يتابع العراقيون أخبار العمليات العسكرية والفعاليات القتالية بين الجيش والقوات الأمنية مع فصائل الحشد الشعبي ورجال العشائر من جهة، ضد مسلحي تنظيم داعش في محافظة صلاح الدين والأنبار ومناطق أخرى من جهة أخرى.
وبرغم شيوع موجة الترحيب والتهليل بأخبار الانتصارات والإنجازات باستعادة السيطرة على مدن وبلدات عديدة، فقد لوحظ ضعف التنسيق أو التجانس في تلك الأخبار والتصريحات، إذ أن أغلبها استند إلى مصادر خاصة بكل وسيلة إعلامية، أو من خلال تصريحات لضابط عسكري، أو سياسي أو نائب في البرلمان، أو قيادي في فصيل مسلح أو رجل عشيرة أو صحفي، في وقت غابت إلى حد كبير بيانات رسمية من جهات عسكرية مخولة عن آخر تطورات الأوضاع على الأرض.
لماذا لا تصدر بيانات عسكرية عن سير المعارك؟
يفرض هذا الواقع أسئلةً مشروعة ومفتوحة في الشأن الإعلامي وتبعات ذلك، إذ يعترف مراقبون بأن تعدد مصادر الخبر دون التطابق في المعلومة ودقتها، ربما لغايات هذه الجهة الإعلامية أو تلك، قد تكون له نتائج سلبية على الرأي العام.
المتحدث باسم الحشد الشعبي كريم النوري يعترف في حديث لإذاعة العراق الحر بان تباين دقة وتفاصيل الأخبار المنقولة من ارض المعركة، برغم حجم الانتصارات المتحققة، إلا أنها قد تترك نتائج سلبية، لافتا إلى انه برغم النتائج المبهرة للقوات العراقية ضد تنظيم داعش فلا يمكن إغفال قدرة الأخير على القيام بعمليات تهدف إلى إعاقة تقدم القوات المسلحة من خلال أساليبه المعروفة في استخدام التفخيخ والانتحاريين وتفجير الأبنية والسيارات، فضلا عن دَور القناصين.
كريم النوري لفت إلى أن احد أسباب تضارب الأخبار وتباين تفاصيلها يعود إلى أن بعض وسائل الإعلام تروج لتصريحات البعض ممن هو بعيد عن واقع المعركة وتفاصيلها، ما يسمح بترويج أخبار تصل لحد الإشاعة والفبركة، محملا وسائل الإعلام مسؤولية الدقة في نقل الخبر من المصادر المخولة.
وينبه إعلاميون إلى تأثير الأخبار غير الموثقة والمتدفقة عن المعركة دون تدقيق والتي ربما تدفعها عوامل عاطفية وانفعالية.
أستاذ الإعلام كاظم المقدادي شدد على ضرورة وجود مركز أو جهة مخولة بالتصريح في مثل هذه الظروف. و ضرورة توحيد الخطاب العسكري في المواجهة مع داعش عبر تنسيق التصريحات وتبادل المعلومات بين القوات الحكومية ومختلف الفصائل المشاركة في العمليات ضد التنظيم المتشدد.
الحرب النفسية مرة أخرى
تكاد الحرب المعنوية والنفسية عبر الإعلام توازي بالقسوة والاحتدام حرب المدافع، فمن يمتلك اليوم منظومة إعلامية قوية يستطيع تحقيق أهدافه على نحو أكثر يسرا، و يرى محللون أن العقلية الإعلامية لتنظيم داعش على المستوى العراقي والإقليمي أكثر شراسة من عقليته العسكرية، وقد استغلها ضد الأجهزة الأمنية في المنطقة معنويا قبل الدخول في مواجهة مباشرة معها.
وإذا ما نجحت إستراتيجية داعش الإعلامية في أهدافها خلال الفترة الماضية فلابد من إستراتيجية إعلامية مضادة لإفشال حربها المعنوية تلك.
بهذا الشأن يؤكد الخبير الأمني رحيم الشمري في حديث لإذاعة العراق الحر بان تنظيم “داعش” وظف قدراته الإعلامية بحيث نجح في إسقاط أربع فرق عسكرية واحتلال نحو ربع مساحة العراق خلال أيام بشكل دراماتيكي مستغلا أسلوب الصدمة والإشاعة والحرب النفسية.
ويشير الشمري، في حديثه لإذاعة العراق الحر، إلى أن تعدد المنابر والمتحدثين باسم هذه الجهة أو تلك قد أربك الخبر، وكادت تضيع ملامحه أمام المواطن, داعياً إلى توظيف الإعلام لدعم الجهد الوطني في مقاتلة تنظيم داعش ضمن المهنية الإعلامية والمصداقية.
يؤكد مختصون بان خيطا دقيقا يفصل بين التوازن والحيادية في العمل الصحفي المحترف وبين الدعاية والتحشيد العاطفي، إذ يعمد بعض الصحفيين والمراسلين إلى تغليف تقاريرهم بمسحة عاطفية وانفعالية عند نقل الأخبار أو وصف الوقائع.
فضلا عن حالات المبالغة في فحوى الأخبار و تقييم الانجازات على الصعيد العسكري والتعبوي، أستاذ الحرب النفسية عبد السلام السامر ينبه إلى أن أسوأ أنواع الدعاية هي التي تلجا إلى الكذب، وأفضلُها التي تعتمد الحقيقة، مؤكدا أهمية نقل الأخبار بمهنية ومسؤولية لكسب ثقة المواطن والحذر من التناقض والمبالغة بما يجعل المتلقي في حيرة وعدم تثبت.
ويرى السامر، في حديث مع إذاعة العراق الحر، إن قول الحقيقة أحيانا وبرغم مرارتها ترسخ الثقة لدى الجمهور أكثر من الاستمرار بالمبالغة أو الالتفاف على الحقائق والوقائع.
وقفة مع أداء الإعلام الكردي إزاء داعش.
مع فورة النشاط الإعلامي وحضور المراسلين الحربيين في ميادين المعارك بين القوات العراقية ومسلحي تنظيم داعش، ناقش إعلاميون وأكاديميون كرد مؤخرا دور الإعلام في الظروف الحالية وسياسة بعض المؤسسات الإعلامية في إقليم كردستان عند نقل الخبر والتي قد تخدم بشكل مباشر أو غير مباشر مصالح ونهج التنظيمات الإرهابية.(…).
من جانبه اتهم سكرتير نقابة الصحفيين فرع السليمانية, كاروان أنور, الإعلام الكردي بالتقصير في التعامل مع الأحداث والجرائم التي يرتكبها تنظيم داعش في المنطقة وشدد على ضرورة أن يتبع الإعلام أسلوب مناهضة الفكر الداعشي وكشف نوايا التنظيم الخطيرة.
الصحفي إسماعيل بكر قال إن الصحافة ووسائل الإعلام الكردية حديثة العهد نوعا ما وليس لديها الخبرة الكافية في التعامل مع مثل هذه الأحداث وقد تقع أحيانا في أخطاء تضر بالمصلحة الوطنية وتخدم بالمقابل أجندة الإعلام المعادية، وهنا من الضروري اعتماد أشخاص وكفاءات لإدارة هذه المؤسسات يمكنها تحليل الخبر وتبعاته على المتلقي، فضلا عن إقامة دورات للإعلاميين تسهم في زيادة قابلياتهم الصحفية والتحريرية”.
يشار إلى أن انتقادات عديدة وجهت إلى وسائل الإعلام الكردية بسبب طريقة تغطيتها لأخبار جبهات المواجهة مع تنظيم داعش باعتبارها تقدم ودون قصد معلومات عن تحركات قوات البيشمركة ومواقع تمركزها والأسلحة والأعتدة التي يستخدمها، بالإضافة إلى نشر فيديوهات وصور عن نشاطات تنظيم داعش الإرهابي وعمليات القتل التي ينفذها في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.
تصريحات إعلامية أم تسريب معلومات أمنية؟
نُقل عن أحد الإعلاميين ممن كانوا يعملون في وزارة الدفاع سابقا أنهم بلغوا في الأول من آب عام1990 بالاستعداد باكرا للذهاب في “مهمة إلى شمال العراق لتغطية نشاط عسكري معين”، لكن المفاجأة كانت بانتظارهم عندما وجدوا أن طائرات الهليكوبتر تنقلهم فجرا إلى سماء الكويت لتوثيق عملية احتلال الكويت من قبل قوات الحرس الجمهوري !
بغض النظر عن مدى دقة هذه الرواية إلا أنها بلا شك تؤشر عنصرا مهما في العمل العسكري والأمني وهو السرية والكتمان والمباغتة.
يحضر هذا المثال في وقت يتسابق فيه بعض المسؤولين العسكريين والسياسيين إلى التصريح لوسائل الإعلام عن الخطط العسكرية المرتقبة توقيتا وحجما وأهدافا ما يُفقدها عنصر المباغتة للعدو، بل يعدها البعض شكلا من أشكال تسريب المعلومات والكشف عن الأسرار العسكرية، بحسب أستاذ الحرب النفسية عبد السلام السامر.