الحادي عشر من ذي القعدة .. ذكرى ميلاد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)
أبو الحسن علي بن موسى الرضا ثامن أئمة الشيعة الإثني عشرية (148 -203 هـ.ق)، من أشهر ألقابه «الرضا». يكنى بأبي الحسن. أبوه الإمام الكاظم عليه السلام الإمام السابع للشيعة الإمامية. واختلفوا في اسم أمّه بين: أم البنين ، تكتم و …
ولد الإمام الرضا عليه السلام في المدينة المنورة ومنها انتقل الى خراسان بضغط من المأمون العباسي لمنحه ولاية العهد مكرهاً. وفي طريقه وهو في نيشابور روی حديث سلسلة الذهب. اشتهرت مناظراته التي كان يعقدها المأمون بينه وبين كبار علماء الأديان والمذاهب الأخرى. استمرّت إمامته 20 عامّاً. توفّي بطوس مسموماً علی ید المأمون، ودفن بمدينة مشهد وصار مرقده مزاراً تقصده الملايين من مختلف البلدان.[١]
النسب
هو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام (ولد في المدينة 148- وتوفي في طوس 203 هـ – ق).[٢] أبوه الإمام السابع للشيعة الإمامية. أمّه جاريةٌ تُدعى أم البنين.[٣] ویری الشيخ الصدوق أن: أمّه أم ولد یقال لها «تكتم» قد سميّت بهذا الإسم عندما كانت مُلكاً للإمام الكاظم عليه السلام[٤] ثمّ سمّاها الطاهرة عندما ولدت الإمام الرضا عليه السلام.[٥] يقول الشيخ الصدوق: وقد روى قوم أن أم الرضا عليه السلام تسمّى سكن النوبية وسميت أروى وسميت نجمة وسميت سمان وتكنى أم البنين.[٦] ویری صاحب قاموس دهخدا أنّ: أمّه أم ولد طاهرة تُدعى نجمة ابتاعتها حميدة أم الإمام الكاظم عليه السلام ووهبتها لابنها حيث سمّتها بالطاهرة بعد ولادة الإمام الرضا عليه السلام في الأول من عام 148 أو153 هـ.ق.[٧] وقيل أنّ أم الإمام الرضا (عليه السلام) من أهالي مدينة نوبة.[٨]
الولادة والوفاة
رُوي أنّ ولادته كانت في يوم الخميس أو الجمعة 11 من ذي الحجة أو ذي القعدة أو ربيع الأول سنة 148هجرية او 153هجرية[٩] واختار الكليني أن ولادته كانت عام 148هـ[١٠] وهو الرأي المشهور بين الاعلام والمؤرخين.[١١]
استشهد يوم الجمعة أو الاثنين في الأيام الاخيرة من شهر صفر، أو في السابع عشر منه، وهناك من ذهب الى أنّ شهادته كانت في 21 رمضان وهناك رأي ثالث يذهب إلى القول أن شهادته كانت في 18 جُمادى الأولى ورابع يرى أنّها في 23 من ذي القعدة أو آخرها سنة 202، أو 203، أو 206.[١٢] وروى الكليني أنّ وفاته كانت في شهر صفر سنة 203 عن عمر ناهز 55 عاماً[١٣] وهذا هو المشهور بين أكثر المؤرخين [١٤] وحددها الطبرسي في الآخر من صفر.[١٥]
ونظراً للإختلاف الموجود في تاريخ ولادته ووفاته فقد اختُلف أيضاً في تحديد عمره الشريف فكان ما بين 47 -57 إلّا أن المستفاد من الرأيين المشهورين في ولادته ووفاته يكون (عليه السلام) قد ناهز الـ 55 عاماً.[١٦]
قال الإمام الرضا (ع): «اجْتَهِدُوا فِي أَنْ يَكُونَ زَمَانُكُمْ أَرْبَعَ سَاعَاتٍ سَاعَةً لِمُنَاجَاةِ اللَّهِ وَ سَاعَةً لِأَمْرِ الْمَعَاشِ وَ سَاعَةً لِمُعَاشَرَةِ الْإِخْوَانِ وَ الثِّقَاتِ الَّذِينَ يُعَرِّفُونَكُمْ عُيُوبَكُمْ وَ يُخْلِصُونَ لَكُمْ فِي الْبَاطِنِ وَ سَاعَةً تَخْلُونَ فِيهَا لِلَذَّاتِكُمْ فِي غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَ بِهَذِهِ السَّاعَةِ تَقْدِرُونَ عَلَى الثَّلَاثَةِ سَاعَاتٍ».[١٧]
زوجاته
ذكروا أنّ من زوجاته أم ولد يقال لها سبيكة من أَهل بيت ماريَةَ القبطية أُمِّ إِبراهيم بنِ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.[١٨] وجاء في بعض المصادر التاريخية أنّ المأمون اقترح على الإمام الرضا (عليه السلام) تزويجه بإبنته «أم حبيب فقبل الإمام بذلك. وذكروا أنّ هدف المأمون هو التقرّب من الإمام والنفوذ الى بيته [١٩] يعتقد اليافعي أنّ اسم ابنة المأمون التي زوجها من الإمام الرضا عليه السلام هو: أم حبيبة.[٢٠] أما السيوطي فقد ذكر خبر تزويج ابنة المأمون من الإمام الرضاعليه السلام من دون أن يتعرض لذكر اسمها.[٢١]
أولاده
إختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في عدد أولاده (عليهم السلام) وأسمائهم، فقد ذكروا له خمسة من الذكور وبنتا واحدة، وهم: محمد القانع، حسن، جعفر، إبراهيم، حسين وعائشة.[٢٢] وذكر ابن الجوزي أنّ له أربعة من الذكور هم: محمد (أبو جعفر الثاني)، جعفر، أبو محمد الحسن، إبراهيم ومن الإناث واحدة لم يذكر اسمها.[٢٣] وقيل أنّ له ابنٌ دُفن في مدينة قزوين كان عمره سنتين أو أقلّ والمعروف حالياً بإسم حسين، توفي عندما سافر الإمام اليها سنة 193هـ.[٢٤] أما الشيخ المفيد فلا يعتقد بأنّ له ولدٌ غير محمد بن علي (عليه السلام).[٢٥] وهذا ما يذهب اليه كل من إبن شهر آشوب والطبرسي.[٢٦] وذكر بعضهم أنّ له بنتاً تدعى فاطمة.[٢٧]
إمامته
كانت مدة إمامته 20 عاماً ما بين (183- 203 هـ) عاصر خلالها خلافة كل من هارون الرشيد(10 سنوات)، محمد الأمين (ثلاث سنوات و25 يوماً)، إبراهيم بن المهدي المعروف بإبن شكلة (14 يوماً)، محمد الأمين مرةً أخرى (سنة وسبعة أشهر)، والمأمون (5 سنوات).[٢٨]
دلائل إمامته (عليه السلام)
روى النص على إمامته من قبل أبيه موسى بن جعفر عليه السلام كل من: داود بن كثير الرقيّ، محمد بن إسحاق بن عمار، علي بن يقطين، نعيم القابوسي، الحسين بن المختار، زياد بن مروان، المخزومي، داود بن سليمان، نصر بن قابوس، داود بن زربي، يزيد بن سليط ومحمد بن سنان.[٢٩]
قال الإمام الرضا (ع): «إِنَّ لِكُلِّ إِمَامٍ عَهْداً فِي عُنُقِ أَوْلِيَائِهِ وَ شِيعَتِهِ وَ إِنَّ مِنْ تَمَامِ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَ حُسْنِ الْأَدَاءِ زِيَارَةَ قُبُورِهِمْ فَمَنْ زَارَهُمْ رَغْبَةً فِي زِيَارَتِهِمْ وَ تَصْدِيقاً بِمَا رَغِبُوا فِيهِ كَانَ أَئِمَّتُهُمْ شُفَعَاءَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة». [٣٠]
وهذه النصوص هي:
عن داود الرقي قال: قلت لأبي إبراهيم – يعني موسى الكاظم عليه السلام-: فداك أبي إني قد كبرت وخفت أن يحدث بي حدث ولا ألقاك فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال: ابني علي (عليه السلام).[٣١]
وعن محمد بن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الأول– الكاظم- عليه السلام: ألا تدلني على من آخذ منه ديني؟ فقال: هذا ابني علي …[٣٢]
بالإضافة الى الروايات العديدة، فإنّ مقبوليّة الإمام الرضا عليه السلام بين شيعته وأفضليته العلميّة والأخلاقيّة هي التي أثبتت إمامته على الرغم من أنّ قضية الإمامة كانت معقدّة جداً في أواخر حياة الإمام موسى بن جعفرعليه السلامولكنّ أكثر أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام سلّموا بخلافة الإمام الرضاعليه السلام من بعده.[٣٣]
سفره الى خراسان
ذكروا أنّ هجرة الإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى مرو كانت في سنة 200 هـ.ق[٣٤] وقال مؤلف کتاب الحياة الفكرية والسياسية لأئمة الشيعة (عليهم السلام): لقد كان الإمام الرضا عليه السلام في المدينة حتى سنة 201 ودخل مرو في رمضان من نفس السنة.[٣٥]
وجاء في تاريخ اليعقوبي أنّ المأمون أمر الرجاء بن الضحاك وهو من أقارب الفضل بن سهل بجلب بالإمام الرضا عليه السلام من المدينة إلى خراسان عن طريق البصرة.[٣٦] وقد حدد المأمون مسيراً خاصّاً لقافلة الإمام خشية من أن يمرّ الإمام على المناطق التي تقطنها الشيعة ويلتقي بهم فأمر أن لا يأتوا به عن طريق الكوفة بل عن طريق البصرة وخوزستان وفارس ومنه الى نيشابور.[٣٧] فهكذا ستكون حركة الإمام استناداً لكتاب أطلس الشيعة: المدينة، نقره، هوسجة، نباج، حفر أبي موسى، البصرة، الأهواز، بهبهان، إصطخر، أبرقوه، ده شير (فراشاه)، يزد، خرانق، رباط بشت بام، نيشابور، قدمكاه، ده سرخ، طوس، سرخس، مرو.[٣٨]
من أهم وأوثق ما حدث في هذا الرحلة الطويلة، حديث الإمام في مدينة نيشابور المشهور بحديث سلسلة الذهب.[٣٩] «لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي فلمّا مرّت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها».—حديث سلسلة الذهب، عيون أخبار الرضا، ج2، ص135
ذكر الشيخ المفيد أن المأمون قد أنفذ إلى جماعة من آل أبي طالب فحملهم إليه من المدينة وفيهم الرضا علي بن موسى عليه السلام فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاءوه بهم وكان المتولي لأشخاصهم المعروف بالجلودي فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا وأنزل الرضا علي بن موسى عليه السلام داراً وأكرمه وعظم أمره.[٤٠] ويختلف الشيخ المفيد في روايته هذه مع اليعقوبي في كون رسول المأمون لجلب الإمام هو الجلودي لا الرجاء بن الضحاك.
ولاية عهد المأمون
روى الشيخ المفيد- أنه وبعد إقامة الإمام في مرو- أنفذ إليه المأمون قائلاً: إني أريد أن أخلع نفسي من الخلافة وأقلدك إياها فما رأيك في ذلك؟
فأنكر الرضا عليه السلام هذا الأمر وقال له: أعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وأن يسمع به أحد. فرد عليه الرسالة: فإذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي فأبى عليه الرضا إباء شديدا فاستدعاه إليه وخلا به ومعه الفضل بن سهل ذو الرئاستين ليس في المجلس غيرهم وقال له: إني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي و أضعه في رقبتك فقال له الرضاعليه السلام: الله الله يا أمير المؤمنين إنه لا طاقة لي بذلك و لا قوة لي عليه.
قال له: إني موليك العهد من بعدي! فقال له: اعفني من ذلك يا أمير المؤمنين. فقال له المأمون كلاما فيه كالتهدد له على الامتناع عليه وكان مما قال فيه: إن عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وشرط فيمن خالف منهم أن تضرب عنقه ولا بد من قبولك ما أريده منك فإنني لا أجد محيصا عنه!!.
فقال له الرضا عليه السلام: فإني أجيبك إلى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئا مما هو قائم. فأجابه المأمون إلى ذلك كله.[٤١]
وهكذا بايع المأمون الإمام على ولاية العهد في يوم الإثنين لسبعٍ خلون من شهر رمضان سنة 201 وأمر الناس بلبس الخضرة بدلاً من السواد (وهو لباس أبي مسلم الخراساني وأصحابه تقليداً للون راية النبيّ صلى الله عليه وآله وسلمأو حزناً على شهداء أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم).[٤٢] وكتب بذلك إلى الآفاق وأخذ البيعة للإمام الرضا عليه السلام وخطبوا بإسمه على المنابر وضربوا الدرهم والدينار ولم يبق أحد إلاّ ولبس الأخضر إلّا إسماعيل بن جعفر بن سليمان بن علي الهاشميّ.[٤٣]
وأقام المأمون حفلاً دعا فيه الخطباء والشعراء وكان منهم دعبل بن علي الخزاعي والذي كافأهُ الإمام الرضا عليه السلام.[٤٤]
أرسل المأمون عيسى الجلودي إلى مكة ليُبلّغ أمره ببيعة الإمام الرضاعليه السلام وقد كان حينها إبراهيم بن موسى بن جعفر والياً عليها ويدعو باسم المأمون، فعندما وصل الجلودي باللباس الأخضر وبيعة الرضا عليه السلام أسرع لإستقباله وبايع أهل مكة الرضا عليه السلام وارتدوا الخضر.[٤٥]
تحليل ٌ لقضية ولاية العهد
سلّم المأمون ولاية العراق إلى الحسن بن سهل وبقي هو في مرو. حينها ثار بعض العلويين الطامعين في الخلافة وانضمّ إليهم الكثير من أهل العراق لسخطهم على الحسن بن سهل. فاضطرب المأمون لسماعه هذا النبأ فهرع الى الفضل بن سهل ذي الرئاستين يستشيرهُ حيث أشار عليه باختيار الإمام الرضا (عليه السلام) وليّا للعهد علّهُ يستطيع إجبار باقي العلويين على الطاعة.[٤٦]
إنّ قضية ولاية العهد من القضايا المهمة في الحياة السياسية للإمام الرضاعليه السلام. ولدراسة هذه القضية ينبغي التحقيق في التاريخ الإسلامي وتاريخ بني أمية وكيفية وصول العباسيين إلى الخلافة. لقد كانت الأوضاع العامّة للبلاد الإسلامية حتى عام 203 للهجرة (السنة التي توفي فيها الإمام الرضا (عليه السلام)) بهذه الصورة إجمالاً: لايخفى على الجميع ظلم الأمويين لأنهم لايعرفوا من الخلافة إلا الحكم إلاّ عمر بن عبد العزيز الذي لم تدُم حكومته. ولهذا ظهرت الكثير من الثورات ذات الطابع الديني ضدّ الحكم الأموي. وكان الجميع يعقدون الامل على أولاد علي عليه السلام- المعروفين آنذاك بأهل البيت (عليهم السلام)- بإحقاق الحق والعدل والمساواة. فإستغلّ العباسيّون هذا الرغبة والامل والحب لأهل البيت (عليهم السلام) وجيّروا ذلك لصالحهم وتظاهروا بأن ثورتهم إنّما هي من أجل التخلّص من التعسّف والظلم الاموي وإعادة الحق الى أهله تحت شعار الرضا من آل محمد، وقد مرت الثورة العباسية بعدّة مراحل:
1. الدعوة للعلويين حصراً في بداية الأمر.
2. الدعوة الى أهل البيت (عليهم السلام) و العترة.
3. الدعوة للرضا من آل محمد.
4. إدّعاء ميراث الخلافة لهم.[٤٧]
بعد أن استقرّت الخلافة للعباسيين نقضوا عهودهم وعمدوا إلى إيذاء العلويين وحبسهم وقتلهم. فسخطت الأمة على العباسيين نتيجة أعمالهم الشنيعة التي ارتكبوها ضدّ أولاد عمّهم، تبلورت على شكل حركات تمرّد ضد نظامهم الحاكم. فقد انتشرت الفوضى والاضطرابات أكثر من السابق في عهد المأمون كما حدث الكثير من الثورات الموالية لآل علي (عليه السلام) في أكثر الولايات والمدن. ولذلك قرّر المأمون القيام ببعض الأمور للتخلص من تلك الإضطرابات فقام بما يلي:
1. قمع ثورات العلويين.
2. إجبار العلويين على الإعتراف بشرعيّة حكم العباسيين.
3. إزالة حالة الحبّ والإحترام المتزايدة والتي كانت تغمر قلوب الناس للعلويين بطريقة لاتُثير الشبهة والشك.[٤٨] وخصوصاً الإمام الرضا (عليه السلام) فكان كلامه يتضمن حقيقة مفادها: عدم أهلية الإمام الرضا (عليه السلام) للخلافة.
يُذكر أنه حينما اعترض حميد بن مهران وبعض العباسيين على المأمون في قضية ولاية العهد أجابهم: كان هذا الرجل مخفيّاً عنّا فهو يدعو الناس لنفسه، أردنا أن يكون ولي عهدنا كي تنتهي الأمور لصالحنا.
وقد أدرك الإمام الرضا عليه السلام هدف المأمون وغايته حيث قال له: أنت تريد أن يقول الناس: لا يُعرض علي بن موسىعليه السلام عن الدنيا بل إنّ الدنيا أعرضت عنه ألا ترونَ كيف قبِلَ بولاية العهد طمعاً بالخلافة.[٤٩] وتجلى هذا المنطق في جواب من كانوا يسألون الإمام عن سبب قبوله لولاية العهد قائلاً: قبلتها مكرهاً.[٥٠] والدليل على ذلك الشروط التي وضعها الإمام (عليه السلام) لقبوله ولاية العهد فهي في الحقيقة إعلانٌ لبراءته من حكومة المأمون. ومع ذلك كله لم يدم الأمر طويلا حتى ثار العباسيون في بغداد وخلعوا المأمون وبايعوا إبراهيم المهدي من جهةٍ، وادرك العلويون مكر المأمون فواصلوا ثوراتهم وتمرّدهم ضد حكومة المأمون وبهذا تيقّن المأمون أنّ مخططه قد فشل فقرر تصفية الإمام الرضا والقضاء عليه.[٥١]
المناظرات
بعد قدوم الإمام الرضا عليه السلام مكرها إلى مرو قام المأمون بعقد مجموعة من المناظرات العلمية التي حضرها مختلف العلماء وكانت تتمحور في الغالب حول المسائل العقائدية والفقهية. وقد ادرج الطبرسي قسما منها في كتابه الموسوم بالإحتجاج[٥٢] ومن تلك المناظرات:[٥٣]
الإحتجاج في باب التوحيد والعدل
الإحتجاج في باب الإمامة
الإحتجاج مع المروزي
الإحتجاج مع أبي قرة
الإحتجاج مع أهل الكتاب (الجاثليق)
الإحتجاج مع أهل الكتاب (رأس الجالوت)
الإحتجاج مع المجوس
الإحتجاج مع رأس الصابئة
تحليل لجلسات المناظرة
كان المأمون يهدف إلى إزالة الإعتقاد السائد لدى عامّة الأمّة حول أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أنهم ذوو (علم لدُنيّ)، وفي هذا يقول الشيخ الصدوق: كان المأمون يجلب على الرضا عليه السلام من متكلمي الفرق و الأهواء المضلة كل من سمع به حرصا على انقطاع الرضا (عليه السلام) عن الحجّة مع واحد منهم وذلك حسدا منه له ولمنزلته من العلم، فكان لا يكلم أحداً إلا أقرّ له بالفضل والتزم الحجة له عليه.[٥٤]
ولما احس المأمون في نهاية المطاف بتمكن الامام من افحام المناظرين وأنّ الأمر بدأ ينعكس عليه سلباً أخذ بالحدّ منها، وقد أشار الى ذلك عبد السلام الهروي حيث قال: رُفِع إلى المأمون أن أبا الحسن علي بن موسى (عليه السلام يعقد مجالس الكلام والناس يفتتنون بعلمه فأمر محمد بن عمرو الطوسي حاجب المأمون فطرد الناس عن مجلسه وأحضره فلما نظر إليه المأمون زبره واستخف به فخرج أبو الحسنعليه السلام من عنده مغضبا وهو يدمدم بشفتيه..داعيا عليه.[٥٥]
صلاة العيد
بعد أن بويع للإمام بولاية العهد في السابع من شهر رمضان عام 201 للهجرة. أطلّ الأول من شوال عيد الفطر فطلب المأمون من الإمام الرضا عليه السلام أن يصلّي صلاة العيد روي عن ياسر الخادم والريان بن الصلت أن المأمون لما عقد للرضاعليه السلام بولاية العهد أمره بالركوب إلى صلاة العيد فامتنع وقال: قد علمت بما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الأمر فاعفني من الصلاة فقال المأمون إنما أريد بذلك أن يعرفك الناس ويشتهر فضلك وترددت الرسل بينهم فلما ألح المأمون عليه قال: إن أعفيتني كان أحب إلي وإن أبيت فإني أخرج كما كان يخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام فقال المأمون: اخرج كيف شئت وأمر القواد والجند والناس يبكروا بالركوب إلى باب الرضا (عليه السلام. فقعد الناس لأبي الحسن عليه السلام في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار القواد والجند إلى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ولبس ثيابه وتعمم بعمامة قطن بيضاء وألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه ومس طيبا وأخذ عكازا وقال لمواليه: افعلوا كما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف وقد شمّر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فمشى قليلا ورفع رأسه إلى السماء وكبّر، وكبّر مواليه معه، ثم مشى حتى وقف على الباب. فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة سقطوا إلى الأرض وكان أحسنهم حالا من كان معه سكين قطع بها شرابة جاجيلته ونزعها وتحفى وكبر الرضا عليه السلام وكبر الناس معه، فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا وسمعوا تكبيره و بلغ المأمون ذلك فقال له الفضل: إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا على دمائنا! فبعث إليه المأمون: قد كلفناك شططا وأتعبناك ولا نحب أن تلحقك مشقة فارجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم. فدعا بخفّه فلبسه وركب ورجع.[٥٦]
قضية استشهاده
جاء في تاريخ اليعقوبي،إنطلق المأمون في عام 202 للهجره من مرو الى العراق مصطحباً معه وليّ عهده الرضا عليه السلام ووزيره الفضل بن سهل ذا الرئاستين .[٥٧] ولما صار إلى طوس توفي الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بقرية يقال لها النوقان أول سنة 302 ولم تكن علته غير ثلاثة أيام، فقيل إن علي بن هشام أطعمه رمانا فيه سم، وأظهر المأمون عليه جزعا شديدا. واضاف اليعقوبي: حدثني أبو الحسن بن أبي عباد قال: رأيت المأمون يمشي في جنازة الرضا عليه السلام حاسرا في مبطنة بيضاء، وهو بين قائمتى النعش يقول: إلى من أروح بعدك، يا أبا الحسن! وأقام عند قبره ثلاثة أيام يؤتى في كل يوم برغيف وملح، فيأكله، ثم انصرف في اليوم الرابع .[٥٨]
قال الإمام الرضا (ع): «مَا زَارَنِي أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي عَارِفاً بِحَقِّي إِلَّا شُفِّعْتُ فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [٥٩]
وروى الشيخ المفيد أن عبد الله بن بشير قال: أمرني المأمون أن أطول أظفاري عن العادة ولا أظهر لأحد ذلك ففعلت ثم استدعاني فأخرج إلي شيئا شبه التمر الهندي، و قال لي: اعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم قام و تركني فدخل على الرضا (عليه السلام) فقال له: ما خبرك؟ قال: أرجو أن أكون صالحا. قال له: أنا اليوم بحمد الله أيضا صالح فهل جاءك أحد من المترفقين في هذا اليوم؟ قال: لا. فغضب المأمون و صاح على غلمانه ثم قال: خذ ماء الرمان الساعة فإنه مما لا يستغنى عنه ثم دعاني فقال: ائتنا برمان فأتيته به فقال لي أعصره بيديك ففعلت وسقاه المأمون الرضا (عليه السلام) بيده فكان ذلك سبب وفاته.[٦٠]
وقد نقل الصدوق روايات بهذا المضمون ذكر في بعضها أنّ المأمون دسّ اليه العنب وفي بعضها العنب والرمّان.[٦١]
وذكر جعفر مرتضى الحسيني ستة آراء حول وفاة واستشهاد الإمام الرضا (عليه السلام).[٦٢]
كتب ابن حبان وهو من محدثي القرن الرابع الهجري، في كتابه الثقات عند ترجمته لـ علي بن موسى الرضا: ومات علي بن موسى الرضا (عليه السلام) بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين سقاه إيّاها المأمون فمات من ساعته، وذلك في يوم السبت آخر يوم سنة ثلاث ومائتين.[٦٣]
دفنه المأمون في بيت حميد بن قحطبة الطائي أي البقعة الهارونية الواقع في قرية سناباد[٦٤] حيث يقع الحرم الرضوي اليوم في إيران في محافظة خراسان الرضوي مشهد المقدّسة.
لماذا قتل المأمون الإمام الرضا عليه السلام؟
تناول الباحثون قضية استشهاد الإمام الرضا عليه السلام وذهبوا الى جملة أسباب أدّت إلى مقتله على يد المأمون ومن أهمها أولا: انتصاره وتغلبه على علماء عصره في حلقات المناظرة.[٦٥] ثانيا: ما حصل من وقائع أثناء صلاة العيد حيث أنّ المأمون شعر بالخطر الشديد مما حدث في تلك الحادثة فجعل عليه عيوناً تراقبه خشية أن يقوم بما يعدّ مؤامرة ضدّ المأمون،[٦٦] يذكر أن الإمام الرضا (عليه السلام) لم يكن ليخشى المأمون بل كان كثيراً ما يردّ عليه بطريقة تثيره وتُؤذيه الأمر الذي زاد من غضب المأمون وعدائه للإمام رغم عدم بوح المأمون بذلك.[٦٧] وقد روي أنّ المأمون جاء يوماً إلى الإمام الرضاعليه السلام فرحاً مسروراً بإحدى فتوحاته العسكرية فقال له الإمام : إتق الله يا أمير المؤمنين في أمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما أوكلك الله تعالى به! لقد ضيّعت أمور المسلمين و…[٦٨]
المؤلفات المنسوبة للإمام الرضا عليه السلام
ذكر بعض المؤرخين جملة مؤلفات وكتبٍ تُنسب إلى الإمام الرضا عليه السلام فضلاً عن الأحاديث والأخبار الواردة عنه فعلى سبيل المثال ذكر أنّ للإمام كتاب أطلق عليه عنوان: ”عيون أخبار الرضا” وهو من مصادر هذا المقال، حيث نقل الكثير من هذه المسائل، كما روي وجود تأليفات أخرى لكن لايمكن القطع بنسبتها للإمام منها: كتاب ”الفقه الرضوي” لكن المحققون من العلماء لا يؤكدون حقيقة انتسابه إلى الإمام الرضا عليه السلام[٦٩] ومما نُسب إليه ”الرسالة الذهبية” في الطبّ. فقد ورد أنه أرسلها الى المأمون سنة 201 للهجرة ولأهميتها أمر المأمون بكتابتها بالذهب وحفظها في دار الحكمة. وكتب الكثير من العلماء شروحاً عليها.[٧٠]
ومما نُسب إليه ”صحيفة الرضا” في الفقه لكن لم يثبت حقيقة انتسابها له من قبل العلماء.[٧١] وهناك كتاب آخر اطلق عليه ”محض الإسلام وشرائع الدين” والظاهر أن العلماء لم يطمئنوا أن الكتاب من تأليف الإمام الرضا (عليه السلام).[٧٢]
مختارات من كلامه
إن مشي الرجال مع الرجل فتنة للمتبوع ومذلة للتابع.[٧٣]
صديق كلّ امرىءٍ عقله وعدوه جهله.[٧٤]
مَن جَلَسَ مَجلِسا يُحيى فيهِ أمرُنا ، لَم يَمُت قَلبُهُ يَومَ تَموتُ القُلوُبُ [٧٥]
مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُؤْمِنٍ فَرَّجَ اللَّهُ عَنْ قَلْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [٧٦]
يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُوَسِّعَ عَلَى عِيَالِهِ [٧٧]
أصحابه
ذكر بعض المؤرخين أنّ عدد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ورواته بلغ 367 شخصاً نشير إلى بعضٍ منهم:
يونس بن عبد الرحمن
موفق (خادم الإمام الرضا عليه السلام)
علي بن مهزيار
صفوان بن يحيى
محمد بن سنان
زكريا بن آدم
الريّان بن الصلت
دعبل بن علي
كلمات كبار علماء العامّة في حقّه
ابن حجر: «كان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب».[٧٨]
اليافعي: «توفّى الإمام الجليل المعظّم سلالة السادة الأكارم أبو الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام أحد الأئمة الأثني عشر، أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم ،……..».[٧٩]
وقال عنه ابن حبان: «وقبره بسناباد خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مرارا كثيرة وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر على بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عنى إلا أستجيب لي وزالت عنى تلك الشدة وهذا شئ جربته مرارا فوجدته كذلك أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وسلم الله عليه وعليهم أجمعين».[٨٠]
————-
الهوامش
الدخيل، 1429هـ ق، صص 76-77.
المفيد، 1428، ص 447.
المفيد، 1428، ص 447.
الصدوق، ج 1، 1373، ص 26.
الصدوق، ج1، 1373، ص 27.
الصدوق، ج1، 1373، صص 30-31.
دهخدا، ج8، ص 12109، مدخل رضا.
جعفريان، 1381، ص 425.
فضل الله، 1377، ص 43.
الكليني، 1363ش، ص 486.
العاملي، 1430ه.ق، ص 168.
فضل الله، 1377، ص 43.
الكليني، ج 1، 1363، ص 486.
العاملي، 1430ه.ق.، ص 169.
الطبرسي، 1417، ص 41.
راجع: القرشي، ج 2، صص 503-504.
فقه الرضا، ص337
الكليني، الكافي، تصحيح محمد آخوندي، بلا تا، ج 1، ص 492.
القرشي، ج 2، 1429ه، ص 408.
يافعي، ج 2، 1417، ص 10.
السيوطي، بلا تا، ص 307.
فضل الله، محمد جواد، المصدر السابق، ص 44.
الجوزي، بلا تا، ص 123.
جعفريان، 1381هـ، ص 426.
المفيد، المصدر السابق، ص 464.
فضل الله، 1377، ص 44.
راجع: قمي، 1379، ص 1725-1726.
الطبرسي، ج2، 1417ه.ق.، صص 41-42.
المفيد، المصدر السابق، ص 448.
الكافي، ج4، ص567
المفيد، ص 448.
المفيد، ص 448. للاطلاع على الاحاديث من هذا القبيل راجع: المصدر السابق، صص 448-451.
جعفريان، 1381، ص 427.
عرفان منش، 1374، ص 18.
جعفريان، 1381، ص 426.
اليعقوبي، ج 2، 1378، ص 465.
مطهري، ج 18، 1381، ص 124.
جعفريان، 1387، ص 95.
فضل الله، 1377، ص 133.
المفيد، المصدر السابق، ص 455.
المفيد، المصدر السابق، صص 455-456.
دائرة المعارف تشيع، ج 1، 1366، صص 440-439.
اليعقوبي، المصدر السابق، ص 465.
المفيد، المصدر السابق، صص 458-459.
يعقوبي، المصدر السابق، ص 466.
دهخدا، ج 8، 1377، ص 12109، مدخل رضا.
حسيني، جعفر مرتضى، 1381، ص 20.
حسيني، جعفر مرتضى، 1381، ص 127.
الصدوق، ج 2، 1373، صص 314-315.
راجع: الصدوق، ج 2، 1373، صص 309، 312-313.
الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)، جعفر مرتضى العاملي، نقلاً عن لغتنامه دهخدا، ج 8، 1377، صص 12110-12111.
جعفريان، 1381، ص 442.
راجع: الطبرسي، ج 2، 1403ه.ق.، ص 396 وما بعدها.
عيون أخبار الرضا، ج1، ص 152، نقلاً عن جعفريان، ص 442.
جعفريان، 1381، ص 442-443.
جعفريان، 1381، ص 443-444.
اليعقوبي، المصدر السابق، ص 469.
اليعقوبي، المصدر السابق، ص 471.
من لا يحضره الفقيه،ج2، ص583
المفيد، المصدر السابق، ص 464.
راجع: الصدوق، ج2، 1373، صص 592 و 602.
راجع: الحسيني، جعفر مرتضي، 1381، صص 202-212.
ابن حبان،ج 8، 1402، صص 456-457؛ جعفريان، 1376، ص 460.
المفيد، المصدر السابق، ص 464.
جعفريان، 1376، ص 443.
جعفريان، 1376، ص 444.
جعفريان، 1376، ص 444-445.
العطاردي، 1413، ص 84-85.
فضل الله، 1377، ص 187.
فضل الله، 1377، صص 191-196.
فضل الله، 1377، ص 196.
فضل الله، 1377، ص 197-198.
اليعقوبي، المصدر السابق، ص 471.
الصدوق، ج 2، 1373، ص 3.
عيون أخبار الرضا، ج1، ص294
الكافي، ج2، ص200
الكافي، ج4، ص11
العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج 7، ص 389.
اليافعي، ج 2، 1417ه.ق. ص 10.«توفّي الإمام الجليل المعظّم سلالة السادة الأكارم أبو الحسن علي بنموسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بنعلي بن أبي طالب،أحد الأئمّة الأثني عشر،أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم،و قصروا بناء مذهبهم عليه.»
ابن حبان،ج 8، 1402ه.ق.، صص 457.
أبنا