المكتبة الحيدرية في النجف الاشرف، إرادة الحفاظ على الإرث الفكري
النجف الاشرف – متابعة (الحكمة): الى يمين ساحة الصحن الطاهر للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام در، هكذا يمّمنا وجهنا شطر المكتبة الحيدرية في قلب المرقد الطاهر. استقبلنا مدير المكتبة الحيدرية الشيخ عقيل الدرّاجي في صالون المكتبة، تسبقه رائحة الكتب التي تملأ المكان وكأنها تدعونا الى رحلةٍ عبر الزمن. اللهفة للإكتشاف وسبر غور الأرفُف المكدّسة بعبق حكايا التاريخ والمراجع وقصص الأوّلين وأحكام الفقه والشريعة قادتنا الى قلب المكتبة وأصل الحكاية. دخلنا باب التاريخ والحاضر ولا أبالغ إن قلت المستقبل أيضاً من غرفة الاستقبال، مكتبٌ على اليمين يرشدنا الى القسم الاكتروني للمكتبة، عشرات الطاولات التي تحوي الحواسيب على الجهتين، عمامات وباحثون وطلابُ علمٍ ومعرفة وجامعيون ينهلون من معين مخزونها العلمي والثقافي، وفريق آخر متخصص في تحميل الكتب على الموقع الخاص بالمكتبة وضخّه بالدراسات والأبحاث وآخر الإنتاجات البحثية العلمية والدينية.
تاريخ هذه المكتبة يمتد إلى مئات السنين، وقد أعيد افتتاحها عام 2005 بعد سقوط نظام البعث في العراق. تحوي المكتبة آلاف الكتب في مختلف العلوم، ويصل تعداد كتبها الى أكثر من مائة وستون ألف كتاب بحسب الشيخ الدراجي. أما المخطوطات، ففيها مخطوطات نادرة وقديمة يجري معالجتها وتصويرها بعد أن كانت مهملة في النظام السابق. كذلك يوجد ضمن المخطوطات نسخ نادرة وقديمة للمصحف الشريف. تمتلك اليوم هذه المكتبة موقعاً على شبكة الإنترنت، وبزيارتك لرابط الموقع تجد كل ما تريد معرفته حول هذه المكتبة وتاريخها في باب اسمه (حول المكتبة). كما يضم موقع الشبكة مئات الكتب عن الإمام علي، وفيها قابلية التحميل والقراءة. وهناك نظام فهرس مبرمج والمكتبة الرقمية تحوي كتباً لا حصر لها.
للمكتبة أسماء كثيرة سميت بها عبر التاريخ، منها الخزانة الغروية -وهو الاسم الأكثر شهرةً وشيوعًا وتداولًا بين الناس- والخزانة العَلَوية، وخزانة الصحن، وخزانة أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومكتبة الصحن العَلَوي، والمكتبة العَلَوية، والمكتبة الحيدرية، وأخيرًا تسمى اليوم بمكتبة الروضة الحيدرية.
وقد صدر من هذه المكتبة المباركة عدة إصدارات مطبوعة مثل: الكشاف المنتقى لفضائل علي المرتضى (عليه السلام)، ومشاهير المدفونين في الصحن العَلَوي الشريف، والمحسن السبط مولود أم سقط، ومقدمات كتب تراثية.. والعطاء متواصل بإذن الله كما يعد الشيخ عقيل الدراجي.
المكتبة التي كانت أثرًا بعد عين في أيام صدام، لم يبقَ منها أي شي وقد ضاعت كل المخطوطات الأصلية الثمينة وما تبقى منها بعد سقوط النظام كان يتدفأ به للأسف الجهلة والمستهترون أيام الغزو الأولى وقبل بدء العمل على إعادة بنائها.
أعيد بناء المكتبة أواخر العام 2003 لتتكوّن من قسمين، قسم للرجال وآخر للنساء وداخل كل قسم مكتبة رقمية. تحتوي المكتبة 4600 مخطوطة لفترة هجرة الطوسي بالإضافة الى مخطوطات العلامة الحلّي وهي الفترة البرزخ بين عصر المتقدمين والمتأخرين، فهي نهاية المتأخرين وبداية المتقدمين بحسب شرح الشيخ الدراجي، والمجموعة الكاملة لمخطوطات محمد بن عبد الرحمن العتاتقي. يعتبر مستوى المخطوطات بالكم قليلًا بسبب ما ضاع وما سرق وما أتلف، ولكن بالنوع هو نادر وبالغ الأهمية.
تحاول المكتبة أن تحصل على جميع المخطوطات وهي في سعي دائم لذلك، فالتراث منتشر في جميع أنحاء العالم لأننا (بحسب الشيخ الدراجي) لم نحافظ على تاريخنا، بل على العكس، أخذه الغرب وحافظ عليه في مكتباته ونحن نحاول اليوم قدر الإمكان استعادة هذا الإرث أو ما تبقّى منه. يضيف الشيخ قائلاً: هناك مخطوطات قيمة جداً نحتفظ بها في أماكن سرية ولا نفصح عن مكان وجودها من أجل حمايتها.
وفي الآونة الأخيرة ولإحياء مشروع خاص بمكتبة الروضة الحيدرية، قامت شعبة الإعلام في قسم الشؤون الفكرية والثقافية في المكتبة بتنفيذ مشروع التأريخ الشفهي الذي يهدف إلى توثيق صوتي وصوري لكثير من المعلومات التاريخية وغيرها من التجارب التي مرّت بها الشخصيات والرموز من العلماء والوجهاء، والتي قد تذهب وتُنسى بموت حامليها، فالمشروع محاولة لأرشفة وتصنيف وتوثيق المعلومات من خلال إجراء الحوارات مع الشخصيات المعنية لاستثمارها كتجارب تخدم الأجيال القادمة، وقد أجريت العديد من اللقاءات مع الشخصيات المهمة ولا زال العمل مستمرًا في هذا الصدد.
انتهت رحلتنا عبر الزمن، خرجنا من المكتبة وكأننا نعبر باب التاريخ الى المستقبل، الرحلة انتهت ولكن ما بقي في وجداننا وفكرنا ونحن نخطو الى خارج المكتبة لا يمكن نسيانه، إنه الأمل والطمأنينة بأنّ لغة الضاد باقية وهي تسكن حنايا المكتبة بأمنٍ وأمان وبأنّ سيرة الأوّلين والصالحين ما زال هناك من يحفظ إرثها وينثر عبقها في الحاضر والمستقبل ويحيي أمرها، فبارك الله من أحيا أمرها من القيّمين والقائمين على هذا الإرث الثمين والفكر الإسلامي الإنساني الذي لم ولن ينضب ولو كره أعداء الإنسانية والفكر في بلادنا المستهدفة دومًا. غادرنا المكان على أمل العودة القريبة إليه وكلّنا إيمان بأنّ مدينة العلم وبابها علي بن أبي طالب بخير وستبقى دوماً بإذن الله.
المصدر “sn”
سلام علیکم ممکن نسب الصحیح لقبیله بنی ساله الهاتف00989381672290