الحكمة – متابعة: هل نتحكم دائما في عقولنا؟ الصحفي في بي بي سي ديفيد روبسون يكشف النقاب عن أنه من السهل زرع أفكار في عقول الناس دون أن يشعروا بذلك.
هل نحن دائما مجرد دمى مقيدة بخيوط تحركها؟ غالبية الناس يميلون إلى الاعتقاد بأنهم أحرار في اختياراتهم، وأنهم يقررون مصيرهم بأنفسهم، لكن يبدو أنهم على خطأ.
وغالباً، نحن كالدمى المتحركة التي لا حيلة لها، نتحرك وفق إرادة وتأثير شخص أو أشخاص آخرين، ثم ننفذ إرادتهم دون أن نشعر، ونحن نعتقد أننا نطبق أفكارنا.
جاي أولسون من جامعة ماكغيل في كندا أجرى تجربة عبقرية في الآونة الأخيرة كشفت عن السهولة التي يجري من خلالها التلاعب بنا بأيسر طرق الإقناع.
يقول أولسون: “الذي نكتشفه شيئاً فشيئاً في علم النفس هو أن كثيرا من القرارات التي نتخذها تكون متأثرة بأشياء لا ندركها”.
ويبقى السؤال هل يمكن لنا أن نتعلم كيفية التعرف على هذه الحيل، وكيف يمكن لنا استخدامها لمصلحتنا؟
قضى أولسون عمره في دراسة الأساليب الخفية لخداع الناس، وكانت البداية من السحر.
ويقول في هذا الصدد: “بدأت الحيل السحرية عندما كنت في الخامسة من عمري، وأصبحت حاوياً عندما كنت في السابعة”.
وكصاحب شهادة جامعية في علم النفس، توصل أولسون إلى أن الفهم الجديد للعقل يتوافق مع المهارات التي تعلمها من خلال هواياته.
خدعة بطاقات الأرقام على وجه الخصوص استحوذت على خياله عندما بدأ أبحاثه.
وتقوم تلك الحيلة على الطلب من أحد الحضور من الجمهور اختيار بطاقة بطريقة عشوائية من بين البطاقات التي يقوم بتوزيعها على طاولة أمام الجميع.
وبدون علم المتطوع، يكون هو قد قرر وحدد سلفاً أي بطاقة سيختارها هذا المتطوع، ثم يسمح له بوضع يده في جيبه ويسحب تلك البطاقة التي ذكرها بالضبط، أمام دهشة الحاضرين.
السر كما يبدو يكمن في أن تحتفظ بالبطاقة التي اختيرت أثناء توزيع البطاقات على الطاولة. وفي حديثنا معه لم يكشف أولسون عن الطريقة التي فعل بها ذلك، لكن آخرين قالوا إن تقليب البطاقة بخفة شديدة جعلها تعلق في نظر المتابع.
هذه الأجزاء من الثانية تعني أن البطاقة علقت في ذهن المتطوع، ما جعله يختارها عندما طلب منه ذلك.
وبوصفه عالماً، كانت مهمة أولسون الأولى هي أن يختبر رسمياً مستوى نجاحه، وهو يعلم أن تأثيره فعال، لكن النتائج كانت مذهلة بالفعل، حيث تمكن من التحكم في توجيه اختيار 103 من أصل 105 من المشاركين.
وليس مستغرباً أن ذلك وحده استحوذ على اهتمام كبير من قبل الإعلام، لكن الجزء التالي من الدراسة كان أشد إثارة للدهشة، حيث أنه أظهر لنا السهولة المتناهية التي يمكن بها التلاعب بعقولنا.
على سبيل المثال، عندما سأل المتطوعين فيما بعد، أصابه الذهول عندما علم أن 92 في المائة منهم لم يكن لديهم أي فكرة بأنهم تعرضوا للخداع، وكانوا على قناعة بأنهم في كامل السيطرة على قراراتهم، لكن الأكثر غرابة من ذلك، هو أن نسبة كبيرة منهم أبدوا أسباباً مختلقة لتبرير اختياراتهم.
يقول أولسون: “أحد المتطوعين قال: أنا اختار الورقة التي تحمل الرقم 10 من بين الأوراق التي تحمل رسم القلوب، لأن 10 رقم كبير، وكنت أفكر في البطاقات التي رسمت عليها قلوب قبل أن تبدأ التجربة”، على الرغم من أن أولسون هو في الحقيقة من اتخذ القرار.
فضلا عن ذلك، وجد أولسون أن الطبيعة الشخصية ليس لها تأثير كبير على الكيفية التي يمكن التلاعب بها بقرارات شخص معين أو بعقله.
جميع البشر يتساوون في إمكانية خداعهم، كما لم يكن هناك أي دور للرقم أو اللون الذي تحمله البطاقة في تحديد الاختيار.
قائمة الطعام المرتبة بذكاء
إن كنت لا تصدق ما يقول، فكر في ذهابك إلى مطعم لتناول وجبة ما. يقول أولسون إن هناك احتمال كبير أنك ستختار الوجبة التي تريدها إما من رأس القائمة أو من آخر القائمة، لأن هذه المناطق هي أول ما يسترعي نظرك.
لكن إن سالك أحد ما لماذا اخترت طبق السالمون على سبيل المثال، فستقول له إن شهيتك مفتوحة لتناول السالمون. لن تقول له أن اسم الوجبة كان على رأس القائمة وبالتالي كان أول اسم وقعت عليه عيناك، بمعنى آخر، نحن نلجأ إلى خلق رواية متخيلة لنشرح بها سبب ما اتخذناه من قرارات.
وليس واضحاً تماماً كيف يمكن أن يرتبط هذا الاقناع الخفي بأشكال أخرى من التهيئة الذهنية. ففي انتخابات عام 2000 في الولايات المتحدة على سبيل المثال، زعم أنصار المرشح آل غور أن الجمهوريين استغلوا كلمة ” rats” التي ظهرت بشكل غير مقصود في إعلان لدعم مرشحهم الديمقراطي (حيث ظهرت الحروف الثلاثة الأخيرة وحدها من كلمة Democrats في جزء من الإعلان، لكنها كانت تملأ الشاشة، وتعني هذه الحروف الثلاثة كلمة جرذان).
وكان أنصار آل غور يعتقدون أن الرسالة المشوهة عن مرشحهم ستبعد عنه الناخبين وتؤدي إلى خسارته.
وقد استنتج درو ويستن من جامعة إيموري أن الإعلان الذي حمل تلك الكلمة أضر بالفعل بحملة آل غور الانتخابية، وأدى إلى تراجع نسبة مؤيديه.
وهناك دليل على أن تقديم مشروب ساخن لأحد الأشخاص يجعلك تبدو شخصاً أكثر دفئاً، أو أن استنشاق رائحة كريهة يجعلك تشعر بالاشمئزاز، ويدفعك إلى الحكم على الناس بطريقة أشد قسوة.
كيف تعرف التلاعب
هذا النوع من المعرفة يمكن أن يستغله البعض في إكراه الآخرين، لذا من المفيد أن نعرف كيف يحاول الآخرون إخضاعك لإرادتهم دون أن تكون على وعي بذلك.
وبناء على دراسات علمية، إليكم أربع طرق للتلاعب ينبغي أن تحذروها من الأصدقاء والزملاء كل يوم:
1- اللمسة قد تؤثر بقوة
إذا ربت شخص ما على كتفك ونظر مباشرة إلى عينيك قد يعني ذلك أنك أصبحت أكثر انفتاحاً لتقبل المقترحات. وقد استخدم أولسون هذا الأسلوب في حيله، كما أنها كانت فعالة في ممارسات يومية مثل إقناع الناس بالاقتراض من البنوك أو المؤسسات المالية.
2- سرعة الكلام مهمة
يقول أولسون إن الحواة أو السحرة يحاولون دفع المتطوعين إلى الإسراع باتخاذ قرارهم، ليتمكنوا من اختيار أول ما يتبادر إلى أذهانهم والتي ستكون هي ذاتها الفكرة التي غرسها الحاوي في عقل المتطوع.
وبمجرد أن يوصلوا المتطوع إلى اتخاذ القرار الذي يريدونه، يعودوا إلى التصرف بطريقة فيها نوع من الاسترخاء، وعدم الاستعجال، أما المتطوع فعندما يسترجع ما حدث، يعتقد أنه كان حراً في اتخاذ قراره الذي فكر فيه ملياً.
3- احذر من نطاق الرؤية
أولسون جعل البطاقة التي اختارها أكثر بروزاً أمام المتطوع لتعلق بذهنه دون أن يشعر بذلك وهناك عدة طرق للقيام بذلك، منها وضع شيء ما بمستوى البصر، أو تحريك شيء ما بخفة قرب الهدف، ولأسباب مماثلة، تجدنا دائماً نختار أول شيء يعرض علينا.
4- أسئلة معينة توحي بأفكار محددة
هناك أسئلة معينة قد تدفعك لاختيار محدد. ومنها على سبيل المثال: “لماذا تعتقد أن هذه ستكون فكرة جيدة؟” أو “ماذا ستكون الإيجابيات في اعتقادك؟” يبدو ذلك واضحاً، لكن ترك الأشخاص يقنعون أنفسهم سيعني أنهم سيكونون واثقين من قراراتهم على المدى البعيد، كما لو كانت الفكرة نابعة منهم في الأصل.
قد نكون جميعاً دمى تحركها خيوط خفية، لكن إذا أدركنا من هو الذي يحرك هذه الخيوط، قد نستطيع تجنب الوقوع في مصيدته.