تأثير الثقافة اقتصاديًّا وجينيًّا

301

10-2-2014-1-d

طلب قسم عرض الكتب في صحيفة كرونيكل الأميركية من 12 دارساً أن يكتبوا لها عن كتاب غير قصصي نُشر  خلال الثلاثين سنة الماضية وغيّر عقلياتهم إلى حد كبير، لا أنه أوحى لهم فقط بشيء أو أثّر في تفكيرهم، و إنما أحدث تبديلاً على نحوٍ عميق وملهم في الطريقة التي ينظرون بها إلى أنفسهم، والعالم.

وقد جاء في رد كولين كاميرر، أستاذ التمويل السلوكي والاقتصاد في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، أنهم في برنامج دراستهم للدكتوراه بجامعة شيكاغو كانوا يشجّعونهم على استكشاف تطبيقات المبادئ الاقتصادية على مجالات غير متوقعة. وكنتُ على الدوام، بتأثير الأنثروبولوجيا المعرفية، محباً للاستطلاع في ما يتعلق بدور الثقافة في الخيارات الاقتصادية، وكيف يمكن نمذجة هذا الدور.

 وقد وفّر لي كتاب ( الثقافة والعملية التطورية) الصادر العام 1985، لروبرت بويد وبيتر ريتشيرسون، جواباً واضحاً.

 وكان قريباً بما فيه الكفاية للشكلية الاقتصادية ليكون قابلاً للفهم، ومختلفاً بما يكفي لأن يكــون مثــيراً.

و فكرتهما بسيطة: أن الممارسات الثقافية تُنقل ضمن المجتمعات بطريقة مشابهة للتطور الجيني، ولكن متميزة كذلك عنه بشكل واضح. ولتبيان هذا، استخدم بويد وريتشيرسون الرياضيات ــ وعلى نحوٍ استثنائي هكذا، في الأنثروبولوجيا ــ لـ ” فحص منطق” التطور الثقافي، ولتأسيس حدود على ما يمكـن أن يتطـــور ثقافيــاً، وكيــف.

 و بدأتُ بعد مدة طويلة من ذلك بتقييم أن جوهر فكرتهما هو شيء أكثر عمقاً حتى أن الجينات التي تجعل التبادل الثقافي سريعاً، والممارسات الثقافية نفسها، يمكنها أن تتطور معاً. وبرأيي، فإن هذه الفكرة ” تحل” بشكل فعال اللغز القائم المتعلق بكيفية أن التصرفات النافعة للجماعات تستطيع أن تتطور من خلال الانتقاء الجيني الفردي ( في الأقل بقدر ما يُحلّ أي لغز علم ــ اجتماعي).

و التبصّر الإمكاني الآخر المستمد من فكرة تطور الجينة ــ الثقافة هو جواب على السؤال: كيف يمكن أن تكون البشرية قد صارت جيدة هكذا بهذه السرعة؟ والجواب المرشح أن التكيّفات الجينية التي تحصل على مدى مقادير زمنية طويلة تستطيع أن تسهّل التطور الثقافي على مدى مقادير زمنية أقصر بكثير.

وهكذا يمكننا أن نفترض كيف استطاعت الممارسات الثقافية الإنسانية أن تنتشر سريعاً بما فيه الكفاية لنوعنا كي يحكم العالم في   100 ألف سنة فقط.

و تبدأ الطريقة التطورية المشتركة للجينة ــ الثقافة الآن بأن تثمر أكثر حتى، حين يبحث الناس عن جينات خاصة ( أو مؤشرات لتغيّر جيني) لتثبيت كيف تقوم الجينات بنشر الثقافة على وجه الدقة.

و أخيراً، فإن الكتاب أظهر خصب تجاهل الحدود التقليدية بين المجالات. فينبغي معاملة الحدود كعلامات طباشير تقسم لعبة كرة قدم عن أخرى في ساحة. وحين تتغيّر الرياضة، تمحى العلامات، و تُرسم مجالات جديدة.

المسلة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*