مهنة الطب بين حقوق الأطباء وبين حاجة الفقراء .. (تحقيق مصوّر)

318
طبيب يعالج المرضى في أحدى المستشفيات الحكومية
طبيب يعالج المرضى في أحدى المستشفيات الحكومية

النجف الأشرف – (الحكمة) تحقيق: محمد الشريفي ..

    لا خلاف بين اثنين على إن مهنة الطب واحدةً من أكثر من المهن إنسانية ً ورحمة، فالطب مهنة يتمحور دورها بالمحافظة على أرواح الناس بالدرجة الأولى والعمل على التخفيف من آلامهم قدر المستطاع.

وهذا التعريف البسيط لمهنة الطب يدفع الكثيرين لطرح الأسئلة التالية: هل يتصف الأطباء في الوقت الحاضر اليوم بهذه الصفة؟ وهل ما تزال الإنسانية حاضرة في نفوسهم؟ هل أن تفكير الطبيب العراقي ينحصر أولًا في ترسيخ تلك المفاهيم؟ أم أن البحث عن الأموال وكيفية الحصول عليها وبناء العمارات والمستشفيات الخاصة هي أولى أولوياتهم؟ من يتحمل مسؤولية جشع بعض الاطباء؟ وما رأي الشرع في الموضوع؟ وماذا عن الارتفاع المبالغ به في أجور بعض الأطباء وأسعار الأدوية؟ وماذا عن المستشفيات الخاصة؟ وما رأي الأطباء أنفسهم؟

التحقيق التالي محاولة للإجابة عن بعض أسئلة المهتمين بالموضوع …..

جشعٌ فاحش

يقول الأستاذ جميل الكوفي (معلم متقاعد) “إنه الطمع والجشع الذي دفع الكثير من الاطباء للتخلي عن شرف المهنة ليتعامل مع الآخرين بعقلية التاجر”، ويضيف “لدى مراجعتك بعض الأطباء تجد أن أمامك في صالة الانتظار أكثر من عشرين أو ثلاثين مريض ينتظرون دورهم في الدخول إلى غرفة الكشف وهنا تصدم بأن الطبيب يستقبل ثلاث أو أربع حالات في كل عملية دخول لغرفة الكشف وهذا الأمر يربك الطبيب بالتأكيد ويفقده تركيزه”.

وأشار الكوفي أن “بعض الاطباء يستقبل يوميًا اكثر من ثمانين حالة, وهذه ظاهرة خطيرة تهدد حياة المواطن فبعملية حسابية بسيطة ولو افترضنا أن معدل الفحص لكل حالة يستغرق عشر دقائق فقط فهذا يعني أن الطبيب بحاجة لثمانمائة دقيقة أي ما يعادل ثلاث عشرة ساعة تقريبًا !!!؟؟؟

لافتا الى أنه “بإضافة ساعات الدوام الرسمي في الصباح في المستشفيات الحكومية ولنفترض إنه سيتواجد في المستشفى لأربع أو خمس ساعات فهذا يعني أنه يعمل يوميًا حوالي سبع عشرة ساعة مقابل ثماني ساعات ينام فيها ويأكل ويشرب ويمارس فيها حياته الطبيعية فهل يستطيع وفق هذه المعادلة الزمنية البسيطة أن يخدم المريض وأن يكون عاملًا مساعدًا على التخفيف من آلامه ؟ لا أظن ذلك”!

ويسترسل الكوفي مضيفًا “لكن ومن باب الإنصاف فلا يمكن التعميم لأن لكل حالة استثناءات فبحسب علمي هناك اطباء ملتزمون لا يستقبلون اكثر من 20 حالة يوميًا كي يتمكنوا من متابعتهم بشكل دقيق وصولًا إلى مرحلة الشفاء التام التي يبحث عنها المريض”.

ويرى المواطن جاسم محمد (كاسب) أن “من أهم السلبيات الموجودة لدى بعض الاطباء هي إصرار الطبيب على اجراء العملية الجراحية التي قد يكون المريض بحاجة لها في المستشفيات الخاصة بحجة توفر المستلزمات العلاجية هناك في وقت أن هذه العملية يمكن أن تثقل كاهل المواطن الفقير الذي لا يستطيع تحمل نفقات العملية”.

وأشار محمد الى “الارتفاع الكبير في أسعار الادوية في الصيدليات”, معربا عن اعتقاده أن “كل هذه السلبيات جعلت من مهنة الطب بكل تفرعاتها تجارة تهدف إلى كسب المال بشتى الطرق!”
في حين ترى السيدة سميرة عودة (مديرة مدرسة أهلية) أن “هناك أطباء ملتزمون يراعون الحالة الصحية والمادية للمريض وأحيانًا يُجرون بعض الفحوصات مجانًا”, لكنها في ذات الوقت طالبت بتوفير الأجهزة الطبية المتطورة في المستشفيات الحكومية حتى لا يضطر المريض لأجراء تلك الفحوصات خارج المستشفى.

وللأطباء رأي

مدير مدينة الصدر الطبية بتحدث لـ (الحكمة)
مدير مدينة الصدر الطبية بتحدث لـ (الحكمة)

الدكتور عبد العال الغزالي مدير مدينة الصدر الطبية في النجف الأشرف قال “في الحقيقة أنا لا أشاطر أصحاب الرأي القائل أن الطب تحول إلى مهنة البحث عن المكاسب المادية ولا أتفق مع من يقول أن اجور الاطباء مرتفعة”.

ويسترسل الغزالي “دعني هنا أسرد لكم هذه الحادثة, كنا في بيروت برفقة بعض الزملاء واضطرتنا حالة مرضية مفاجئة لأحد الزملاء لمراجعة أحد اطباء (الجلدية) هناك ففوجئنا بأن اجرة الفحص (120) دولار بينما أعلى اجرة طبيب لدينا في العراق قد لا تتجاوز العشرين ألف ينار عراقي ولك أن تتخيل الفارق بين ما موجود عندنا وما موجود في البلدان الأخرى! فلماذا إذن يتهم الطبيب العراقي بأنه عالي الاجر؟”

أما الدكتور جاسم العابدي فيقول “القضية ليست قضية مبالغ مالية واجور فحص لأن المراجعة لا تقتصر على الطبيب الاختصاص فحسب فالمريض في احيان كثيرة يكون بحاجة لإجراء فحوصا وأشعات وتحاليل مختبرية وكل ذلك يتطلب من المريض دفع الأموال فجهاز فحص الايكو على سبيل المثال لا يكلف المريض شيئًا في المستشفى بينما أجرة الفحص على ذات الجهاز في العيادات الخارجية تتجاوز الخمسين الف دينار الامر الذي يثقل كاهل المريض”.

ويضيف العابدي “طبعًا هذه الاجهزة يستوردها الطبيب على حسابه الخاص بملايين الدنانير وبالتالي فمن حقه اخذ مقابل جيد يتناسب وقيمة ما يستورده من اجهزة خصوصًا إن كانت ذات كفاءة عالية ومن مناشيء عالمية متطورة وكذا الحال للمواد المختبرية وغيرها وما أرمي الوصول إليه هو أن للطبيب أو المختبري الحق في استحصال مبالغ مالية موازية لما يقوم بصرفه”.

ويقول عامر مجيد مسؤول قسم الأشعة والسونار في مدينة الصدر الطبية أن “الأسعار في العيادات الخارجية باهضة جدا مقارنة بالأسعار داخل المستشفى ولا أحد يستطيع أن ينكر وجود جشع لدى البعض ولا أقول الكل لأن سعر الرنين على سبيل المثال في المستشفى لا يتجاوز خمسة وعشرين الف دينار في الشفت المسائي الخاص بينما في الشفت النهاري يكون مجانًا اما في العيادة الخاصة خارج المستشفى فسعر الرنين المغناطيسي لن يقل بأي حال من الأحوال عن مئتي ألف دينار!”
ويطالب مجيد “الجهات الرقابية في وزارة الصحة والمسؤولين بضرورة وضع آلية يتم من خلالها تحديد الضوابط الخاصة بالأسعار لأن ارتفاع هذه الاسعار دفع البعض لمراجعة (المضمد) الذي بات اليوم طبيب العائلة الفقيرة وهذا أمر خطير لأنه قد يتسبب بخطر حقيقي يتهدد حياة المريض”.

ما رأي الشرع في الموضوع؟

هنا لابد من الوقوف على رأي المشرع الإسلامي حيث توجهنا بالسؤال للشيخ فيصل العبادي (رجل دين) عن الحكم الشرعي لارتفاع أجور بعض الأطباء, وهل يؤثم على ذلك؟ فكان جواب الشيخ “من الناحية الشرعية لا إشكال على الطبيب إن تقاضى اجرًا عاليًا لسببين الأول هو أن المريض ليس ملزمًا بمراجعة الطبيب صاحب الأجر العالي وبإمكانه مراجعة أي طبيب آخر يكون اجره أقل، وثانيًا أن بعض الأطباء يجد أنه يمتلك من الإمكانية العلمية ما يؤهله لتقاضي اجرًا أعلى من اجر الآخرين”.
ويضيف الشيخ العبادي أن “هذا الرأي الشرعي للموضوع لكن هناك جانب آخر لا يمكن إغفاله وهو الجانب الإنساني خصوصًا وإن الطب هي مهنة الإنسانية والمروءة وبالتالي فعلى الطبيب أن يراعي الوضع الاقتصادي للمريض وهو الامر الذي يؤكده المشرع الإسلامي الذي يدعو دائمًا إلى إلى التسامح والتساهل وتقديم أقصى ما يمكن تقديمه من مساعدة للمرضى لذا فمراعاة الجوانب الإنسانية يجب أن تكون حاضرة في هكذا موضوع”.

مسك الختام

ختاماً علينا أن لا نغفل ما يعانيه الأطباء من تحديات أمنية وتهديدات عشائرية تحملهم مسؤولية كل ما يحصل من مضاعفات للمريض مع قلة أعداد المختصين بالفروع المهمة فضلا عن هجرة الكثير منهم خارج الوطن.

وعموماً يرى بعض المراقبين للشأن الصحي ان كثيراً من المشاكل المتعلقة بالخدمات الطبية والصحية والعلاجية في العراق ناتجة من قلة كفاءة النظام الصحي المطبق حالياً والذي برأي المختصين بحاجة الى تغيير جذري يبدأ بالفصل بين القطاعين العام والخاص ولا ينتهي ببناء نظام ضمان صحي أسوة بالدول المجاورة فضلاً عن دول العالم المتقدم, بالإضافة إلى تفعيل دور الجهات الرقابية على القطاعين العام والخاص لمنع استغلال المريض وسوء تقديم الخدمة.

10877585_1545920035666780_1007163813_n m-13-01-2015-02 m-130-01-2015-5

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*