تفاصيل مروعة عن جريمة سجن بادوش:عملية تصفية النزلاء الشيعة مرت بأربع مراحل آخرها الحرق
.
تقرير / عبد الأمير الصالحي ..
قال الناجي من سجن بادوش محمد علي محمد برهان البديري من اهالي الديوانية ان عملية تصفية نزلاء سجن بادوش في الموصل لاتقل بشاعة وفظاعة عن مجزرة قاعدة سبايكر في تكريت الا أن الإعلام لم يبرز إجرام وطائفية ما حصل ببادوش واهتم بمجزرة قاعدة سبايكر الأليمة.
وأكد البديري الذي كان يقضي مدة محكوميته حسب المادة 44 آثار ودخل سجن بادوش المركزي عام 2013 م انه كان كثيرا ما نبّه لجان حقوق الإنسان التي كانت تزور السجن الى ضرورة إخلاء السجن بسبب تعرضه لقذائف الهاون بشكل مستمر والذي كان على مرمى من استهداف الإرهابيين ولم يكن مأمن بشكل مناسب وكانت مطالبنا بضرورة نقل السجناء الى سجون في مناطق الجنوب ألا ان النداءات والمطالبات لم تجد استجابة من قبل لجان حقوق الإنسان او لجان وزارة العدل.
وتعد شهادة النزيل محمد من الشهادات القليلة التي كشفت عن معالم جريمة سجن بادوش والتي راح ضحيتها 503 نزيلا كمجموعة أولى تم إبادتهم على أساس طائفي حيث يحدثنا النزيل محمد أثناء (لقائنا به داخل سجن التسفيرات في الديوانية) عن عملية اقتحام السجن فجر يوم 10 /6 من قبل الدواعش بعد ان أخلى الحراس الأمنيين السجن ليلا تاركين السجناء في زنزاناتهم ومصيرهم المجهول المحتوم وسط غزو تنظيم داعش للموصل.
ويضيف قائلا: بعد دخول عناصر داعش الى السجن تم اقتيادنا الى 7 شاحنات كانت متوقفة عند باب السجن وانطلقت لمسافة نحو 4 كيلو تقريبا إلى حيث منطقة ترابية مطلّة على مبزل جاف من الماء مملوء بالقصب.
عندها – يقول محمد – تم فصلنا على أساس طائفي (السني إلى جانب والشيعي إلى جانب آخر) في نفس المنطقة بعد أن قدّم مسؤولهم ويطلق عليه (الحجي) بحيلة قائلا: ان النزلاء السنة سيتم إعطائهم السلاح للمقاتلة في بغداد أما الشيعة فسيتم إركابهم عجلات لإرجاعهم إلى أهاليهم، عندها اركَبوا من تم فصلهم على أنهم من السنة بالعجلات التي جاءت بنا وبقينا نحن الشيعة وعددنا (503) حيث تغير حال هؤلاء المسلحين وبدأ السب والشتم والترهيب والتعامل السيئ باعتبارنا (روافض) وتم اخذ جميع المقتنيات الشخصية من موبايل ومبالغ مالية ومحبس ومسبحة وغيرها وأمرنا بالتوجه الى ناحية البزل بان تكون وجوهنا الى البزل وظهورنا عليهم.
وتابع: امر (الحجي) بالعد العسكري الذاتي مرة اخرى بان يقوم كل سجين بعَدْ تسلسله من رقم واحد في أقصى اليمين الى ان انتهى العد بـ (503) في أقصى اليسار وكان تسلسلي هو (463) في المجموعة وعند انتهاء العد جرت بيني وبين احدهم محاورة حيث اني رفعت المصحف الذي كان بيدي – وكان بحوزتي في السجن – في إشارة للحديث فقال احدهم: ماذا تريد تكلم ولا تنظر الى الخلف. فقلت له: ان الشمس حارقة والجو حار عليكم وعلينا ولا نريد منكم سوى شربة ماء قبل ذبحنا، لأني رأيت من بين المسلحين أشخاصا يحملون السيوف فتوقعت الذبح، فقال: اسكت رافضي كلب، فقلت له: ان الكبش يسقى ماء والكلب يسقى، فرد: ان الكلب اشرف منكم ياروافض.
ويكمل محمد: عند ذلك أمر (الحجي) بان يُجهز كل شخص يحمل رشاشة ((bkc على خمسين من النزلاء – وهو اقل نوعية سلاح بأيديهم -، وبعد كلمة (تكبير) بدأ إطلاق النار من خلفنا في الرأس والظهر وهم على مسافة (3 متر) منا تقريبا لنتساقط الواحد تلو الآخر في المبزل الذي هو على عمق (3 متر) وقد سقطت في البزل ولا اعرف كيف حيث اني كنت مشغولا بقراءة سورة (يس) التي أحفظها عن ظهر قلب ولم يخطر ببالي اي شي لا أطفالي ولا أهلي الا ذكر الله وقراءة القران الكريم.
ويتابع محمد، لم اشعر الا بالدم المتناثر من زملائي وتدحرجت في المبزل وتكسرت نظارتي أثناء ذلك وسقط فوقي عدد من الجثث، وبعد الاجهاز على الجميع جاءت المرحلة الثانية للتصفية عن طريق الأحادية المنقولة على عجلة لتمشيط الجثث داخل البزل بأمر من (الحجي)، وفعلا وقفت العجلة حاملة الأحادية بحافة البزل وقامت بإطلاق النار على الجثث، ثم نزل أربعة أشخاص في البزل حاملين مسدسات بناءا على أوامر (الحجي) عندما ناداهم بقوله (أريد أربعة من السباع ينزلون ليطلقوا اطلاقات الرحمة) وقد رأيت احدهم قام برفع رأس شهيد وأطلق عليه بالرأس وهو يسحق على رجلي، وبعد خروجهم إلى أعلى البزل جاءت المرحلة الرابعة وهي الأخيرة وتمثلت بعملية حرق قصب البزل لتحرق الجثث وتخفى معالمهم وهي الأصعب حيث التهمت النار الجثث وكنت أتنفس رائح احتراق الجثث وكنت افقد الوعي بين الحين والأخر حتى مغادرة المسلحين المكان.
ويواصل النزيل شهادته قائلا، سمعت صوت احد النزلاء، توفي لاحقا رحمه الله، من أهالي الحي يخبرنا إنهم انسحبوا، فتخلصت من الثقل الذي كان فوق ظهري وهما جثتان فوق بعضهما، وسحبت بدني مرهقا ضعيف القوى لم تحملني قدماي على الوقوف ولا أقوى على النهوض إلا بالزحف بعيدا عن النار التي بدأت تلتهم الجثث ولتجهز على من بقي جريحا وقد أحرقت أماكن في جسدي وكان المنظر مهولا.
ويلفت محمد ” وجدت صاحبي مصابا، كما سمعت صوت نزيل يدعى أبو علي، يناديني، فذهبت باتجاهه وأنا أتفحص الجثث عسى ان يكون بينها أحياء، لكن للأسف كان رصاص الرشاشات من الظهر نافذ إلى البطن، إضافة إلى رصاصات الرحمة في الرأس، وزحفنا معا حتى وصلت إلى آخر مغدور، فتوقفت عنده ونزعت حذائه الرياضية ولبسته لان الأرض كانت مليئة بالأشواك ولا يمكنني السير حافيا وغادرت المكان بعد فقد رفيقاي وقراءة سورة الفاتحة للشهداء.
ويضيف، خرجت بعد ساعة من مشاهد الموت والدم بين زحف ومسير من الساعة 11 صباحا الى 5 عصرا حتى وصلت إلى أنبوب يخترق الشارع العام من الأسفل فجلست بداخله وقد أنهكني العطش وإذا بصوت احد النزلاء يدعى (علي) وهو من بغداد وقد نجى من المجزرة جالس على الجانب الاخر من الانبوب، اتفقنا على المسير قبل حلول الظلام على الشارع العام فوجدنا صاحب سيارة بداخلها شخص شرحنا له حالنا فسقانا الماء ودلاّنا على طريق ترابي يودي إلى سد بادوش وبمسافة 30 كم، سرنا انا وعلي حتى صادفنا سيارة نوع أوبل بداخلها رجل وامرأة تبين انه هارب من قصف الدواعش فقاما بإيصالنا إلى قرية وقعت عيني على امرأة كبيرة السن بداية القرية.
و يكمل محمد، استقبلتنا المرأة وسقتنا الماء واللبن ورفضت دخولنا بيتها كونها امرأة وقد دلتنا إلى بيت أخيها الذي أضافنا ثم نقلنا إلى بيت احد الرجال وهو (عبيدي) والذي أكرمنا على أحسن وجه وجازف بحياته وأهله لمدة (18 يوم) من اجلنا وقد تكفل بنقلنا إلى حيث حدود الإقليم عبرنا في مسيرنا نهر دجلة ومررنا خلالها بقرى اجهل أسماء بعضها واذكر منها السلامية ونمرود وبرطلة حيث حدود الإقليم التي لم يسمح لنا بدخولها لعدم توفر المستمسكات، تعهد بعدها هذا الشخص بسلوك طرق فرعية وترابية وتلال لأجل إيصالنا إلى بغداد وهو ما كان بالفعل، حيث وصلنا إلى قضاء سلمان بيك بعد رحلة استغرقت من يوم 10 إلى يوم 28 / 6 حيث نزلت بمنزل رفيقي (علي) وبت ليلتنا انتقلت بعدها إلى العاصمة بغداد حيث كان أخي بانتظاري ليحملني إلى أهلي هنا في الديوانية، وبقيت يومين تحديدا يوم 30 ويوم 1 من تموز ذهبت في يوم 2 من الشهر ذاته الى مكتب مكافحة الإجرام بالديوانية لتسليم نفسي، وفي يوم 3 تموز عرضت على قاضي التحقيق الذي استمع الى قصتي ودوّن إفادتي وقد أمر بإيداعي في موقف وتسفيرات الديوانية التي تروني فيها اليوم.
واعتب – قال النزيل محمد- على قاضي التحقيق وذلك عند تدوين إفادتي أمامه كاملة – كما رويتها لكم – وطلبت منه رفع دعوى قضائية ضد وزير العدل ومدير عام شؤون الإصلاح كونهم المسؤولين على السجن وشؤون النزلاء وكافة احتياجاتهم، فكان رده غير مشجع وقال بنص العبارة: الظاهر نفسيتك تعبانة اذهب لقضاء كم يوم في السجن لترتاح.
ويتابع محمد بمرارة قائلا، لم تكن حالتي ونفسيتي تعبانة فانا اعلم ما أقول وأنا حامل شهادة الماجستير بالمحاسبة ولديّ اطلاع على القانون ووزير العدل مواطن وانا مواطن ومنصبه تكليف وليس تشريف.
وختم النزيل محمد البديري شهادته مطالبا المنظمات الدولية والمعنية بحقوق الإنسان ووسائل الإعلام الى التحقيق والمتابعة والتغطية الإعلامية لهذه الجريمة التي راح ضحيتها خلال ساعة واحدة (503) من النزلاء على الهوية الطائفية، فضلا عن تصفية (270) في منطقة بوابة الشام، وآخرين في سد بادوش وعددهم (165) شهيدا، فهذه ثلاث مقابر جماعية اعرف أماكنها وعدد من دفن فيها وأنا مستعد ان أتواصل مع اي مهتم بكشف جرائم الإبادة الجماعية الطائفية التي تعرضنا لها بدم بارد من اجل إثبات مظلوميتهم وإحقاق حقوقهم.
وكالة نون