قضية الممثلة الألمانية المتعرية في بغداد تتفاعل: إبداع أم انحطاط؟

226

                                                                        showbaghdad0405

تباينت وجهات النظر في قضية العرض المسرحي الألماني، الذي قدم على خشبة المسرح الوطني في بغداد، ضمن فعاليات مهرجان منتدى المسرح الدولي، وقد تضمن العرض قيام ممثلة ألمانية بالتعرّي، وهو ما أدى بوزارة الثقافة العراقية إلى إصدار بيان، استنكرت فيه ما جاء من تعرٍّ في العرض، مؤكدة شروعها بمحاسبة المقصرين واتخاذ الإجراءات المطلوبة في هذا الموضوع.

ما زالت الأصداء ترنّ بقوة في الوسط المسرحي العراقي حول العرض، الذي قدمته فرقة ألمانية وحمل عنوان “إنسان نموذج واحد” من تمثيل وإخراج الفنانة منياكو سكي، يابانية الأصل ألمانية الجنسية، فيما انقسمت الآراء ما بين مؤيد للعرض ورافض له، وبين مؤيد لإجراءات وزارة الثقافة ورافض لها. فيما أكد البعض أن الأمر قد يحدث أزمة دبلوماسية بين البلدين، لاسيما بعدما اتصلت السفارة الألمانية بإدارة المهرجان، واستفسرت منهم حول بيان الوزارة، إلى ذلك أشار آخرون إلى ضرورة أن تكون هناك لجنة مشاهدة للعروض من أجل أن تكون صمام أمان، وقد أعرب بعض المسرحيين عن تخوفهم من مصادرة أعمالهم ووضع رقابة مشددة على عروضهم المسرحية.

العراقيون لم يعتادوها

من جهته، أكد المسرحي والأكاديمي الدكتور محمد حسين حبيب أن العرض لا يمت بصلة إلى الفن، موضحًا أن صدمة العري كانت من وجهة نظر اجتماعية، وقال: ما يتعلق بعرض مسرحية “إنسان نموذج واحد” أعتقد ربما كشف لنا عن طاقة أدائية في الرقص المسرحي الدرامي لهذه الممثلة، وهي مخرجة العمل نفسه، ولكن أعتقد أنني على صعيد الموضوع لم أمسك بفكرة واحدة من العرض على الصعيد الفكري والفني، ذلك فإن العرض فيه 90% من حالات الملل والضجر التي يرفضها المسرح تمامًا.

وأضاف “المسرح متعة وتشويق وإثارة، وللأسف لا متعة ولا تشويق ولا إثارة في هذا العرض، وعشنا وقتًا مع المؤثرات الموسيقية الصاخبة والمتكررة والرتيبة إلى درجة أننا وجدناها لا علاقة لها بما يقدم من حركات مكررة، ولم نحصل على فكرة ما فنية إبداعية، سوى أنه كشف لنا عن هذه الطاقة الأدائية لهذه الممثلة، لكننا في النتيجة، ولأننا نؤمن بالعرض، حتى وإن كانت فيه جوانب التعري وبعض الجوانب الجسدية التي تفرض نفسها موضوعيًا وإبداعيًا وفكريًا على خطاب العرض المسرحي، فلا بأس من ذلك، إن كان يخدم العمل فنيًا وإبداعيًا، ولكن ما حصل في نهاية العرض لم تكن له علاقة بكل ما قدم، وأعتقد أنها كانت فبركة إخراجية واستعراضية لا أكثر، لا تمت بصلة إلى الفن وإلى المسرح بشكل عام.

تابع: الصدمة من التعري أتت من وجهة النظر الاجتماعية والدينية وربما الأعراف والتقاليد الاجتماعية، ذلك لأننا عراقيون، لم نعتد على عروض كهذه، من هنا جاءت الصدمة فقط، ولكن الصدمة الأكبر كارثية أيضًا فأعتقد أننا كمسرحيين وكمتابعين للمشهد المسرحي العربي والأجنبي والعراقي نرى أن العرض لا يحمل أية مقومات للخطاب الفكري الفني الإبداعي.

التلاقح ضروري

 أما المخرج المسرحي الدكتور هيثم عبد الرزاق فقد أكد على ضرورة احترام ثقافة الآخر، فقال: برأيي إن الثقافات مختلفة، ليست هنالك ثقافة واحدة في كل العالم، وعندما نصنع مهرجانًا، تحضر ثقافات مختلفة عن ثقافتنا، فيجب علينا أن نحترم هذه الثقافة، نحترمها لهم، وليس لنا، فالذي يفيدنا نأخذه، والذي لا يفيدنا لا نأخذه، التلاقح مع الثقافات ضروري، ولكن هذا لا يعني أن ندين هذه الثقافة أو نستنكرها أو لا نقبلها أو نفتعل أزمة بسبب عملية لا تدعو إلى أزمة أساسًا، ولهذا إما أن نصنع مهرجانات أو لا نصنع.

وأضاف: لا نستطيع أن نضع ضوابط للذي يأتي أساسًا، لأنه سيقول لن أجيء إلى المهرجان، فهو سيقول هذا عملي وهذه ثقافتي، إما أن تتقبلها أو لا تتقبلها، فلن أشارك، ونحن أيضًا قد نذهب إلى بلدان أخرى، ونتحدث عن ثقافتهم بشكل لا يليق، مثلًا: أنا قدمت في باريس مسرحية اسمها “موت المكان” أدنت فيها الفرنسيين لسبب بسيط هو منعهم للحجاب، ولم يفعلوا أي شيء ولم يحتجوا، على العكس إنهم تعاملوا مع أسلوب وطريقة تفكيري بطريقة اعتيادية، كذلك هناك من يأتي إلينا، ويقدم ثقافته، وعلينا ألا نتعامل مع ثقافة الآخر بطريقة التهميش أو لا نقبل مجيئهم إلى هنا.

عمامة ولحية

من جانبها أشارت الفنانة آلاء حسين إلى أن مشهد العري الذي قدمته الممثلة ليست فيه أية إثارة للغرائز، وقالت: أولًا.. المشهد الأخير من مسرحية “إنسان نموذج واحد” هو من ضمن التركيز على فكرة كون المرأة في المجتمعات الغربية إذا أخذها جانبُ العمل والانشغال به سيحوّلها إلى روبوت وإلى إنسان آلي، فتفقد كل المشاعر، وتصير بحاجة إلى قلب وأحاسيس، وإلى أن تكون بحاجة إلى أحاسيس تبدأها من الصفر، فبالتالي.. عندما تعرّت الممثلة في المشهد الأخير كانت دعوة إلى المرأة الغربية إلى أن تعود إلى أصولها كأنثى وكإنسانة، وهذا ما ركز عليه المشهد الأخير الذي بدونه، أي إذا تم رفعه من المسرحية، ستكون المسرحية قاصرة وتختل فكرتها.

وأضافت “المشهد لم يكن مثيرًا للغرائز أو الشهوات، لذلك تجد أن المشاهد العراقي أثبت في هذا المفصل وعيه العالي ورقيه بهدوئه طوال فترة العرض وصمته واستقبال نهاية العرض بالتصفيق وقوفًا للممثلة العالمية، التي تبلغ من العمر 55 سنة. أما بعض المفاصل الإدارية في جهات الدولة العراقية، التي تحاول أن تضع عمامة ولحية فوق الحركات الثقافية، فتصرفها أمر مرفوض، لأن رئيس الوزراء عندما افتتح فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية، قال وقتها: أقولها وبفخر إن السجون العراقية لا تحتوي على أي شخص معتقل بسبب حرية التعبير أو الفكر أو الرأي، ولكن هناك مجتهدين ممن يحاولون التملق قاموا بانتقاد عجيب، والسعي إلى توجيه القائمين على المهرجان فيمن يجب أن يكرموا، لأنهم يعيدون الحياة المدنية والثقافية إلى المجتمع العراقي بجلب فرق أجنبية ونحن بلد ديمقراطي متعدد، وعلينا أن نحترم ثقافة الآخر، لنثبت أننا نعيش حياة طبيعية.

تعر وصخب

فيما أكد فنان مسرحي، طلب عدم ذكر اسمه، لحساسية الموضوع، كما أوضح، على ضرورة أن تكون هناك لجنة مشاهدة بشكل عام كي لا تمرر الأعمال السيئة، وقال: لست مع الحجْر على الأفكار مهما كان شكلها في المسرح، خاصة لأنه عالم حر، فضلًا عن كون هذا النوع من المسرح نخبويًا بالدرجة الأولى، ولكنني لست مع أن تعرض أعمال كهذه على مسارحنا، لأن لدينا مشاكل عديدة في الواقع العراقي يجب أخذها بنظر الاعتبار، ومهما يصل مستوى الثقافة فهناك خطوط حمر داخل حتى المثقف نفسه، كان هناك تعر، وكان هناك صخب داخل صالة العرض، وكل فرد أصبح ينظر إلى من بجانبه، والدهشة تعقد لسانه.

وأضاف “جمهورنا لا يحتمل مثل هذه المشاهد، حتى وإن قلنا إن الممثلة في الخامسة والخمسين من العمر، وكان على إدارة المهرجان أن لا تكون سعيدة بأن فرقة ألمانية شاركت في المهرجان لمجرد كونها أجنبية، لذلك أنا ضد التنديد بالعمل ومع إجراءات الوزارة في محاسبة المسؤول عن العرض، خاصة أن إدارة السينما والمسرح تضم أشباه فنانين، جاءت بهم علاقاتهم الخاصة إلى استلام مناصب لا يستحقونها، وعلى الوزارة أن تعيد النظر فعلًا بهيكلية الدائرة، وأن تشدد إجراءاتها في متابعة العروض من خلال لجنة مشاهدة حقيقية، كي لا تمرر الأعمال السيئة من خلال العلاقات الشخصية، فكم شاهدنا من أعمال سيئة عرضت على خشبة المسرح بسبب العلاقات، فيما منعت أخرى تمتلك مقومات الإبداع.

وتابع: لا أعتقد بوجود قرص مدمج للعرض جاء إلى إدارة المهرجان قبل تجسيده على الخشبة، ولا أعتقد أن هذه الفنانة تخدع أو تتحايل على المهرجان بإعطائهم شيئًا وعرض شيء آخر، ولكن الأمر برمته يؤكد أن إدارة المهرجان أرادت أن تفتخر بمشاركة فرقة ألمانية من دون أن تدقق في ما ستقدم.

مسرح جنسي

أما الفنان والمخرج طه المشهداني فقد أوضح أنه ليس مع أو ضد العرض بقدر ما لديه عتب على الوزارة، فقال: هذا العرض لا يسمى عرضًا مسرحيًا، وهذا التعري يمثل المسرح الجنسي، ونحن نعرف المسرح الجنسي وما أهدافه، صحيح أن فيها فكرًا، ولكن في مجتمعات وزمن معين، في العصور الوسطى وما بعدها، وهو الآن موجود، ولكن ليس بهذه الطريقة، أنا أريد أن أقول شيئًا: انا لست مع ولست ضد، انا عندي رأي واحد فقط ، وهو: أن عليك يا وزارة الثقافة التي تدعين الثقافة العراقية مسؤولية كبيرة، فنعتب عليك، ونحن نتساءل: لماذا حين يرسلون إلينا من خارج العراق، سواء العرب أو الاجانب، لا بد أن نرسل إليهم قرص (سي دي) ويشاهدون العمل ويقررون إن كان صالحًا للعرض او غير صالح، ثم تأتي الموافقة حتى نستطيع السفر، فلماذا انتم (تموتون) على فرقة المانية لتأتيكم إلى بغداد لتقدم عرضًا في بغداد ومن يطلع بهذا الشكل، إذن هل لديكم رقابة؟، سواء في الوزارة أو في دائرة السينما والمسرح، يا منتدى المسرح، هل لديكم رقابة؟، هل شاهدتم العرض على قرص الـ (سي دي)؟، وإن كان هنالك قرص موجود في بغداد فعلًا، فلا بد من تشكيل لجنة تحقيقية بهذا الأمر ومن شاهد القرص؟، وعليه أن يعترف بأنه شاهده، وأنه وافق عليه حتى يتحمل تبعاته، وليس الناس، الذين جاؤوا من ألمانيا ولا المشاهدين الذي حضروا العرض المسرحي.

رقي وقداسة

إلى ذلك أكد الفنان أحمد شرجي على أن ذلك العرض الألماني لم يشكل أية صدمة للجمهور، بل إنه لم يكن عريًّا مبتذلًا بل عريًّا مقدسًا، وقال: بغداد لن تلبس عمامة، بغداد حضارة، ومن المعيب جدًّا أن يصدر بيان أشبه ببيانات البعثيين من وزارة تمثل عراق الحضارة في ما خصَّ  مشهدًا بسيطًا لا يمثل ثقافة الفنانين العراقيين، وإنما ثقافة ضيفة على مهرجان، وكان عليهم أن يكرِّموا هذه الفرقة التي جاءت وتحملت وزر الطريق ووزر الاحتقان الطائفي في العراق من أجل تقديم ثقافة وجمال داخل العراق، عليهم أن يحتضنوا دائرة السينما والمسرح، ويكرموا القائمين على هذه التظاهرات المسرحية، بعيدًا عن أية شخصانية، هؤلاء الذين سعوا إلى تكريس ثقافة عراقية حقيقية، وإدامة التواصل الثقافي مع الآخرين لا أن يحيلوا إدارة المهرجان إلى مجالس تحقيق.

وأضاف: العراق وعلى قول رئيس الوزراء ليس فيه سجين رأي، إذن هذا العرض من ضمن حرية الرأي، وإن كان هنالك بعض المتزلفين من المدراء والوكلاء وأشباه المثقفين من أجل مناصب إدارية فيجب أن لا تكون على حساب الثقافة العراقية، عليهم أن يعوا أن العراق متعدد الثقافات، وعليهم أن يتقبلوا الآخر، وليس معنى هذا أن نقدم ابتذالًا، هذه معيبة بحق الفنانين العراقيين والفن، العراق لم يقدم ابتذالًا نهائيًا، وإن كان هناك ستر للعورات، وهناك تعر، فهي داخل مكاتبهم الإدارية والفساد الإداري الذي يتمتعون به، هناك من يلبس العمامة واللحى من أجل التقرب للأحزاب، ولكن ليس على حساب الثقافة العراقية.

بيان طالباني

ورأى أن العرض الألماني لم يشكل أية صدمة للجمهور، فإذا رفعت هذا المشهد (العري) لسقط العمل، لأنه مبني على العودة إلى الإنسان البدائي ورفض التكنولوجيا التي دمّرت الإنسان ومن بينه الإنسان العراقي، وبالتالي أنحني بكل تواضع لهذا الجمهور المتذوق الرائع الذي صفق وقوفًا للعرض لمدة عشر دقائق، ولم يعلق بأية كلمة مسيئة تخدش حياء الآخرين على عكس ما جاء في بيان الوزارة، الذي يقول إنه عمل تافه. الحكومة العراقية تحارب الإرهاب لأنه يريد أن يقيم دولة إسلامية متطرفة، بيان الوزارة جاء متطرفًا، وكأنه صدر من وزارة طالبان، وإذا ما أرادوا أن يحوّلوا العراق من بلد ديمقراطي إلى قندهاري، فعليهم أن يعلنوا ذلك لكي يغادر الجميع.

وتابع: لا أبرئ أحدًا ولكن الفرقة المشاركة بعثت قرصًا مدمجًا لا يحوي هذا المشهد، وبالتالي عندما قدمت الممثلة العرض، لا يتحمل وزرها المهرجان ولا دائرة السينما والمسرح، وإنما تتحملها الفرقة، لأنها تمثل ثقافتهم، وليست ثقافتنا العراقية ولا ثقافة المسرحيين العراقيين، ولكن علينا كجهة منظمة أن نحترم ثقافة الآخر ولكي نؤكد أننا بلد ديمقراطي يحترم الرأي والرأي الآخر هذه الفنانة راقصة محترفة، تصور أنها جاءت إلى العراق لمدة يومين فقط لتقدم عملًا مسرحيًا تحية للعراق، هل علينا أن نخلق أزمة دبلوماسية، خاصة أن السفارة الألمانية اتصلت بإدارة المهرجان لكي تتخذ إجراءات على مستوى دبلوماسي، وقالت للإدارة إننا نحملكم مسؤولية، وسوف نتصرف بما يمليه الموقف، لأن ما حدث إساءة إلى الثقافة الألمانية فهل الثقافة الألمانية تنشر العري وتروّج للفسوق.

يستحق جائزة كبيرة

بدوره المخرج المسرحي أنس عبد الصمد أشار إلى أن الضجة التي أثيرت حول العري تريد الإساءة إلى المسرح، فقال: من حسنات هذا المهرجان أنه جلب عروضًا مهمة، وأهم عرض كان الألماني (إنسان نموذج واحد) لمخرجة ألمانية مشهورة في ألمانيا حين علمنا أن التذاكر تنفد قبل ثلاثة اشهر من عرضها، كانت متفضلة على المهرجان عندما عرضت مسرحيتها مجانًا دعمًا للشعب العراقي، وحقيقة هذا العرض بمثابة درس أكاديمي كبير للجمهور وللمتلقي
الواعي، وكان الجمهور على اختلاف أنواعه معجبًا بالعرض، الذي كان يمثل سيطرة الآلة على الإنسان وهو ما جسدته الممثلة في عرض جسدي عالي التقنية، ثم رجوع الإنسان إلى الإنسان في لحظات نزولها، والخلاص من الآلة، ونزولها إلى صالة العرض، ما معناه أنها رجعت إلى إنسانيتها.

وأضاف: العرض شكل صدمة إبداعية لنا، فنحن لم نهتم بما جرى على الخشبة من عري، لأنه كان مبررًا، وإن لم يكن عريًّا كاملًا، كانت هي ترتدي الملابس الداخلية الشفافة، وهذا ضمن فكرة، وهو موجود في ألمانيا والعالم، وما أثير من ضجة حول العري فأعتقد أن هناك أناسًا تريد الإساءة إلى المسرح، تريد إيقاف عجلة الحريات والمسرح خاصة، لأن المسرح بقي الوحيد المقاوم لمنع الحريات، فيريدون الإساءة إليه بحجة ما، ويؤسفني أن يصدر القرار من وزارة الثقافة، التي هي تهتم بالثقافة، وكان عليها أن تعضد أعمالًا كهذه، وإن كانت هنالك ملاحظات عليها أن تناقشها مع ذوي الشأن، فنحن في طور إقامة اعتصام إذا ما حدثت عقوبة معينة للقائمين على المهرجان، وأعتقد أن العرض يستحق جائزة كبيرة، وأن أي تهميش للعرض وتجاوز عليه معناه تجاوزًا على جهودنا، وأذكر أن هناك عرضًا في زمن النظام لروبرتو تشيللي عنوانه (كاسبر) قُدِّمَ على مسرح الرشيد فيه عري كامل، وقد صفق له الجمهور، الذي كان بينه رجال دين، هنا يطرح تساؤل: هل إن النظام السابق يحترم الثقافة والنظام الحالي لا ؟، هذه معادلة خطرة، سنقف لها أنا وزملائي بتصد كبير، أنا مع العرض، لسنا ندافع عن دائرة السينما والمسرح، لكننا مع الإبداع.

نخبوي وليس للجمهور

من جهته قال الفنان يحيى إبراهيم إن العرض نخبوي، وليس للجمهور، لذلك لم يشكل صدمة لأحد، وقال:هناك قضيتان ما بين العالم الاسلامي والعالم الغربي، هناك صراع حضارات، وهناك حوار ثقافات، كلمة صراع يتبناها المتطرفون والمتشددون، أمثال أسامة بن لادن وبعض المتخلفين في الحكومة العراقية الذين لديهم ثقافة الإقصاء، أن يقصي الآخر ولا يحاورهم، بينما الحوار الثقافي أن أجلس مع الغربي، ونبدأ بالتشابهات، ومن ثم نتحدث عن الاختلاف، وما حدث في العرض المسرحي الألماني أولًا أن الأوروبيين لديهم الجسد ثقافة، بينما هو عندنا مقدس، ولما نجمع المفهومين (الثقافة والتقديس للجسد) نجد أننا نحتاج جهدًا فنيا كبيرًا، وهذا العرض نجح في أن يحقق لنا ذلك، في بعض اللحظات أحس الجسد شكلًا مرعبًا، هذا العرض جعلني أوقف هذا التابو، قال لي: اهدأ، فالجسد الذي خلقه الله سبحانه وتعالى، وهذه المرأة التي أحالت جسدها إلى طفلة عارية ويضعون لها البودرة والقماط كما للرضيع، فالمرأة كانت ترتدي (زيًّا ميكياجيًّا)، وهذه الهجمة الشرسة أعتقد أنه مبالغ فيها، ثانيًا: نحن مع ثقافة الجسد نمتلك الكثير من المقومات المشتركة، فهل نترك هذه المقومات، ونتحدث فقط في جانب متخلف، ثم أؤكد لك أن الأشخاص الذين تحدثوا بشكل سلبي عن العرض لم يشاهدوه، وهم أصدقائي وبعضهم خرج من الصالة، ولم يشاهد المشهد الأخير. أما عن السياسيين، فنقول لهم هذا مشروع ثقافي، وليس سياسيا، ونحن قادرون على حله، وعليكم أن تحلوا مشاكلكم أولا.

وأضاف: هذا العرض نخبوي، أي ليس فيه تذاكر لكي يدخل الجمهور، هذا لنا نحن المسرحيين، فنحن حينما نذهب إلى ألمانيا وفرنسا وأميركا كنا نشاهد التعري (الستربتيز) على مسارحهم، ولا أعتقد أنه شكل خدشًا للحياء، لأنه عرض نخبوي خاص، له خصوصيته وله جمهوره الخاص، وأكاد أجزم حتى الجمهور العام الموجود داخل الصالة لم يشاهد جسدًا مثيرًا، أو كما يقدم في الأفلام الإباحية ما أريد قوله إنه علينا أن نشعر بأننا جزء من العالم ومن الحوار الثقافي العالمي، وإنني مثلما أرفض أن تفرض إيران لبس الحجاب بقوة، فأنا أرفض أن تنزع فرنسا الحجاب بالقوة.

مدير المهرجان: كان مفاجأة

 أخيرًا كان الرأي لمدير المهرجان، مدير منتدى المسرح إبراهيم حنون، الذي أكد أن القرص المدمج، الذي أرسل لم يحمل شيئًا من التعري، وقال: عندما تسلمنا العرض، من خلال قرص (سي دي)، فحصناه فحصًا دقيقًا ينطبق على شروط المهرجان، وكان خاليًا من الأشياء التي ظهرت على الخشبة، وقد أحسست وأنا أشاهد العرض على الشريط أنها ممثلة كبيرة ومعروفة مثلما هي كبيرة في السن، لكن ما قدمته على الخشبة كان مفاجأة بالنسبة إلينا، فنحن لم نتوقع هذا، أنا فحصته، ووجدته صالحًا، وتنطبق عليه المعايير، لكن الممثلة فاجأتنا. وأضاف: نحن لا نسمح بمثل عروض كهذه، ولكن كما قلت لك إنها فاجأتنا.

بيان وزارة الثقافة 

يذكر أن وزارة الثقافة أحالت عددًا من المسؤولين إلى التحقيق لتقصيرهم عن رقابة فرقة أجنبية مشاركة في مهرجان المنتدى الدولي السابع عشر على المسرح الوطني، وعرض مشهدً لإحدى الفتيات وهي تتعرى أمام الجمهور.

وذكر بيان للوزارة: انطلاقاً من حرص وزارة الثقافة على إنجاز مهامها الوطنية وأداء واجباتها المهنية وتحقيق رسالتها المنشودة في بناء الإنسان، الذي يمثل رأسمال العمران البشري في بناء الأوطان، وبناءً على ما تستلزمه الضرورات الوطنية والمسؤوليات الثقافية في مسيرة التحول الديمقراطي في عراقنا الناهض، وإشارة إلى الإخفاق المؤسف، الذي صدر من إحدى الفرق المسرحية الأجنبية المشاركة في إحدى فعاليات دائرة السينما والمسرح الاثنين الماضي، على خشبة المسرح الوطني، ولما ينطوي عليه العرض المذكور من تجاوز فاضح وخرق لمنظومة القيم الوطنية والأخلاقية والثقافية التي نؤمن أن المسرح هو صوتها ومدرستها ووسيلة إنتاجها، ولأن ما قُدم في العرض المذكور يتنافى كلياً ويتقاطع تماماً مع الدور الإيجابي المسؤول الذي ينبغي أن تلعبه المؤسسة الثقافية الرسمية، فإن وزارة الثقافة تعرب عن بالغ أسفها وامتعاضها من الخرق اللا مسؤول والإسفاف الواضح الذي شهدته أروقة الدائرة المذكورة، فكان مزعجًا لذائقة المتلقي العام، فضلًا عن كونه يشكل إساءةً كبيرةً وخدشاً مؤلماً لمنظومتنا الثقافية والمجتمعية والأخلاقية، التي قدم العراقيون من أجلها أسمى التضحيات وأغلى الأهل والأبناء في عقود المرارة والقسوة”.

وأكدت الوزارة في بيانها أن “هذه الإساءة هي نتيجة تخبط شخصي واجتهادات إدارية قاصرة يتحملها القائمون على هذا المفصل بشكل مباشر، وقد أحيل الموظفون المقصرون إلى التحقيق والمحاسبة في إطار توجه وزارة الثقافة إلى إعادة النظر في البنية الكلية لدائرة السينما والمسرح ومراجعة أدائها وتصحيح ما انحرف في مسارها وفي دورها، الذي يجب أن يكون بمستوى الثقافة العراقية وأنساقها المتعددة الغنية”.

وتابع البيان “إذ تعلن الوزارة عن شروعها بمحاسبة المقصرين واتخاذ الإجراءات المطلوبة في هذا الموضوع، فإنها تؤكد أن المسرح الوطني يمتلك رمزيةً خاصة، ويشكل دلالةً وطنيةً، لا يمكن أن تفرّط بها وزارتنا، أو تسمح للأخطاء الإدارية والتخبطات أن تنال من مكانة المسرح ودوره المشرق في ثقافة العراق أو من القيمة المعنوية والتاريخية للمسرح الوطني على وجه الخصوص”.

المصدر: إيلاف – عبد الجبار العتابي – بغداد

مراجعة: (الحكمة)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*