فورين بوليسي: تهميش المملكة العربية السعودية لشيعتها سيؤدي إلى كارثة

233

06-12-2014-1-d

أول شيء لاحظته عندما زرت «العوامية»، وهي بلدة شيعية في شرق المملكة العربية السعودية الغنية بالنفط، كان عزلتها المطلقة، وفقرها الصارخ. هذه البلدة، التي تحيط بها بساتين التمور، هي لوحة حية من المباني الرمادية، ومحلات تصليح السيارات، والشباب المرهق الذي يقف في تناقض حاد مع الثروة الكبيرة التي يتخيلها معظم الناس عندما يفكرون بالمملكة العربية السعودية.
ولم يكن من السهل الوصول إلى هناك. مضيفي من الشيعة استخدموا الطرق الملتوية والغير معبدة، عبر بساتين التمور، ومروا بنقاط تفتيش للشرطة. وعندما أصبحنا داخل المدينة، لاحظت وجودًا هائلًا للأمن: أسوار ذات أبراج، ومركبات مدرعة، وجنود.
ومنذ عام 2011 «وحتى قبل ذلك»، كانت العوامية «القاعدة صفر» في زاوية منسية إلى حد كبير من الربيع العربي. الشيعة في المملكة العربية السعودية، والذين يشكلون نحو 15% من سكان البلاد، ناضلوا من أجل مزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية والمساواة. ومنذ أول موجة من الاحتجاجات في عام 2011، قتل حوالي 20 شابًا من العوامية والبلدات الشيعية الأخرى على أيدي القوات الحكومية، إما أثناء المظاهرات السلمية، أو خلال اشتباكات عنيفة مع الشرطة. والكثير من مطالبهم تمددت إلى ما هو أبعد من الإصلاحات المتعلقة بوضع الشيعة، لتشمل إحداث تغييرات في هيكل السلطة في المملكة العربية السعودية، مثل إصلاح القضاء، إطلاق سراح السجناء السياسيين، وضع دستور، وقوة أكبر للهيئات المنتخبة. وهذا بالضبط ما جعلهم يعتبرون تهديدًا كبيرًا.
نمر النمر … هجمات غير حكيمة
ويوم 15 أكتوبر، تصاعدت التوترات عندما حكمت محكمة الرياض بالموت على نمر النمر، وهو رجل دين شيعي من العوامية. واتهم النمر بطلب «التدخل الأجنبي» وحمل السلاح ضد قوات الأمن. وللتأكيد، كانت هجمات «النمر» الشخصية على العائلة المالكة تصعيدية وغير حكيمة من الناحية السياسية، بما في ذلك خطبته الشائنة التي احتفل فيها بوفاة الأمير «نايف بن عبد العزيز آل سعود»، ولي العهد الراحل ووزير الداخلية، في عام 2012. ولكن «النمر» كان أيضًا مثابرًا في تجنب التحريض على العنف في خطبه، ونأى بنفسه عن إيران، ودعا إلى إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا. والعديد من الناشطين الشيعة الذين تحدثت معهم اعتبروا النمر رمزًا للمقاومة.
ولقد كان الحكم على النمر صادمًا بالفعل للعوامية، كما أثار احتجاجات في أنحاء المناطق الشيعية في شرق المملكة العربية السعودية، وإدانة من إيران وحزب الله، وتهديدات بالانتقام من قبل الجماعات الشيعية المسلحة في العراق والبحرين. ولصب المزيد من الزيت على النار، قام مسلحون سنة يوم 3 نوفمبر بقتل سبعة من المصلين الشيعة، وإصابة العشرات، في قرية في محافظة الأحساء المجاورة خلال الاحتفال بيوم عاشوراء المقدس لدى الشيعة.
وقد ألقى الحكم على «النمر» وقتل المصلين الشيعة الضوء على التناقضات الداخلية في واحدة من دول حلفاء واشنطن الحاسمة في المعركة ضد «الدولة الإسلامية». وتعهدت الرياض بمواجهة وحشية «الدولة الإسلامية»، وحذرت من أن المجموعة الإرهابية تعتزم التحريض على صراع طائفي داخل المملكة. ولكن، ومن خلال السياسات المحلية الخاصة بها، وضعت الحكومة السعودية الأسس الطائفية في كل جانب من جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية تقريبًا.
تقدم نسبي وسط مناخ طائفي
ومن دون شك، حققت الحكومة السعودية منذ التسعينيات بعض التقدم النسبي، من حيث تطوير البنية التحتية في المنطقة الشرقية، التي تخلفت قراها وبلداتها الشيعية تاريخيًا عن جيرانها السنة من حيث التمويل الحكومي. كما تم السماح ببعض الحرية الدينية لممارسة الطقوس والممارسات الشيعية. وربما كانت النتيجة الثانوية الإيجابية الوحيدة لعمليات القتل في الأشهر الأخيرة هي صدور التعبيرات النادرة عن الوحدة الوطنية، وعن اللاطائفية، من قبل رجال الدين السنة المؤثرين، وكبار المسؤولين السعوديين، وافتتاحيات وسائل الإعلام. وقد ذهب بعض المراقبين إلى حد التنبؤ بأن المأساة تمثل نقطة تحول، بشرت بعهد جديد من الوئام بين السنة والشيعة في المملكة.
ولكن، هناك حدود للمدى الحقيقي الذي قد تمضي من خلاله المصالحة بين السنة والشيعة في المملكة العربية السعودية قدمًا، وذلك نظرًا للإقصائية التي تؤمن بها بعض العناصر السلفية المتشددة في البلاد، والتي تُعد الطائفية بالنسبة لهم ليست مجرد اعتقاد عميق، ولكن أيضًا وسيلة نفعية للحفاظ على مكانتهم السياسية والاقتصادية. هذه النظرة يتم التغاضي عنها ضمنيًا من قبل العائلة المالكة كاستراتيجية حكم. والنتيجة هي طائفية يومية وخبيثة يعاني منها المواطنون العاديون، خاصةً في أوقات الاضطراب الإقليمي والتوتر مع إيران.
ومما يثير القلق بشكل خاص، هو أن زعيم المهاجمين كما يُزعم هو أحد الجهاديين السعوديين العائدين من العراق وسوريا، وتتهمه السلطات السعودية بتنفيذ الهجوم بناءً على طلب من «الدولة الإسلامية». ومما لا شك فيه أن تجارب هذا الشخص في الخارج قد أدت إلى تطرفه. وقد صورت التصريحات الرسمية فكر المهاجمين على أنه مستوحى من «الفكر الضال» لتنظيم القاعدة. ولكن، الطائفية كانت بالفعل متأصلة بعمق في فكر المهاجمين. وأصول هذه الطائفية هي في نهاية المطاف محلية.
وقد جادل معلقون سعوديون بأنه، ومهما كانت تجاوزاتها، «الدولة الإسلامية» هي على الأقل بحكم منطقة عازلة سنية ضد توسع الهلال الشيعي. وفي أعقاب هجوم الأحساء، حاولت بعض الأصوات في المملكة العربية السعودية، من أعضاء هيئة التدريس الدينية إلى كتاب الأعمدة في الصحف، تحويل اللوم إلى سوريا وإيران؛ حتى إن البعض لمح إلى أن الشيعة أنفسهم ومؤيديهم الإيرانيين قد دبروا هذا الهجوم. وهذا نوع من الخطاب المخادع، الذي يخلق أرضًا خصبة للعنف، ويضع قيودًا على تحقيق إصلاحات عبر طائفية دائمة.
وفي الأشهر الأخيرة، كانت هناك مؤشرات متجددة تكشف فقط عن مدى عمق هذه القيود. حيث تعرض بناة الجسور بين السنة والشيعة إلى زيادة الضغط والملاحقة القضائية؛ ومن هؤلاء «مخلف الشمري»، وهو كاتب سني بارز من قبيلة بارزة لها فروع سنية وشيعية.
لقد قام «الشمري» بالتوعية نيابةً عن الشيعة السعوديين، وحضر خطب الشيعة وجنازاتهم ودافع عن رجال الدين الشيعة ضد هجمات السلفيين. وكل هذا أدى إلى أن يصبح الرجل محببًا لدى الشيعة، ومغضوبًا عليه من قبل المحافظين السنة. ويوم 3 نوفمبر، حكمت محكمة جنائية عليه بالسجن لمدة عامين، وبـ200 جلدة، للقائه بقادة الشيعة في الشرق، وتقديمه كما يقال التعازي لعائلة أحد المحتجين الشيعة القتلى. وجاء هذا الحكم بعد حكم مستقل آخر صدر في يونيو/حزيران عام 2013، بالسجن لمدة خمس سنوات بتهمة القيام بنشاط مماثل، وفي ظل اتهامات مبهمة عن «زرع الفتنة».
وبعد يوم من مقتل الشيعة في الأحساء، أعلن وزير السعودية للثقافة والإعلام عن إغلاق قناة «وصال»، وهي المحطة الفضائية المعادية للشيعة، والتي كانت محتقرة على نطاق واسع من قبل العديد من الناشطين الشيعة الذين التقيت بهم. ولكن، وبعد أقل من يوم واحد، أقيل الوزير من دون الإعلان عن أسباب إقالته. وما هو مؤكد هو أن قراره حظر القناة أثار انتقادات من السنة السعوديين على وسائل الإعلام الاجتماعي، حيث طالب بعضهم بأن تغلق القنوات الشيعية أيضًا. وحتى كتابة هذه السطور، لا تزال وصال تعمل وتتم مشاهدتها في المملكة العربية السعودية.
توازن دقيق وانتكاسات متكررة
وكل من هذه الحلقات تظهر المعضلة التي تواجه الأجنحة الأكثر اعتدالًا من العائلة المالكة السعودية، والتي قد ترغب حقًا بالتخفيف من العقيدة الطائفية وبسن إصلاحات محدودة، ولكن عليها أن تضع في اعتبارها رد الفعل العنيف الذي ستتعرض له من جانب المحافظين. والنتيجة هنا هي محاولة العائلة المالكة الحفاظ على توازن دقيق، يؤدي إلى انتكاسات متكررة، وإلى إرسال إشارات متضاربة إلى الشيعة.
والحكم على «النمر» قد يكون نجم عن إحدى حسابات التفاضل والتكامل هذه. وقد يكون الطريق الذي قررت عائلة آل سعود سلوكه لتخفيف ضغط رجال الدين السلفيين والفصائل المحافظة، الذين يعارضون سجن النظام للسنة الذين ينتقدون إصلاحات «الملك عبدالله»، وبعضهم مستاء أيضًا من مشاركة المملكة في الائتلاف الدولي المعادي لـ«لدولة الإسلامية»، والذي يعتبرونه بمثابة إمالة لميزان القوى الإقليمي لصالح إيران والشيعة.
وقد قال العديد من المراقبين السعوديين والدبلوماسيين الغربيين لي إن «الحكم على النمر من غير المرجح أن ينفذ، وإن الملك عبد الله سوف يصدر عفوًا ملكيًا في الساعة الأخيرة قبل موعد التنفيذ». ولكن، رغم هذا، الضرر قد أصاب الثقة الشيعية والنسيج الاجتماعي في المملكة العربية السعودية بالفعل. ورغم تخفيف العقوبة، القيادة السعودية سوف تفشل مرة أخرى في اتخاذ الخطوات اللازمة لمعالجة جذور المعارضة الشيعية.
ومعالجة هذه الأسباب الجذرية، والتحرك نحو مشهد أكثر تعددية في المملكة العربية السعودية، سوف يكون صراع أجيال. وهذا الصراع يتجاوز إلى حد كبير قدرة السياسة الأمريكية على التأثير. ومع ذلك، وبينما تلتمس الولايات المتحدة مساعدة المملكة في مكافحة إرهاب «الدولة الإسلامية»، ينبغي على واشنطن بذل المزيد من الجهد في التدقيق في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، وخاصةً في المجال القضائي، لضمان أن سياسات الحكومة في الداخل لا تغذي نفس التطرف الذي تحاربه.
وعلى وجه الخصوص، ينبغي على واشنطن المطالبة بإلغاء قوانين مكافحة الإرهاب الجديدة، والكاسحة، التي تجرم فئات واسعة من النشاط الاجتماعي والسياسي، مثل تلك التي مارسها كل من النمر والشمري. وعلى الولايات المتحدة أيضًا أن تكون حذرة من برامج «مكافحة التطرف» المستندة إلى الدين، والتي يتم عرضها وتمويلها من قبل المؤسسة الدينية في الرياض كجزء من الحرب ضد «الدولة الإسلامية».
«مكافحة التطرف» لا تعني «مكافحة الطائفية» في السياق السعودي. وتوجه العديد من الحجج الدينية في هذه البرامج نحو حماية النظام من هجمات المتطرفين، بينما تتجاهل التعصب والطائفية ومعاداة الولايات المتحدة. ولأن رجال الدين الذين يقومون بإيصال هذه الرسائل مرتبطين بالحكومة، فإنهم غالبًا ما يفتقرون إلى المصداقية في أعين الجماهير الأكثر عرضة لدعاية «الدولة الإسلامية».
ولعل ما هو أهم من كل هذا، هو أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تستمر في تشجيع الرياض على الانخراط في إصلاحات تقدم فرص سياسية واقتصادية متساوية لجميع السعوديين، بصرف النظر عن طائفتهم. مثل هذه السياسات لن تؤدي فقط إلى إنقاص المظالم الشيعية في المدن المضطربة على نحو متزايد مثل العوامية، ولكنها ستؤدي أيضًا إلى مكافحة رواية أنصار الشوفينية السنية، الذين يدفعون بالسعوديين إلى صفوف «الدولة الإسلامية».

فورين بوليسي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*