دور النبي محمد وآل بيته (صلوات الله وسلامه عليهم) في المحافظة على سلامة اللغة العربية  

682

 

 اهتم الرسول الأكرم محمد ( ص ) والأئمة الأطهار ( ع ) باللغة العربية ، وسار على نهجهم بقية علماء المسلمين سواءٌ أكانوا عرباً أم أعاجم
اهتم الرسول الأكرم محمد ( ص ) والأئمة الأطهار ( ع ) باللغة العربية ، وسار على نهجهم بقية علماء المسلمين سواءٌ أكانوا عرباً أم أعاجم

الحكمة – (خاص) :

أ.م.د. نجم عبدالله الموسوي / كلية التربية جامعة ميسان ..

       اللغة الإنسانية على رأي أبو الفتح عثمان بن جني ( ت 392 هـ ) أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، واللغة هي (اللهج بالشيء)، وقولهم ( لغي بالأمر، إذا لهج به ، ويقال إن اشتقاق اللغة منه، أي يلهج صاحبها (1) ، ويذكرها ( الرازي ، 2006 ) بأن أصلها لُغي أو لُغو وجمعها لغى ولغات أيضًا، وقال بعضهم سمعت لغاتهم بفتح التاء، شبهها بالتاء التي يوقف عليها الهاء، والنسبة إليها لُغَويٌ ولا تقل لَغَويٌ (2) وهي كما يراها ( دي سوسر ) الذخيرة من الصور الصوتية الدالة والمخزونة فـي أذهـان الأفـراد في مجتمع ما (3) .

       واللغة نعمة إلهية لا تضاهى تميَّزَ بها الإنسان عن المخلوقات الأخرى وهي وسيلة فكرية لربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض عن طريق التواصل والتخاطب وتبادل الأفكار والآراء والمعلومات، وهي الأداة الفاعلة في حفظ التاريخ ونقله من جيل إلى آخر، وهي آية كبيرة من آيات الله الكبرى المتعددة  إذ قال تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ  } (الروم: 22 ) .

      ولا بد من الإشارة إلى أن كل أمة من الأمم  تفتخر بلغاتها وتحاول أن تتشبث بها لأنها هويتها وعنوانها ورمزها ، والعرب والمسلمون حالهم حال الأمم الأخرى افتخروا بلغتهم واعتزوا بها وحاولوا الحفاظ عليها وصيانتها، ولا سيما أن  الله جل وعلا شأنه أسند إلى اللغة العربية مهمة حمل القرآن الكريم، قال تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }، (يوسف:2) ، وكذلك أنهـا لغة الحديث النبوي الشريف ولغة أهل الجنة، كما صرح بذلك رسول الله ( ص ) ، عن ابن عباس ( رض) عن رسول الله ( ص ) أنه قـال: ((أحِبُّوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي )) (4) .

       واللغة العربية إحدى اللغات العالمية الحية التي تتبوأ مكانة بارزة بين اللغات العالمية الأخرى، وهذه المكانة الجليلة نبعت من أهمية الأمة العربية كونها الأمة  التي كُرِّمت بحمل الرسالة السماوية وتبليغها إلى البشرية كافة بعد أنْ شرفها الله تعالى وأنزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين .

      وهي أداة التفاهم والتعبير بين أبناء الأمة العربية، والتي امتازت عن بقية اللغات بتأريخها العريق ومكانتها الأدبية وحضارتها الأصيلة وعراقتها وقدمها، فلها جذور ضاربة في التاريخ، وهي لغة معطاء متفاعلة قادرة على مواكبة التطور الحاصل في مختلف ميادين العلم والمعرفة، فهي خير وعاء لماضي العرب وخير معبر عن حضارتها العريقة، ولها مكانتها الشريفة بين لغات العالم المختلفة، وذلك لأنها تتميز عن غيرها بارتباطها بكتاب الله (القرآن الكريم) الذي أعطاها الحيوية وجعل لها مكانة معروفة وبارزة بين اللغات العالمية الأخرى، إذ أخذت على عاتقها – كما أشرنا – حمل الرسالة السماوية بتفاصيلها كافة وتبليغها إلى البشرية كافة بعد أنْ شرفها الله تعالى وأنزل القرآن الكريم بلسان عربي مبين ، قال تعالى :{ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ  الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ  بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } ،(الشعراء: 192-195) ، وقال تعالى : { لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إلية أعجمي وَهذَا لِسَانٌ عَرَبيٌّ مُبيِنٌ } (النحــل: 103 ) ، وقال تعالـى: (( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنـاً عَرَبِيّـاً لَعَلَّكُـمْ تَعْقِلـُون َ)) (الزخرف :الآية 3 ) .

      وعليه لا بد أن تكون محط عناية أبنائها والناطقين بها والاهتمام بها وتفعيل عملية المحافظة عليها لمكانتها وقدسيتها وكرامتها التي منحها الله لها .

         ولا بد من الإشارة إلى أن أول عملية محافظة على اللغة العربية قد صدرت من الرسول الأكرم محمد (ص) إذ روى أبـو الدرداء عن رسول الله (ص) أنه قال (( أرشدوا أخاكم فقد ضَلَّ )) لأنه سمع رجلًا يلحن بحضرته (5) وروي عنه( ص )  أنه قال: (( جمال الرجل فصاحة لسانه )) (6) ، وأنه قال ( ص ) : (( رحم الله امرءًا أصلح لسانه )) (7).

      وكذلك يشير ( الترجمان) إلى أن الجهد الأبرز لصيانة اللغة العربية هو جهد الإمام علي (ع) في وضعه علم النحو وسن قواعد اللغة العربية ، وكان حافز الإمام علي ( ع ) في ذلك هو المحافظة على قراءة القرآن بصورة صحيحة وصيانة اللغة العربية، وذلك عندما سمع أعرابياً يقرأ: ( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئينَ ) بينما الصحيح هو  قوله تعالى: (( لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ )) (الحاقة: 7 ) (8) .

        وذكر ( الكعبي ، 1429هـ ) أنه بعد توسع الفتوح الإسلامية واختلاط العرب بغيرهم من الأقوام المجاورة ، وشيوع اللحن على الألسن ، ازدادت الحاجة إلى وضع ضابطة تعصم اللسان من اللحن ، ومن هنا لقن أمير المؤمنين ( ع ) أبا الأسود الدؤلي ( رض ) قواعد اللغة العربية ، فنقط المصحف نقاط الإعراب ، ليقوّم ما فسد من اللسان ويحافظ على لغة القرآن فهو ( ع ) أول من سَنَّ العربية ووضع قواعد نحوها، وألقى أُصوله وجوامعه إلى أبي الأسود الدؤلي ، باتفاق أغلب علماء اللغة ومؤرخيها (9) .

       ولا ننسى أن هناك أحاديث صدرت من الأئمة المعصومين ( ع ) بشأن اللغة العربية تفصح عن اهتمام كبير واحترام وقدسية تنبع من حرصهم على المحافظة على اللغة العربية والعناية بها ومن هذه الأحاديث :

        ما روي عن جميل بن دراج قال :  قال أبو عبد الله الصادق (ع) : ((  أعربوا حديثنا ، فإنا قوم فصحاء )) (10)  .

      وروى الشيـخ الصدوق ( رض ) عن الإمـام الصـادق ( ع ) أنه قال : (( تعلموا العربية فإنها كلام الله الذي كلم به خلقه ))(11) .

      وعن  الإمام الصادق ( ع ) قال : (( نحن قوم فصحاء ، فإذا رويتم الأخبار عنا فأعربوها )) (12) .

وعن الإمام الجواد (ع) أنه قال : (( إن الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله عز وجل )) (13) .

      فضلاً عن الكثير من الروايات الصادرة عن النبي الأكرم وعترته الطاهرة التي قد لا يسع المجال لذكرها ، والتي تؤكد أن هناك اهتمامًا كبيرًا في الحفاظ على اللغة العربية كانت بدايته على يدي الرسول الأكرم محمد ( ص ) وأكمله الأئمة الأطهار ( ع ) ، وسار عليه بقية علماء المسلمين سواءٌ أكانوا عرباً أم أعاجم .

      ونستنتج مما سبق أن هناك اهتماماً فائق النظير صدر عن الرسول الكريم محمد ( ص ) وعن عترته الأطهار (ع) في القيام بأول مبادرة علمية وموضوعية للحفاظ على لغة القرآن الكريم باعتبارها الهوية الحقيقية لشخصية الفرد المسلم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش:

(1) الخصائص /أبن جني ،  ص 34.

(2) الرازي ، 2006 ، مادة لغة ، ص 344 .

(3) علم اللغة العام /سوسر دي ، 1985 ص 30 – 31.

(4) المستدرك على الصحيحين/ النيسابوري  ، ج 4 ص 87.

(5) المستدرك على الصحيحين /النيسابوري  ، ج2 ص 439.

(6) المزهر في علوم اللغة وآدابها / السيوطي ، 1981 ،ج 1 ، ص 557.

(7) كشف الخفاء /العجلوني ،  ج1 ، ص 334.

(8) تأريخ الأدب الإسلامي /عباس الترجمان ، ص 386.

(9) معالم الإصلاح عند أهل البيت ( ع )/ الكعبي ، ص 152.

(10) الكافي/ الكليني ، ج 1 ، ص 52.

(11) الخصال/ الصدوق ، حديث رقم 134 ، ص 258.

(12) السرائر /ابن ادريس الحلي  ، ج 2 ، ص 155.

(13) السرائر /الحلي ، د.ت ، ص 19 – 20.

   (مجلة ينابيع/ العدد61 )

ض ح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*