أجانب في وطنهم.. الكورد الفيليون الشيعة لازال جرحهم يدمي
452
شارك
الحكمة – متابعة: منذ تهجير الكورد الفيليين قبل 35 عاما لا يزال الملف مفتوحا دون الحصول على حقوقهم واستعادة جنسيتهم العراقية وأملاكهم التي صودرت عنوة إبان نظام البعث. شاهدة عيان وناشطة مدنية تروي صورة للوضع.
فلا تزال ثناء البصام، أكاديمية وناشطة مدنية، وإحدى شهود ترحيل وتهجير الكورد الفيلية تحتفظ بمشاهد تلك اللحظات، تقول انه رغم مضي خمسة وثلاثين عاما على الكارثة ألا أنها لا تزال تشعر بالألم وتحس أن الجرح لم يندمل.
يتمركز الكورد الفيليون، وهم مسلمون شيعة وجزء من النسيج العراقي، في خانقين ومندلي وبدرة وجصان في واسط كذلك في البصرة وبابل وميسان والناصرية أيضا والنسبة الأكبر منهم في بغداد.
كانوا من وجهاء المدينة ورجال أعمال يسيطرون على معظم الأسواق التجارية في بغداد مثل الشورجة وجميلة. وفي إحصاء 1947 كان تعدادهم يقدر بأكثر من ثلاثين ألف نسمة.
وتعرض الكورد الفيليين لحملات التهجير والترحيل القسري في سنوات 1970 و 1980 وما بعدها, وتشير بعض الدراسات والتقارير إلى أن أكثر من ثلاثين ألف شخص كانوا ضحية الممارسات القمعية فيما تتباين أعداد الضحايا الذين اختفوا في السجون بين أثني عشر ألفا وسبعة عشرة ألف شخص.
تجربة شخصية مريرة
وتتذكر ثناء الكثير من الصور والمشاهد في ليلة الخامس – السادس من نيسان 1980، عندما قامت الأجهزة الأمنية لنظام صدام حسين بمداهمة العديد من منازل الفيليين في بغداد وتهجيرهم.
وتقول وكأنها تروي المأساة لأول مرة “كنت في قضاء النعمانية التابعة لمحافظة واسط آنذاك، كنت طفلة في السادسة من العمر، الحفيدة الأولى. في ليلة 6 نيسان 1980 كنت مع أختي الصغرى، نائمة في بيت جدي لأن والدتي كانت مسافرة إلى بغداد. كانت ليلة عادية، حيث المنزل مليء بأهله، صحوت على صوت رجال يرتدون الخاكي وبيدهم السلاح وقد دخلوا الغرفة وأشر أحدهم إلينا أنا وأختي سائلا خالتي، هل البنات لكم؟ ردت عليهم خالتي: كلا إنهم بنات الجيران”.
وتضيف ثناء “في الصباح رأيت أن المنزل يشهد فوضى.. كانوا قد اخذوا كل أفراد عائلة جدي وكانوا ستة أشخاص ثلاث خالات ووالدتهم واثنان من أخوالي وعلمت انه قد تم ترحيهلم من المنطقة ولكن لم أكن أفهم لماذا ولا إلى أين؟؟ شاهدت الجميع يبكي ويلطم وكأنهم في عزاء –وهم يقولون لي انه سفروهم. أرسلني أبي إلى المدرسة ربما ليبعدني عن رؤية أمي وهي تدخل بيت أهلها الذين لن تراهم بعد الآن. كنت ابكي في المدرسة باستمرار”.
العيش في نظام الرعب
تحاول ثناء أن تلملم أنفاسها وهي تتحدث عن الجريمة إذ تقول “بدأت رحلة الخوف بعد أن تشتتت العائلة، والدي ترك منزلنا المستأجر وانتقلنا إلى منزل جدي خوفا من مصادرته لأنه كان مسجلا باسم أبي ولكن بعد أسبوعين عاد البعثيون مرة أخرى، وطلبت منا قوات الأمن ترك المنزل مباشرة. تركنا الدار وكنا أربعة أطفال مع والدينا خرجنا للشارع حيث استولوا على كل ممتلكات المنزل وحتى جهاز الراديو الصغير الذي كنت احمله لم يسلم حيث أمرني رجل الأمن ممنوع أن تأخذوا شيئا”.
تهجير ممنهج
في 1970 بدأت أول حملة تهجير وشملت حوالي ألف عائلة من الكورد الفيليين لكن أمهلوهم وقتا ومجالا لجمع حاجياتهم وعاد العديد منهم إلى العراق بعد سنة أو سنتين، ورغم أن إيران كانت قد منحت بعضهم الجنسية في زمن الشاه إلا أنهم فضلوا العودة للعراق ليتم تهجيرهم مرة أخرى في الدفعات الأولى لعام 1980.
الكورد الفيليون أجانب في وطنهم
وتتابع ثناء انه “تمت عملية الترحيل بين ١٩٨٠-١٩٩٠ حيث صادر النظام كل شيء ولم يُسمح للكورد الفيليين ان يمتلكوا أية أوراق ثبوتية وللأسف لا يزال الفيلي يراجع شعبة الأجانب للحصول على أوراقه ومن مفارقات هذا الملف استخدام السلطات العراقية منهج مشابه للنازية، حيث قامت بعزل الآباء عن أبنائهم بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية. عن ذلك تقول ثناء “منعت السلطات الشباب من المغادرة مع عوائلهم المهجرة حيث كانت تزجهم في السجون ليصبحوا حقول تجارب للأسلحة الكيماوية كما أجريت عليهم التجارب البيولوجية. وبعد سنوات من الانتظار لم يحصل ذوو الشباب السجناء على علامة للحياة حتى بعد سقوط النظام الدكتاتوري في 2003 ويقدر عددهم باثني عشر ألف شاب ولم يعثر لهم على جثث ولا قبور فقام ذووهم بنصب مجالس العزاء في كل منزل.
ولا تخلو قصص المهجرين من معاناة مأساوية اضطروا معها إلى المشي على الأقدام أياما كاملة قبل أن يصلوا إلى بر الأمان في مدينة مهران القريبة من الحدود سيما بسبب التعليمات المغلوطة باتجاه السير، لتطول المسافة وتزيد المعاناة. فلا عجب إن لقي العديد من الأطفال والنساء والكبار في السن حتفهم في الطريق.
لم يتوفر الحل بعد
وتقول الناشطة أن من المفارقة أنه بعد مرور 35 عاما على الكارثة التي حلت بالكورد الفيليين فإن الحكومة العراقية لم تطرح بعد حلولا حقيقية لمشاكل إعادة الجنسية إليهم واثبات عراقيتهم إضافة إلى مشاكل إعادة الملكية والأملاك التي صودرت وما زالت معلقة. وتختتم اللقاء بقولها “أحس أنها قضيتي لأنني كنت ولازلت في خضم المأساة واشعر بتلك اللحظات المؤلمة لأنه لم يتم إنصاف الكورد الفيليين رغم زوال ظروف الفاجعة”.