال: الثقافة العراقية بعد ٢٠٠٣ حدثت فيها أشياء متميزة لعل أبرزها التحرر من الرقيب الأمني والتمتع بحرية نسبية في الكتابة.. كما كان أبرز ما فيها قدرة المبدعين والمثقفين والمهتمين على تأسيس جمعيات ومنظمات ومؤسسات تنظم عملهم.. وكانت القدرة على النشر في العالم الخارجي والسفر خارج البلد للمشاركات الإبداعية أيضًا من أبرز ما تحقق بعد أن كان كل شيء تقريباً يمر من خلال دهاليز الحكومة والحزب الحاكم…

وأضاف: لكن أبرز سلبيات ما بعد ٢٠٠٣ أننا تلقينا صدمة كبيرة تمثلت بأن سياسيي ما بعد ٢٠٠٣ أكثر تخلفًا وتراجعًا ومحدودية في تعاملهم مع الشأن الثقافي، والمفاجأة أن صدام ونظامه كانوا يحسبون للمثقف ولرأيه حسابًا انعكس بالطريقة الدموية والقمعية العالية التي كان يتعامل بها النظام مع كل مثقف مناوئ، وبالاهتمام الخاص بحقل الثقافة وصرف الأموال وشراء الذمم.. لا لشيء إلا لأن النظام كان يعرف أهمية رأي المثقف في الشارع.. في حين أن الحكومات التي تعاقبت على بلدنا بعد ٢٠٠٣ تميزت بإهمال رأي المثقف وتركه يتحدث كما يشاء من دون بذل أي جهد في الاستماع له وتجريب أفكاره ، إنه أمر غريب فعلًا.. تُوِّجَ بأن يكون وزير الدفاع هو نفسه وزير الثقافة .

إلى ذلك أكد الفنان التشكيلي خالد المبارك أن التشويه والتغييب والتهميش هي السمة الغالبة على ما يحدث بحق المبدع والمثقف الحقيقي وهما العمودان الرئيسيان للثقافة، وقال: الثقافة العراقية..طالما كان هذا العنوان يرن في مسامع الكثيرين ممن يهمهم العراق وبلاد ما بين النهرين وعمقه الحضاري..فهذا العنوان كبير وعمقه أكبر كونه يحمل في معانيه الشيء الكثير والكثير….إن الآمال التي كان يصبو إليها ” المثقف والمبدع “وهما المعنيان الرئيسيان بهذا الموضوع..بعد التغيّر أو مسميات عديدة لما بعد 2003 كثيرة، فهي مرتبطة بالأماني والطموحات لمجتمع أفضل ننشده وينشده الجميع..وبالأصح لعراق أفضل وأرقى…وسرعان ما تبددت الأماني والطموحات وتحولت إلى سراب…فما حصل ويحصل إلى حد كتابة هذه المشاركة الشيء الكثير من الجرائم بحق الثقافة و”الثقافة العراقية ” فالتشويه والتغييب والتهميش هي السمة الغالبة على ما يحدث بحق المبدع والمثقف الحقيقي وهما العمودان الرئيسيان للثقافة…وما يحدث من موقف للسياسي وللمسؤولين على الثقافة… من تلاعب وتعكز على المبدع والفنان للوصول إلى مآرب وغايات ذاتية ومنفعية هو الشيء الغالب والسائد…ولمصلحة الكرسي والمنصب…وما يتبعه من مكاسب خاصة…وليس لمنفعة الثقافة ذاتها…!!والتفاصيل كثيرة وما يتداوله المثقفون من حكايات وقصص واقعية… تدين المسؤول والمعني…

 وأضاف : ومع ذلك فللمبدع والمثقف موقف ومشاركة…جادة رغم ما يشوبها من خلط وكما يقول المثل “الأخضر بسعر اليابس” وهو مثل شعبي لما له من معنى…ومع ما يحدث…فهناك موقف مهم وجميل للمبدع الفنان…صاحب المبادىء.

أما الروائي حميد الربيعي، فقد أوضح عدة إيجابيات ومؤشرات على أحوال الثقافة خلال السنوات العشر فقال:: لنكن منصفين أمام حقيقة تاريخية من أن الذي حدث في 2003 هو نقلة نوعية في تاريخ الشعب العراقي على مستوى السياسي والاجتماعي بالإضافة إلى الواقع الثقافي، أعتقد أن الموضوع يكون أكثر وضوحًا في الموضوع الثقافي كون هذا الجانب متحركًا داخل بنية المجتمع العراقي على العكس من الأمور الأخرى التي تكاد تكون تراوح في مكانها، أنا أعتقد أن النقطة الرئيسية التي تعد لصالح هذا التغيير هو إتاحة الحرية، فالحرية النسبية الموجودة الآن لدى المثقف العراقي أتاحت له الفرصة بحيث يطلع فعلاً على الثقافة العالمية من خلال توفر وسائل الاتصالات وشبكة المعلوماتية بالإضافة إلى القنوات التلفزيونية، في هذا المجال استطاع المثقف العراقي أن يأخذ ما يريد بعد أن كان يعاني من حصار كبير لمدة 40 سنة، النقطة الأخرى التي تعد لصالح هذا الموضوع هو اتساع النشر، بمعنى أن المثقف العراقي أيام زمان كانت كل المطبوعات من داخل العراق بسبب الغلق، الآن أصبح بإمكان الكاتب العراقي أن تتاح له الفرصة في النشر سواء داخل العراق أو خارجه، بالإضافة إلى أن الوفرة المالية أتاحت للكاتب أن يطبع كتبه على حسابه الخاص، بمعنى أنه أصبح حر القرار في هذا الإطار على عكس ما كان أيام زمان حيث كان النشر محصورًا بمؤسسات الدولة.

 وأضاف : ما يحسب أيضًا لصالح التغيير أن ثمة حراكاً ثقافيًا من نوع آخر، بمعنى أن المثقف العراقي أصبح يراجع كل ما مر به من تاريخ ومحاولة إعادة قراءة هذا التاريخ بشكل مغاير، بمعنى إعادة تكوين تركيبة المجتمع بشكل آخر، نحن لاحظنا في العراق من عام 1920 أن تاريخنا المتراكم لم تحدث فيه نظرة موضوعية أو ثاقبة لإعادة قراءته بشكل آخر بما يلائم تكوين أمة نحن في العراق لم نخلق لدينا ما يسمى بالأمة أو المجتمع المتماسك، على العكس ما يحدث لدينا طوال هذه المرحلة من بناء مؤسسات الدولة، أعتقد أن المراجعة التاريخية التي تحدث لدى الكتّاب العراقيين من الأشياء التي تتيح إلى أن نجذر الثقافة في داخل تركيبة المجتمع.

 وتابع : إضافة إلى ذلك كل هذه الإيجابيات التي لمسناها على الواقع الثقافي العراقي ثمة أكثر من مؤشر باتجاه الآخر، بمعنى أن عملية الانقطاع الحادة التي أصبحت بين المواطن والكاتب أو المثقف، هذه القطيعة طبعًا أسبابها سياسية واجتماعية، جعلت المثقف بعيدًا عن واقعه الاجتماعي لأن سيادة ما يسمى بالمفاهيم الحديثة المتداولة مثل المحاصصة والطائفة وغيرهما، بمعنى أن الثقافة العامة، ثقافة الوطن، ما عادت موجودة، أيضًا أن الحرية المتاحة حرية نسبية، إذ إن هذه الحرية من الممكن أن تسلب بأية لحظة نتيجة التركيبة الأمنية أو السياسية الموجودة الآن، أيضًا طوال العشر سنوات التي مرت في تاريخنا لم تتجذر الثقافة كمفهوم، بمعنى ليست هناك قوانين تشرع لصالح العملية الثقافية من مجلس أعلى للثقافة أو حقوق المثقف أو عملية التفرغ، هذه غير موجودة، ومع ذلك نأمل على أن ثمة حراكًا في الساحة الثقافية بالإضافة إلى الحراك الاجتماعي والسياسي، ومن الممكن للتجربة أن تتبلور على مر الأيام.

 وقال الشاعر ماجد طوفان: الثقافة العراقية بطبيعتها هي ثقافة إشكالية ولعل التغيير البنيوي والجوهري الذي حصل في العراق بعد عام 2003 والذي تمثل بالإطاحة بنظام صدام زاد من هذه الإشكالية إذ إن التشظي الذي تشهده البلاد اليوم ألقى بظلاله المعتمة على المشهد الثقافي، ولعل وضع المؤسسات الثقافية المزري اليوم يحيلنا إلى أن الثقافة العراقية وطيلة عقود طويلة هي بلا تقاليد، وبالتالي فإن الثقافة اليوم لايمكن أن تكون بمنأى عن المشهد العام الذي يعاني منه العراق اليوم.

 المصدر: إيلاف (بتصرف)

مراجعة: (الحكمة)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*