تصاعد ظاهرة الانتحار في الدول الأكثر رفاهية
الانتحار ظاهرة مرضية قديمة ومشكلة كبيره لها العديد من التداعيات الخطيرة، التي تهدد العديد من المجتمعات كما يقول بعض المراقبين، الذين اكدوا على ان ظاهرة الانتحار قد ازدادت بشكل مخيف في السنوات الاخيرة بين العديد من الفئات العمرية تزداد نسبها بين الشباب والمراهقين، وقد تختلف أسباب الانتحار من مجتمع لآخر, كما تختلف بين الجنسين, والانتحار كما تشير بعض المصادر هو عمل من الأعمال التي تتسبب عمدا في قتل المرء لنفسه الموت.
وغالبا ما يكون الانتحار مبررا لخروج المرء من اليأس، وكثيرا ما يعزى السبب لمثل هذا الفعل إلى اضطراب عقلي مثل الاكتئاب، أو الاضطراب ثنائي القطب، أو انفصام الشخصية، اضطراب الشخصية الحدية، الإدمان على الكحول، أو تعاطي المخدرات عوامل الضغوط النفسية مثل الصعوبات المالية أو مشاكل التي تشمل العلاقة بين الأشخاص غالبا ما تلعب دورا في ذلك. وتشمل الجهود المبذولة لمنع الانتحار تقييد الوصول إلى الأسلحة النارية، وعلاج الأمراض العقلية أو إساءة استعمال المخدرات، وتحسين التنمية الاقتصادية.
والأساليب الأكثر شيوعا للانتحار تختلف حسب البلد وترتبط جزئيا بمدى توافر تلك الأساليب. وتشمل الطرق الشائعة: الشنق ، التسمم بالمبيدات، والأسلحة النارية. ويقدر حوالي 800، إلى مليون شخص يموتون كل عام بسبب الانتحار مما يجعله من أكثر 10 أسباب للوفاة في العالم. والمعدلات أعلى في الرجال عنهم في النساء، مع الذكور 3-4 مرات أكثر عرضة لقتل أنفسهم أكثر من الإناث وهناك ما يقدر من 10-20 مليون محاولات انتحار غير مميتة كل عام. المحاولات هي أكثر شيوعا في الشباب والإناث.
كل 40 ثانية
وفي هذا الشأن فقد ذكر تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن أكثر من 800 ألف شخص ينتحرون سنويا حول العالم بمعدل شخص كل 40 ثانية. وأضاف التقرير أن الانتحار كان “مشكلة كبيرة للصحة العامة” وظل لفترات طويلة من الموضوعات التي يحظر تناولها. وترغب منظمة الصحة العالمية في تقليل معدلات الانتحار بواقع 10 في المائة بحلول عام 2020، لكنها حذرت من أن 28 دولة فقط تطبق استراتيجية خاصة لمنع الانتحار.
وقال نشطاء إنه يلزم تفعيل إجراءات توعية في المدارس لمكافحة الانتحار. ودرست منظمة الصحة العالمية 10 سنوات من البحث والبيانات المتعلقة بالانتحار في شتى أرجاء العالم، وتوصلت إلى ما يلي: ينتحر نحو 800 ألف شخص سنويا على مستوى العالم. في الفئة العمرية بين 15 و 29 عاما كان الانتحار هو ثاني سبب للوفاة.
مستويات الانتحار مرتفعة بين من تبلغ أعمارهم 70 عاما أو أكثر. ثلاثة أرباع حالات الانتحار تحدث بين أشخاص من دول فقيرة أو متوسطة الدخل. نسبة الانتحار بين الرجال ثلاثة أضعاف النسبة بين النساء في الدول المتقدمة. وقال التقرير إن تقليل فرص وصول المرء إلى الأسلحة والمواد الكيماوية السامة يقلل من معدلات الانتحار. ويشير ذلك إلى أن تطبيق استراتيجية وطنية لتقليل حالات الانتحار يعتبر فعالا، وهو ما يطبقه عدد قليل من الدول.
وقالت مارغريت تشان، مدير عام منظمة الصحة العالمية :” هذا التقرير دعوة للتحرك من أجل معالجة مشكلة كبيرة للصحة العامة اعتبرت من المحرمات لفترة أطول مما ينبغي”. ويذكر أن الأزمات الاجتماعية وثيقة الصلة بالأمراض النفسية تعد من الأسباب التي تدفع الناس إلى عدم طلب المساعدة وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الانتحار.
كما انتقدت منظمة الصحة العالمية تناول وسائل الاعلام حوادث الانتحار، مثل التفاصيل التي كُشف عنها بشأن انتحار نجم هوليوود، روبن وليامز. وتم توجيه نداء للدول من أجل إتاحة المزيد من الدعم لمن حاولوا سابقا الإقدام على الانتحار، لكونهم الفئة الأكثر عرضة للخطر. وقالت أليكسندرا فليشمان، عالمة في قسم الصحة النفسية وسوء استعمال مواد الإدمان بمنظمة الصحة العالمية :”مهما كان وضع الدولة حاليا بشأن اجراءات منع الانتحار، يمكن اتخاذ تدابير فعالة، حتى وإن كانت البداية على المستوى المحلي وعلى نطاق صغير”. بحسب بي بي سي.
وقال جوني بنيامين، ناشط في مجال مكافحة الانتحار في بريطانيا:”أعتقد أنه يلزم رفع الوعي العام بشأن الانتحار وكيفية الاتصال بأولئك الذين ربما تراودهم أفكار ورغبة في الانتحار، فالقليل منا فقط يعرف كيف يتعامل مع شخص ما ربما يواجه خطر الانتحار أو يعاني من أفكار ورغبة فيه”. وأضاف “أعتقد أنه يلزم تعزيز الوعي العام والتعليم في المدارس أيضا، لأن الاحصاءات اليوم تشير إلى أن فئة الشباب هي الأكثر عرضة لخطر الانتحار على وجه الخصوص.”
الى جانب ذلك سجلت نسب و أعداد الذين يُقدمون على الانتحار في الولايات المُتحدة إرتفاعاً كبيراً بمُعدل 28% خلال العقد الأخير، و ذلك في تقرير شمل الفئة العمرية ما بين 35 و 64 عاماً، لتتخطى نسبة الوفيات بالإنتحار تلك الناجمة عن حوادث السير. و كان أشهر عمليات الإنتحار في الولايات المُتحدة ما قام به المُمثل الكوميدي الشهير روبن ويليامز،الذي وُجد متوفياً في منزله عن عمر يناهز الـ63 عاماً.
و بحسب المركز الفيدرالي لمكافحة الامراض والوقاية منها، فإن الارتفاع بلغ أعلى مستوياته في أواسط البيض الذين ليسوا من أصول أميركية لاتينية مسجلين زيادة بنسبة 40 في المئة، تلاهم الهنود والأميركيون الأصليون. أما معدلات الانتحار في صفوف الشباب بين 10 سنوات و34 سنة والكبار في السن الذين تخطوا 65 عاما، فبقيت تقريبا على حالها خلال هذه الفترة.
وأشار القائمون على التقرير إلى أنه ينبغي إيلاء المزيد من الأهمية للفئات العمرية المتوسطة من حيث الأبحاث والمبادرات الوقائية التي كانت تركز الشباب والمراهقين. ويُذكر أن أعلى نسب الإنتحار في العالم تُسجل في جزيرة غرينلاند الكبيرة التابعة للدنمارك، يمُعدل 116 حالة لكل 100.000 نسمة.
فحص دم
في السياق ذاته كشفت دراسة جديدة، عن قدرة الباحثين على معرفة نسبة خطر الانتحار لدى الأشخاص، من خلال إجراء اختبار دم بسيط فقط. وبلغت نسبة الدقة في اختبار الدم التجريبي أكثر من 80 في المائة. ويذكر أن حوالي 36 ألف حالة وفاة تنتج عن الانتحار سنوياً في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال المشرف على الدراسة والأستاذ المساعد في كلية الطب في جامعة جون هوبكينز زاكاري كامينسكي: “قد نتمكن من وقف معدلات الانتحار من خلال اختبار الدم، وتحديد هؤلاء الأشخاص والتدخل في وقت مبكر بما فيه الكفاية لتفادي كارثة.” وأجرى كامينسكي وفريق العمل اختبارات على عينات من الدم، لمراقبة نسبة زيادة بعض المواد الكيميائية على جين وراثي يسمى “SKA2” والذي يساعد الدماغ بتنظم الإجهاد. ويتم نقل تعليمات الجين الوراثي في منطقة في الدماغ، والتي تتحكم في الأفكار السلبية وسلوكيات التسرع في التصرف.
ويعتقد العلماء أن الأشخاص الذين لديهم نسخة غير طبيعية من هذا النوع من الجينات الوراثية، يعانون من مزيد من المتاعب في مواجهة سيل من الهرمونات التي تنتجها أجسامهم في الاستجابة للإجهاد. وأشارت الدراسة إلى أن المواد الكيميائية كانت مرتفعة بشكل أكبر في أدمغة الأشخاص الذين أقدموا على الانتحار، ما قد يربط بين زيادة نسبة هذه المواد الكيميائية وقرار الانتحار. بحسب CNN.
وقال الطبيب النفسي واختصاصي الكيمياء العصبية في المركز الطبي في جامعة كولومبيا جون مان إن “هذا النوع من الفحص الجيني سيؤدي إلى معرفة نسبة خطر الانتحار لدى الأشخاص.” وأوضح كامينسكي أن “فحص الدم لقياس خطر الانتحار لدى الأشخاص ما زال يحتاج بين 5 و 10 سنوات حتى ينتهي العمل عليه.”
سياحة الانتحار
على صعيد متصل قالت مجلة مختصة بالقانون إنّ غموض قانون “الموت الرحيم” في سويسرا أدى إلى تزايد الإقبال على السفر إلي زوريخ من قبل الراغبين في الانتحار من الدول الأخرى، في ظاهرة باتت تعرف بسياحة الانتحار. وبين 2008 و2012، استقبلت سويسرا 611 “سائحا” من 31 دولة، وغالبيتهم من ألمانيا وبريطانيا، وذلك بغرض الانتحار. وقالت دراسة علمية إنّ ستّ منظمات تدافع عن “الحق في الموت” في المملكة المتحدة ساعدت على الأقل في 600 حالة انتحار، من ضمنها ما بين 150 و200 “سائح انتحار.”
وأوضحت الدراسة أنّ 58 بالمائة من الـ611 “سائح بهدف الانتحار” نساء وأن أعمار المرضى تتراوح بين 23 و97 وأن معدل الأعمار يبلغ 69 عاما ونصف الحالات تتعلق بأشخاص كانوا يعانون من أمراض عصبية أما الباقي فكانوا يعانون من السرطان وأمراض قلب وشرايين. وفي تنفيذ عمليات “المساعدة على الانتحار” جرى استخدام مادة بنتوباربيتال الصوديوم وهي مادة تجعل من متناول أي جرعة قاتلة منها يذهب في غيبوبة عميقة بعد أن تكون قد شلّت نظام التنفس لديه.
وأوضحت الدراسة أيضا أنّ عدد “السواح المنتحرين” تراجع من 123 عام 2008 إلى 86 عام 2009، لكنه تضاعف في الفترة المتراوحة بين 2009 و2012 إلى 172. وترجع الدراسة سبب ذلك إلى كون القوانين السويسرية لا تتضمن لوائح ضابطة لتحديد ظروف السماح لأي شخص بأن يتلقى “مساعدة على الموت” رغم أن المعايير الطبية تجيز ذلك في عدد من الحالات المضبوطة. بحسب CNN.
أما في ألمانيا، فلا يتضمن قانون العقوبات أي شيء بشأن “المساعدة على الانتحار” لكنه غير مسموح أخلاقيا للأطباء مساعدة أي شخص على الانتحار ويمكن مقاضاة أي طبيب لا يساعد مريضا كان بصدد الدخول في غيبوبة بحضوره. وفي بريطانيا وفرنسا وأيرلندا، تعد المساعدة على “الموت الرحيم” جريمة لكن القضاء بدأ ينظر في بعض الحالات المتعلقة في السنوات الأخيرة.
الكساد الاقتصادي
من جانب اخر كشفت الدراسة أن خسارة المرء لعمله أو لمنزله أو تراكم الديون عليه من ابرز العوامل التي تدفع المرء للانتحار وأدت الازمة المالية التي عصفت بأوروبا وامريكا الشمالية إلى ازدياد حالات الانتحار لتصل الى أكثر من 10 آلاف حالة وذلك تبعاً لباحثين بريطانيين. وأظهرت دراسة نشرت في دورية علم النفس البريطانية ان بعض حالات الانتحار كان من الممكن تفاديها لو حصلت على الدعم النفسي اللازم لتخطي هذه المرحلة، لأن بعض الدول لم تشهد ازدياداً في حالات الانتحار.
وأكد فريق البحث أن نتائج هذه الدراسة تبين ما مدى اهمية وجود خدمات جيدة تعنى بالصحة النفسية. وأجريت الدراسة جامعة اوكسفورد وكلية لندن للصحة والطب الاستوائي، وحللت بيانات من 24 بلدا في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا. وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها ان حالات الانتحار في اوروبا كانت متدنية نسبياً عام 2007، إلا أنها ما لبثت ان ازدادت بنسة 6.5 في المئة في 2009، واستمرت هذه النسبة بالارتفاع الى 2011.
وقال فريق البحث إن أوروبا شهدت زيادة في حالات الانتحار لتصل الى 7950 حالة، كما أن حالات الانتحار في كندا كانت منخفضة نسبياً، الا أنها ازدادت بشكل ملحوظ عندما ضرب الركود الاقتصادي البلاد في عام 2009، مما أدى الى انتحار 240 حالة اضافية عن السنوات السابقة. وازداد عدد حالات الانتحار في الولايات المتحدة الامريكية خلال الازمة الاقتصادية ليصل الى 4750 حالة انتحار.
وكشفت الدراسة أن خسارة المرء لعمله أو لمنزله أو تراكم الديون عليه من ابرز العوامل التي تدفع المرء للانتحار. وأوضحت الدراسة ان السويد وفنلندا والنمسا لم تشهد ازدياد في حالات الانتحار خلال موجة الركود الاقتصادي التي عمت اوروبا. وقال الدكتور آرون ريفيز من جامعة اوكسفورد، أحد الأطباء المشاركين في الدراسة إن “هناك دلائل عدة تؤكد ازدياد عدد حالات الانتحار جراء الأزمة الاقتصادية، لكن المفاجأة ان بعض الدول مثل النمسا والسويد وفنلندا لم تشهد زيادة في معدلات الانتحار رغم هذه الازمة”. بحسب بي بي سي.
وأضاف ريفيز أن “هذا يكشف اهمية وجود مراكز علاجية نفسية التي تساعد المرء على التغلب على مشاكله النفسية، وعلى ضرورة أن تعمل الدول الاخرى على الاستثمار في هذا المجال وتؤمن التدريب الكافي وتسدي النصائح للمتضررين من هذه الازمة الاقتصادية والأكثر عرضة للمعاناة جراء هذه الازمة المالية”.
شبكة النبأ