الحكمة – متابعة: “المسلم لا يقسو على أخ مسلم”، هكذا تحدث رجب أردوغان، في يوليو الماضي، موجهًا خطابه إلى تنظيم “داعش”، مُحتجز 49 مواطنًا تركيًا، ومُحتل القنصلية التركية في الموصل، معتبرًا أنهم “إخوة مسلمون”، وفي سبتمبر، انفعل أردوغان، نافيًا دعم بلاده للإرهابيين، وغضها الطرف عن ممارساتهم.. تناقض يعبر عن أزمة عميقة في السياسة الخارجية التركية تجاه ما يحدث في العراق وسوريا بحسب مركز “أحوال مصر” للدراسات الإستراتيجية.
وأكد المركز في دراسة له، إن المسؤولين الأتراك في تصريحاتهم تجنبوا وصف التنظيم بـ”الإرهابي”، وتكرر الإعلان عن رفض توجيه ضربة عسكرية له، والمرونة اللافتة في التعليق على ممارساته، وأرجعت تركيا ذلك لوجود رهائن أتراك لدى التنظيم، تجبرها على عدم الصدام معه، ولو على مستوى التصريحات، ومع تطور الأحداث، وتمدد التنظيم في العراق، وتداعياته، أصبحت تركيا في صدارة قائمة المتهمين بذلك، خاصة مع حرصها الالتزام بعدم نقد التنظيم بشأن رهائنها، واتخاذ زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، من مبنى قنصليتها في الموصل، مقرًا له، بل وإصدار الحكومة التركية قانونًا يحظر النقاش حول الأزمة.
ورصد المركز، عدة ظواهر تكشف أن تركيا، صاحبة الدور الأهم في صناعة وتمويل ومساعدة “داعش”، أهمها:
1- تركيا، صاحبة الحدود المشتركة مع سوريا والعراق (1200كم)، هي التي يتدفق المقاتلين الأجانب عبر أراضيها إلى البلدين، للانضمام إلى تنظيم “داعش”، بل هي من وفرت له في سوريا شاحنات الأسلحة، وعالجت الجرحى من أعضائه في مستشفياتها، بل استقبلت فنادقها في البلدات الحدودية مقاتليه.
2- إغماض السلطات التركية الأعين عن حركة التجارة غير المشروعة المتنامية عبر الحدود، والتي تصب في خزائن “داعش”، ووثقتها هيئة الأركان العامة التركية، ما جعل برلمانيين أتراك يطالبون الحكومة بتفسير ذلك، فالتنظيم يُهرب من سوريا إلى تركيا آلاف الأطنان من الوقود، ما يدر عليه ربحًا شهريًا يُقدر بملايين الدولارات، ويتزايد الطلب على وقود “داعش” الرخيص، الذي تنقله شاحنات من المنطقة الحدودية إلى الداخل، ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام التركية، فإن الوقود المهرب يباع بـ0.70 للتر، بينما السعر الرسمي في تركيا 1.85.
3- عدم اتخاذ الحكومة التركية التدابير لمنع ذلك، بل وعدم تفسيره، كان دلالة على تورطها، وإن جعلها الضغط الأمريكي والداخلي عليها، تتخذ عدة إجراءات لتشديد الرقابة على حدودها من أجل قطع حركة الأموال والأفراد إلى “داعش”، وتقليص تهريب الوقود، كما حرصت الحكومة التركية على نفي ما نشرته صحيفة “نيويورك تايمز”، عن شراء تركيا النفط من التنظيم في العراق، بعدما ذكرت الصحيفة أن مسؤولين في أجهزة استخبارات غربية أكدوا وصول شحنات نفط غير قانونية إلى تركيا من مناطق خاضعة للتنظيم شمال العراق.
4- داخليًا.. الشرطة التركية تتغاضى عن نشاط المنتمين للتنظيم، وحركتهم المتنامية بوضوح، سواء في إعلانهم الانتماء للتنظيم، ورفعهم أعلامه على نوافذ منازلهم وسياراتهم في بعض البلدات، أو في مساعيهم لتجنيد الأتراك، دون توقيف أو اعتراض من الشرطة ـ حسب تحقيق أجرته مجلة “نيوزويك” الأمريكية في تركيا ـ بل وفرضت السلطات على وسائل الإعلام المحلية منع تناول قصص التجنيد.
5- مع حرق ورقة الرهائن الأتراك لدى “داعش”، بدت ذريعة تركيا الأساسية لعدم محاربة التنظيم، الدليل الأكثر وضوحًا على تورطها، بعدما أطلق سراحهم بصفقة بين الحكومة التركية والتنظيم، سلمته بمقتضاها 180 مقاتلًا من الدواعش كانوا محتجزين لديها، في خلال أقل من يومين من بدء هجومه على كوباني، التي اشتركت تركيا مع “داعش” في حصارها والإجهاز عليها.
وذكر المركز، أن هناك أسبابًا وراء دعم تركيا لتنظيم “داعش”، منها ما يتعلق بتوجهات السياسة الخارجية التركية المتعلقة بخصومتها مع ثلاثة أطراف، هي النظام السوري، والأكراد في سوريا (حلفاء أكراد تركيا)، ونظام الحكم الشيعي في العراق وجميعها حاربهم تنظيم “داعش”، ولا يزال، مضيفًا أن دعم تركيا لـ”داعش” في العراق أيضًا ينطلق من إدراك مفاده بأنه لم تعد مصلحتها في وحدة العراق، بل في تقسيمه، ووجود دولة سنية فيه تتبعها، وتعتمد عليها، ما يوسع مساحة نفوذها على حساب النفوذ الإيراني.