الحكمة – متابعة: لا يعرف بارنا تشيريان، وهو طالب جامعي في الهند يدرس الهندسة في عامه الدراسي الثاني، من أين يبدأ عند كتابة سيرته الذاتية. لم يشترك أبداً في أية دورة تدريبية، ولم يعمل في وظيفة مطلقا، كما أن جامعته لا تحتل تصنيفا متقدما، ودرجاته متوسطة.
يكمن اللغز المحير لدى تشيريان في أن شركات التوظيف ستأتي إلى حرمه الجامعي في الفصل الدراسي القادم للبحث عن مرشّحين، ويتوقعون أن يجدوا أكثر من مجرد ورقة (سيرة ذاتية) بيضاء فارغة.
ليس الطلبة من أمثال تشيريان وحدهم من يجدون مشقة عندما يتعلق الأمر بكتابة سيرة ذاتية متميزة. فيمكن لهذا الأمر أن يكون صعبا بالنسبة للأكثرية من الناس، ذوي المعدل المتوسط، أو معظم الناس. فلدى هؤلاء ما يكفي من الخبرة العملية لينجزوا المهام المطلوبة ويقوموا بعمل مثالي، لا أكثر، ولا أقل.
كيف إذاً يمكنهم ملء ذلك الفراغ في السيرة الذاتية، وخاصة عندما لا يكون هناك شيء استثنائي في أعمالهم أو مسؤولياتهم الروتينية؟
حل اللغز
يقول دان فاركاس، وهو مدرب للاتصالات الاستراتيجية بكلية “إي. دبليو. سكريبس” للصحافة في جامعة أوهايو الأمريكية “كل خبرة متاحة هي خبرة ذات صلة، إذا ما استطعت أن تحل اللغز.”
وللقيام بذلك، يقول لطلبته أن ينظروا أولا إلى المتطلبات المحددة للوظيفة. ويضيف في رسالة بريد إلكترونية “يمنحك هذا أساساً لتنطلق منه. تذكّر جيداً كل ما قمت به، وكيف سينعكس ذلك في عالم الوظيفة الجديدة.”
إذا كنت قد عملت في مطاعم التيك أواي، على سبيل المثال، يعني أنك كنت تتعامل مع مشتريات لمبيعات. ولعلك حاولت أن تبيع أكثر أو أغلى للزبائن، حسب قول فاركاس. ربما كان عليك أيضاً أن تتعامل مع شكاوى الزبائن، وربما قمت بمراقبة الجودة أيضاً. إذا ما كنت قد شاركت فيما مضى في جدولة الأعمال أو تدريب العاملين، فإن ذلك يعادل إدارة المشاريع أو إرشاد الآخرين، كما يقول.
ويضيف فاركاس: “هذه أمور يقوم بها العاملون مليون مرة في اليوم، ومن المحتمل أننا جميعاً اختبرنا ذلك ومررنا به. كل ما ينبغي علينا القيام به هو إيجاد سبل مبتكرة لإظهار وقول ما نريد.”
لا تستخف بقدراتك
تعتقد ميري غولدسميث، وهي مدربة للمديرين التنفيذيين في مدينة ملبورن الاسترالية، أنه بعد القيام بنفس الوظيفة لعدة سنوات، من السهل الاستخفاف بما قدمتَه من مساهمات للمؤسسة التي تعمل فيها. لكن من المهم أن نتذكر حالة التغيير المتواصل التي تطرأ على الأعمال والمؤسسات، مما يجعل أكثرية الموظفين يتعلمون أكثر مما يدركون ذلك.
تقول غولدسميث: “حتى لو بدا لك مجال العمل وكأنه لا يتغير، فإن مواكبة التقدم التقني وحده تأخذ وقتاً للتعلم والتطبيق بنجاح. والأمثلة على ذلك هي إدخال برامج تطبيقية جديدة في مجال المحاسبة أو نظام إدارة سجلات الموارد البشرية.”
وتشجع غولدسميث زبائنها على إدراج الأعمال الثانوية أو الإضافية الأخرى– وهي أي مشاريع أو لجان شاركوا فيها، إضافة إلى مسؤولياتهم الاعتيادية. يشمل ذلك أوقاتاً حلوا فيها محل مدير كان في إجازة مثلا، أو أداروا اجتماعا تشاوريا لفريق العمل، أو برنامج للتدريب.
إذا ما أرشدت في أي وقت مضى زملاء جدد، أو قدمت دعماً لعدد من المتدربين، “فإن ذلك يدل على مواصلة التعلم وتطوير القدرات والمهارات”، على حد قولها. كما يمكنك أن تذكر أي تدريب داخل الشركة أو المؤسسة وأي تنمية للمؤهلات والقدرات، إضافة إلى أية مهام تطوعية.
وتضيف غولدسميث “يمكنك إضافة جميع هذه الأنشطة باعتبارها إنجازات، وهي تعطي جاذبية لسيرة ذاتية قد تبدو مملّة من دون ذكر مثل هذه الأشياء.”
أبرز ما يمكنك القيام به
تقول شيخة أرورا، كبيرة مسؤولي التوظيف في شركة “إس. أي. بي. آسيا”، ومقرها سنغافورة إنها لاحظت ميلاً تجاه إجراء مقابلات التوظيف التي تستند إلى الكفاءة. وتعتقد أن ذلك تغيير مرغوب لمن ليست لديهم خبرة باهرة وملفتة.
وكتبت في رسالة بريد إلكترونية تقول “عندما لا تكون لديك إنجازات استثنائية تستحق الذكر، فإن عملية التجميل المطلوبة لسيرتك الذاتية تكمن في إبراز كفاءاتك ومهاراتك. يمكنك تدوين مثل هذه الأمور، وهي لا تعتمد على دورك الوظيفي فقط.”
هناك شيء مفقود
بدون خبرة وظيفية ذات علاقة بعمل تتقدّم له، أو إذا كانت خبرتك قليلة جدا– أو حتى بسبب شيخوخة تاريخك الوظيفي- يسهل الشعور بأن سيرتك الذاتية لا تتميز بشيء، كما تقول باتريس تاناكا، مؤسِّسة شركة “جويفُل بلانيت إل. إل. سي.”، وهي شركة تقدم استراتيجيات التدريب للمهن وإدارة الأعمال في مدينة نيويورك.
لكن هناك وسائل لتلافي ذلك، كما كتبت في رسالة بريد إلكترونية. فبدلا من أن تسطّر قائمة مؤرخة بوظائفك التي قمت بها، ادرج أموراً أخرى أكثر تشويقاً، وذات صلة، وقسّمها إلى أبواب متنوعة : ملخص بشهاداتك، مهاراتك الأساسية، حقل خاص تسميه “شيء عنّي” مثلا، وتقدم فيه مواهبك، وأنشطتك الاجتماعية، والجوائز، وشهادات التقدير التي حصلت عليها، وأي ثناء نلته من رؤسائك السابقين في العمل.
وتضيف تاناكا “إن تجميل سيرة ذاتية محبِطة بإضافة بضعة أبواب مثل هذه ستقدم صورة أكثر واقعية لقدراتك ومواهبك، بدلاً من التعريف بك فقط عن طريق تاريخ وظائفك التي مررت بها.”
وتعتقد أيضا أنه ينبغي عليك “إضافة التوابل” إلى سيرتك الذاتية، من خلال رؤيتك حول شخصيتك بشكل كامل، عوضاً عن إدراج تلك التفاصيل فقط في رسالتك الرئيسية.
“باعتباري أجرى مقابلات التوظيف، ومسؤولة عن تشغيل المئات من الموظفين، لأكثر من 30 عاماً في هذه المهنة، فقد كنت دوماً أبحث عن سيرٍ ذاتية تنفرد عن غيرها بكونها تحكي قصة مقنعة عن إنسان ما – بشكل كان يجعلني متشوقة لملاقاة ذلك الرجل أو المرأة. بالطبع، إن تلك هي الخطوة الأولى للتوظيف، فأكثر السير الذاتية الباعثة على الملل هي تلك التي تقدم تاريخاً وظيفياً بتسلسل زمني، ولا تعطي أي معنى عن مشاعر، وآمال، وأحلام، وغايات المترشح للوظيفة.”