الكرادة أو كلواذا .. تحديد موضعها القديم

209

21-11-2014-5-d

    كانت الكرادة الشرقية تسمى في الأزمنة القديمة باسم كلواذا (بفتح الكاف والواو وتسكين اللام والألف وذال معجمة مفتوحة) وهو الاسم القديم للكرادة الشرقية الحالية. وقد اختلف المؤرخون في سبب التسمية.

وكلواذا بالأصل قرية قديمة منعزلة ثم عمت تسميتها فأصبحت تشمل القسم الجنوبي من بغداد في شرق دجلة. والباحثون يختلفون في تعيين موضعها على وجه الدقة. فالباحث الإنكليزي (جيمس فيلكس جونس) يقول: (إن موقع كرارة هو عين موقع كلواذا الوارد ذكرها في كتب جغرافيي العرب، فإن المكان المفترض لهذه المدينة القديمة ينطبق كل الانطباق على موقع القرية الحالية). ويؤيده في المستشرق الإنكليزي (كي لسترانج) وانستاس الكرملي والشالجي. والمقصود بقرية كرارة هنا هو موضع قرية (سعيدة) الحالية التي يسميها خطأ فليكس جونس ولسترانج والكرملي ومن يؤيدهم في ذلك بقرية كرارة. إذ إن القرية الأخيرة تقابل قرية سعيدة في الضفة الغربية لنهر دجلة على بعد قريب من مصافي نفط الدورة.

أما الصنف الآخر من الباحثين فيرجحون موضعها في الإيشان (إيشان حاج عبد) الواقع في منطقة البو شجاع في الجهة المحاذية لساحة الحرية. فالدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة يرجحان موضعها في (الإيشان). وينحو الدكتور سوسة هذا النحو في معظم كتبه وأطالسه. غير أنه في كتابه (ري سامراء في عهد الخلافة العباسية) يضعها في موضع قرية سعيدة الحالية التي يسميها خطأ بقرية كرارة. وربما كان ذلك يمثل رأيه القديم أما رأيه الحديث فهو المثبت في دليل خارطة بغداد والدليل الجغرافي العراقي وأطلس بغداد. وجاء في مجلة العراق الجديد أن قرية كلواذا تقع على وجه التحقيق في تلول حاج عبد المعروفة عند أهل الكرادة باسم الإيشان. ويؤيد هذا الرأي أيضاً الأستاذ سليم طه التكريتي عندما أشار إلى أن قرية كلواذا كانت تقع في موضع تلول حاج عبد (الايشان).
وهكذا فالآراء مختلفة بشأن تعيين موضع قرية كلواذا بدقة، والراجح عندنا هو أن موضعها عند الإيشان وليس في موضع قرية سعيدة وذلك للأسباب الآتية: ان الايشان منطقة أثرية اكتشفت فيها آثار كلدانية وساسانية وإسلامية تدل على وجود قرية (مثل قرية كلواذا). وإن موضع قرية سعيدة الحالية ليس غنياً بآثاره القديمة بالمقارنة مع موضع كلواذا، لهذا يستبعد وجود قرية قديمة فيه.
وما يؤيد قولنا هو أن المسافة بين بغداد وكلواذا تبلغ فرسخاً واحداً للمنحدر حسب تقدير ياقوت الحموي. ويؤيده في ذلك كي لسترانج والدكتور مصطفى جواد والدكتور أحمد سوسة. وهي تقارب  المسافة الحالية نفسها بين الباب الشرقي والإيشان بمنطقة البو شجاع حيث تبلغ نحو ستة كيلومترات.
يخطئ من يقدر المسافة بأكثر من فرسخ واحد كابن خرداذبه وابن حوقل والإصطخري وأبي الفدا وقدامة، حيث إن كلاً من هؤلاء يقدرها بفرسخين. بل إن ابن رستة ذهب أبعد من ذلك حين ذكر أن المسافة تبلغ ثلاثة فراسخ. والظاهر أن هؤلاء الجغرافيين يعتمدون على الرواة دون تحقيق الرواية. إذ إن مسافة فرسخين تقارب المسافة بين الباب الشرقي والزعفرانية، ومسافة ثلاثة فراسخ تصل إلى جنوب جسر ديالى بكيلومتر ونصف تقريباً
والمعروف أن الزعفرانية تقع جنوب كلواذا، ويؤكد ذلك الخطيب البغدادي وياقوت الحموي مضافاً إلى ابن رستة نفسه حين يصف طريق بغداد- المدائن بقوله: (الطريق منحدر مع دجلة، فتسير حتى تنتهي إلى كلواذا… ومن كلواذا إلى الزعفرانية…) فالطريق يسير بمحاذاة نهر دجلة حتى كلواذا. وبعد اجتياز المزارع والبساتين يصل إلى الزعفرانية. وهذا الوصف ينطبق على ما ذهبنا إليه من أن مركز كلواذا هو الإيشان. والزعفرانية لا تبعد أكثر من فرسخين عن جنوبي بغداد، وكلواذا لا تبعد أكثر من فرسخ واحد عن جنوبي بغداد، أي إن كلواذا أقرب من الزعفرانية إلى بغداد بنحو من الفرسخ فكيف إذن يسوغ لابن رستة بجعل المسافة بين بغداد وكلواذا ثلاثة فراسخ؟

يذكر ابن قدامة أن كلواذا تبعد خمسة فراسخ شمال المدائن. وإذا أضفنا إلى هذه المسافة فرسخاً واحداً بين كلواذا وبغداد، فتصبح نحو من ستة فراسخ وهي تقريباً المسافة الحالية نفسها بين الباب الشرقي وسلمان باك البالغة نحو 31كم. وإن كانت المسافة سبعة فراسخ (أي نحو من 35كم) فهي صحيحة أيضاً بالنسبة إلى طريق بغداد- المدائن القديم.
يقول ياقوت الحموي عن قرية بنّا. أنها تقع (على شاطئ دجلة من نواحي بغداد، بينهما نحو فرسخين، وهي تحت كلواذا، رأيتها) فإذا كانت بنّا تحت كلواذا والمسافة بينها وبين بغداد تقارب الفرسخين، إذن المسافة بين بغداد وكلواذا أقل من فرسخين أي تقرب من فرسخ
واحد.
قد يدعي بعض الكتاب أنه لابد وأن تقع قرية كلواذا عند مصب نهر بين حتى ترتوي منه. ولما كان نهر بين يصب في نهر دجلة عند الموضع الذي تقع فيه قرية سعيدة الحالية (مقابل كرارة) كما يدعون، إذن لابد من وقوع كلواذا عند مصب نهر بين أي في موضع قرية سعيدة.
وهكذا فالآراء متضاربة بين الباحثين المعاصرين والكتاب القدماء، فيعتقد بعضهم أن كلواذا كانت عاصمة الكلدانيين ودار مملكتهم العظمى، في حين ينفي الآخرون، وخاصة المحدثين، ذلك. ولكن يبدو مما تبين أنه لما عثر في (الإيشان) على آجر بابلي مختوم باسم الملك نبوخذ نصر يرتقي إلى الدور البابلي الحديث، فإنه يمكن القول إن كلواذا كانت أحد مخلفات الكلدانيين والآثار التي وجدت في هذه التلال تدل على ذلك.
هذا وتضم الكرادة الشرقية، ضمن حدودها الإدارية (قبل عام 1976) ، تلالاً أثرية قديمة جداً مثل تل حرمل الذي يرجع تاريخه إلى عهد مملكة أشنونا التي تعود إلى أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*