الإمام الحسين (عليه السلام) من الولادة إلى الإمامة
في حياة النبيّ (صلى الله عليه وآله) والرسالة الإسلامية مساحة واسعة لبيت عليّ وفاطمة وأبنائهما(عليهم السلام) ومعاني ودلالات عميقة حيث إنّه البيت الذي سيحتضن الرسالة ويتحمّل عبء الخلافة ومسؤولية صيانة الدين والاُمّة.
وكان لابدّ لهذا البيت أن ينال القسط الأوفى والحظّ الأوفر من فيض حبّ النبىّ(صلى الله عليه وآله) ورعايته واُبوّته، فلم يدّخر النبيّ(صلى الله عليه وآله) وسعاً أن يروّي شجرته المباركة في بيت علىّ(عليه السلام) ويتعهّدها صباح مساء مبيّناً أنّ مصير الاُمّة مرهون بسلامة هذا البيت وطاعة أهله كما يتجلّى ذلك في قوله (صلى الله عليه وآله): «إنّ علياً راية الهدى بعدي وإمام أوليائي ونور من أطاعني»[1].
وحين أشرقت الدنيا بولادة الحسين (عليه السلام); أخذ مكانته السامية في قلب النبي(صلى الله عليه وآله) وموضعه الرفيع في حياة الرسالة.
وبعين الخبير البصير والمعصوم المسدّد من السماء وجد النبي (صلى الله عليه وآله) في الوليد الجديد وريثاً للرسالة بعد حين، ثائراً في الاُمّة بعد زيغ وسكون، مصلحاً في الدين بعد انحراف واندثار، محيياً للسنّة بعد تضييع وإنكار، فراح النبيّ(صلى الله عليه وآله) يهيّئه ويعدّه لحمل الرسالة الكبرى مستعيناً في ذلك بعواطفه وساعات يومه، وبهديه وعلمه; إذ عمّا قليل سيضطلع بمهام الإمامة في الرسالة الخاتمة بأمر الله تعالى.
فها هو (صلى الله عليه وآله) يقول: «الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار»[2].
وهل الحب إلاّ مقدمة الطاعة وقبول الولاية؟ بل هما بعينهما في المآل.
لقد كان النبي(صلى الله عليه وآله) يتألّم لبكائه ويتفقّده في يقظته ونومه، يوصي اُمّه الطاهرة فاطمة صلوات الله عليها أن تغمر ولده المبارك بكلّ مشاعر الحنان والرفق[3].
حتّى إذا درج الحسين (عليه السلام) صبيّاً يتحرّك شرع النبىّ(صلى الله عليه وآله) يلفت نظر الناس إليه ويهيّئ الأجواء لأن تقبل الاُمّة وصاية ابن النبيّ (صلى الله عليه وآله) عليها، فكم تأنّى النبيّ(صلى الله عليه وآله) في سجوده والحسين يعلو ظهره(صلى الله عليه وآله) ليظهر للاُمّة حبّه له وكذا مكانته، وكم سارع النبي يقطع خطبته ليلقف ابنه القادم نحوه متعثّراً فيرفعه معه على منبره[4] ؟ كلّ ذلك ليدلّ على منزلته ودوره الخطير في مستقبل الاُمّة.
وحين قدم وفد نصارى نجران يحاجج النبي(صلى الله عليه وآله) في دعوته إلى الإسلام وعقيدة التوحيد الخالص وامتنع عن قبولها رغم وضوح الحق أمر الله تعالى بالمباهلة، فخرج النبي (صلى الله عليه وآله) إليهم ومعه خير أهل الأرض تقوىً وصلاحاً وأعزّهم على الله مكانةً ومنزلةً: عليّ وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، ليباهل بهم أهل الكفر والشرك وانحراف المعتقد، ومُدَلّلاً بذلك ـ في نفس الوقت ـ على أنّهم أهل بيت النبوة وبهم تقوم الرسالة الإسلامية، فعطاؤهم من أجل العقيدة لا ينضب[5].
[6]. وصيّة النبي (صلى الله عليه وآله) بالسبطين(عليهما السلام) :
ووصّى النبي (صلى الله عليه وآله) الإمام عليّاً برعاية سبطيه، وكان ذلك قبل موته بثلاثة أيام، فقد قال له: سلام الله عليك أبا الريحانتين، اُوصيك بريحانتيَّ من الدنيا، فعن قليل ينهدّ ركناك، والله خليفتي عليك، فلمّا قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال عليّ: هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا ماتت فاطمة(عليها السلام) قال عليّ: هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله [7].
لوعة النبيّ (صلى الله عليه وآله) على الحسين (عليه السلام) :
حضر الإمام الحسين(عليه السلام) عند جدّه الرسول(صلى الله عليه وآله) حينما كان يعاني آلام المرض ويقترب من لحظات الاحتضار، فلمّا رآه ضمّه الى صدره وجعل يقول: «مالي وليزيد؟! لا بارك الله فيه».
ثمّ غشي عليه طويلاً، فلمّا أفاق أخذ يوسع الحسين تقبيلاً وعيناه تفيضان بالدموع، وهو يقول: «أما إنّ لي ولقاتلك موقفاً بين يدي الله عزّوجلّ»[8].
وفي اللحظات الأخيرة من عمره الشريف(صلى الله عليه وآله) ألقى السبطان(عليهما السلام) بأنفسهما عليه وهما يذرفان الدموع والنبي (صلى الله عليه وآله) يوسعهما تقبيلاً، فأراد أبوهما أمير المؤمنين(عليه السلام) أن ينحّيهما عنه فأبى(صلى الله عليه وآله) وقال له: «دعهما يتزوّدا منّي وأتزوّد منهما فستصيبهما بعدي إثرة»[9].
ثمّ التفت(صلى الله عليه وآله) الى عوّاده فقال لهم: قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيّع لسنّتي، والمضيّع لسنّتي كالمضيّع لعترتي، إنّهما لن يفترقا حتى يردا علىّ الحوض[10].
________________________________________
[1] حلية الأولياء : 1 / 67، ونظم درر السمطين : 114، وتاريخ ابن عساكر : 2 / 189 ح 680 ، ومقتل الخوارزمي : 1 / 43، وجامع الجوامع (للسيوطي) : 6 / 396، ومنتخب الكنز : 6 / 953 ح2539، والفصول المهمة لابن الصباغ : 107، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : 173، ومجمع الزوائد : 9 / 135، وكنز العمّال : 5/153، وصحيح الترمذي : 5 / 328 ح3874، واُسد الغابة : 2 / 12.
[2] مستدرك الحاكم : 3 / 166، وتأريخ ابن عساكر : ترجمة الإمام الحسين(عليه السلام)، وإعلام الورى : 1 / 432 .
[3] مجمع الزوائد : 9 / 201، وسير أعلام النبلاء : 3 / 191، وذخائر العقبى : 143.
[4] مسند أحمد: 5/354، وإعلام الورى: 1/433، وكنز العمال:
7/168،وصحيح الترمذي: 5 / 616 / ح3774.
[5] مسند أحمد : 1 / 185، وصحيح مسلم : كتاب الفضائل باب فضائل علي : 2 / 360، وصحيح الترمذي : 4 / 293 ح5 208، والمستدرك على الصحيحين : 3 / 150 .
[6] بحارالأنوار : 43 / 263، ومناقب آل أبي طالب : 2 / 465 ونظم درر السمطين : 212 .
[7] بحار الأنوار : 43 / 262 .
[8] حياة الإمام الحسين (عليه السلام)، باقر شريف القرشي : 1 / 218 ،
نقلاً عن مثير الأحزان.
[9] مقتل الحسين للخوارزمي : 1 / 114 .
[10]المصدر السابق.