الحكمة – متابعة: عندما يتصل عميل بالمستشار المهني آل ستيوارت ليستفسر منه عن مجال وظيفي مستقر، لم يكن أمام ذلك المستشار إلا أن يضحك قليلاً.
كتب ستيوارت، وهو مؤسس شركة “بيزنيس مينتور”، في رسالة بالبريد الإلكتروني: “تلك الأيام التي كنت تعمل فيها طوال سنواتك المهنية لشركة “آي بي إم” لتحصل في النهاية على ساعة “روليكس” هدية قد ذهبت بدون رجعة. فليست هناك مهنة لا تطالها يد التغيير، أو إعادة الهيكلة، أو المنافسة الدولية، أو تقادمها التقني.”
يصعب في وقتنا الحالي، أكثر من أي وقت مضى، أن تجد مهناً مستقرة لفترة طويلة. ومع ذلك، يوجد حل. فبدلاً من التركيز على مجالات عمل محددة، ينبغي للعاملين أن يبذلوا جهدا ليبنوا مهارات وخبرات قوية متنوعة، حتى يعززوا من قدراتهم، استناداً إلى قول خبراء التوظيف.
تطلّع إلى المستقبل
حتى إن لم تكن لديك كرة بلورية سحرية للتنبؤ بالمستقبل، يجب عليك أن تتطلع إلى المستقبل، كما يوصي ستيوارت، والذي يضيف: “عليك أن تكون مهيأً لإعادة تجهيز نفسك بالأدوات المطلوبة، ولإعادة صياغة حياتك المهنية، وأن تكون راغباً في تغيير توجهك، أو حتى اتخاذ خطوة محفوفة بالمخاطر، حتى تظل قادرا على تجاوز المنعطفات التي ستواجهك مهنياً.”
يعني ذلك أحياناً أن تقبل خوض عمل ما حتى إذا لم تكن متأكداً من نتيجته. وفي هذا السياق، تتذكر مونيكا أورايلي، المديرة بشركة “ديلويت آند توشي إل إل بي” تلقيها مكالمة هاتفية في بداية عملها المهني. كان ذلك صباح يوم سبت، عندما طلب منها المتحدث أن تسافر بالطائرة إلى كوريا يوم الاثنين التالي لتقود مشروعاً صعباً لمدة ستة أشهر.
ومع أن أورايلي كانت تحب أن ترأس وتقود فريق عمل، أدركت أن تغيير مكان العمل سيعني فقدانها الراحة المعهودة في وظيفتها.
وقد تبيّن لها لاحقا أن المشروع كان ناجحاً، وواتتها العديد من الفرص نتيجة لذلك. وتقول “كان مفتاح الحل هو رؤية الأمر باعتباره فرصة ذهبية للاستزادة والتطور، وذلك لإنجاز ما أحب – وليس فقط تأمل ساعات العمل الطويلة والفترة الزمنية الطويلة بعيداً عن الأهل، ومواجهة التحديات الاجتماعية والثقافية.”
لا تشعر بأنك في مأمن
غالباً ما يرتكب موظفون ذوي وظائف مستقرة خطأً ما، ومن بينهم أصحاب عقود من الخبرة في العمل، وذلك بظنّهم أن وظائفهم آمنة. ذلك ما كتبته كاثي كابرينو في رسالة إلكترونية، وهي تعمل مستشارة في شؤون النجاح المهني، وتقيم في ولاية كونيتيكت الأمريكية.
وتقول: “رأيت مئات ومئات من مديري الشركات من الرجال والنساء ممن تجاوزوا الخمسين عاماً وقد طُردوا من مراكزهم الوظيفية. كان ذلك فقط ما أيقظهم من غفوتهم ليدركوا أنهم لم يبنوا علاقات يستفيدون منها، ولم يحافظوا على تطوير مهاراتهم وتجديدها، ولم يتعلموا شيئاً عن الاتجاهات الجديدة في مجالات عملهم، ولم يظلوا قريبين من مناصريهم ومؤيديهم الذين كان بإمكانهم أن يعاونوهم.”
نهاية “وظيفة العمر”
وترى مايت بارون، المديرة التنفيذية لشركة “ذا كوبوريت إسكيب” التي تُعنى بالاستشارات المهنية في لندن، أنه يجب على العاملين أن يتعودوا على فكرة ممارستهم للعديد من الوظائف – ما بين 10 إلى 15 وظيفة- طوال حياتهم المهنية.
كتبت بارون في رسالة إلكترونية: “لن تكون هناك وظائف أو مهنٌ طوال الحياة. فالقواعد القديمة الخاصة بممارسة مهنة تقليدية أبدية، مثل الهندسة المعمارية والمحاسبة، والقانون، لم تعد تنطبق على أحد. حتى في أيامنا هذه، أصبح المحامون المبتدئون على سبيل المثال تحت التهديد، ويعود السبب في ذلك إلى أن كمّاً كبيرا من عملهم السابق في البحث والتحقيق أصبح يُنجز الآن عن طريق برامج كمبيوتر جديدة.”
أمر واحد مؤكد
تعتقد بارون أن هناك أمراً واحداً فقط نعرفه بالتأكيد عندما يتعلق الأمر بالمستقبل الوظيفي، وهو أن مواصلة التعلّم أمر ضروري حقا. وتقول: “سواء كان ذلك عن طريق التدريب أثناء العمل أو متابعة برنامج للتعلم يخصك، كل ما عليك القيام به هو أن تتحمل مسؤولية تطوير تفكيرك خارج الإطار التقليدي، وبعقلية مرنة متفتحة، بحيث تصبح مفضلا لدى أرباب العمل المحتملين، أو أن تصبح مؤهلا للتوظيف من الأساس.”
أين تبحث؟
ابتعد عن الوظائف التي يمكن للآلات والأجهزة أن تقوم بها. فاستناداً إلى التقرير الصناعي الأسترالي، فإن ما يقرب من نصف مليون وظيفة في ذلك البلد وحده قد تختفي نتيجة إدخال التقنيات المتقدمة والذكاء الصناعي خلال السنوات القادمة.
وفي عام 2013، صدر تقرير عن “برنامج كلية مارتن” بمدينة أكسفورد حول “تأثيرات تقنية المستقبل”، وكشف عن أن 45 في المائة من الوظائف الأمريكية تصنف ضمن الوظائف عالية المخاطر، وذلك بسبب إمكانية أن تحل محلها برامج الكمبيوتر خلال العقدين القادمين.
تقول بارون: “من المنطقي أن تركز على مجالات تقل فيها احتمالية الاستبدال عن طريق أجهزة الكمبيوتر والتطبيقات الإلكترونية في المستقبل القريب. يعني ذلك أهمية الوظائف التي تحتاج إلى التداخل والتفاعل البشري، والإبداع، والمهارات التقنية والفنية، مثل وظائف المدربين، والمعالجين، ومطوري برامج الكمبيوتر، ومهندسي أجهزة الروبوت.”
أنجز واجباتك اليومية
إذا كنت تبحث عن وظيفة لها إمكانية التطور على المدى الطويل، فلا تنتظر التوظيف في شركة حتى تتعرف على طبيعة العمل فيها، وذلك ما ينصح به إدّ فلايشمان، المدير التنفيذي لـ”مجموعة إكزيك-سيرتش”، وهي شركة توظيف في نيويورك.
كتب فلايشمان في رسالة إلكترونية: “خلال مقابلة التوظيف– وعن طريق بحثك في مواقع التواصل الاجتماعي للشركة، وآراء الناس عنها على موقع “غلاسدور”- ابحث عن إشارات تدلك على تقديم الشركة لدورات تدريبية، وعما إذا كانت تشجع على تطوير مهارات العاملين فيها.”
ويتابع: “إضافة إلى ذلك، لا تدع المجال لنفسك لتتأثر بالمال إذا ما شعرت بأن الشركة تقيّد تطورك، أو بأن طبيعة العمل فيها لا تتناسب مع متطلباتك.”
وإذا ما وجدت نفسك في حيرة بين اختيارات متعددة، ينصحك فلايشمان بالقول: “اختر الشركة التي تلائم ثقافتها احتياجاتك ومتطلباتك أنت. ففي نهاية المطاف، كلما ارتحت أكثر مع رب العمل والشركة التي تعمل فيها، ستكون مندفعاً أكثر للبحث عن فرص تطورك فيها.”
أمّن مستقبلك
وسع دائرة علاقاتك الاجتماعية، شخصياً وعلى مواقع الانترنت. على موقع “لينكد-إن” مثلا، عليك أن تكوّن عشرة علاقات أسبوعياً، وأن تنصح الآخرين، وترسخ العلاقات القوية، وتنضم إلى مجموعات النقاش المفيدة، وتشارك بالتعبير عن آرائك. وتكثّر من نشاطاتك الخارجية، وتحضر المؤتمرات واللقاءات، وغيرها من النشاطات الاجتماعية.
جدد معلوماتك. احضر الدورات والدروس، واحصل على شهادات جديدة، وحاول أن تلقي كلمة في إحدى الفعاليات في مجال الصناعة أو التجارة، وتابع التوجهات والصيحات الصناعية والتجارية الجديدة عبر وسائل الإعلام، وشاهد البرامج التلفزيونية الخاصة بها.
واصل مقابلات التوظيف. مهما كنت سعيداً ومرتاحاً في وظيفتك، حاول أن تحضر عدة مقابلات توظيف في العام الواحد. عليك أن تدرك قيمتك في سوق العمل، وما الذي عليك أن تقدمه، وأن تدرك قيمتك في نظر أرباب العمل الآخرين. حاول أن تفهّم طبيعة وظروف عمل الشركات الأخرى، وأن تدرك أين يمكن أن يكون موقعك المناسب بالضبط.
كن متنوعا. حاول أن تبني علاقات مع مجموعة متنوعة من الناس الذين بإمكانهم أن يدعموا تطورك ونجاحك.