أزمة السكن في النجف ..الروتين وموجة النزوح أحد أسبابها

364

مشاريع سكنية
مشاريع سكنية

النجف الاشرف – حسين الكعبي

لا تزال ازمة السكن في العراق عموماً وفي محافظة النجف خصوصاً تؤرق الحكومات المتعاقبة والجهات المختصة، فالزيادة السكانية المتسارعة نتيجة الولادات والاستقطاب الاقتصادي والتجاري الذي تمثله النجف اضافة الى توافد النازحين اليها من المناطق الساخنة، ادى الى تفاقم ازمة السكن فيها ولم تفلح حتى الآن الحلول التي اتبعتها الحكومة في حل هذه الازمة سواء عن طريق الاستثمار او عن طريق توزيع قطع الاراضي السكنية، فما زلنا نرى بوضوح ظاهرة انشطار المنازل الى مشتملات وشقق عدة، ليصبح المنزل الواحد سكناً لعوائل عدة تصل الى خمس او ست عوائل، فيما يفترض ان يكون المنزل سكناً لعائلة واحدة، ولا يخفى ما لهذه الظاهرة من آثار سلبية على واقع الخدمات المقدمة للاحياء السكنية مثل الخدمات البلدية والكهرباء والماء والتعليم والصحة والبيئة، اضافة الى التجاوز على الاراضي الزراعية وتجريف البساتين وتحويلها الى مناطق سكنية.

معرقلات الروتين

ولمناقشة واقع الحلول الذي اتجهت اليه الحكومات المحلية المتعاقبة في النجف، القينا الضوء على الاستثمار في قطاع السكن بوصفه احد الحلول التي طرحت لحل هذه الازمة، فوجدنا ان هيئة استثمار النجف منحت رخصاً استثمارية لنحو 38 مشروعاً سكنياً لتوفير ما يقارب من 55 ألف وحدة سكنية عن طريق الاستثمار، الا ان معظم هذه المشاريع غير منجزة حتى الآن وواجهت تلكؤات وعراقيل كبيرة في العمل. وقال نائب رئيس هيئة استثمار النجف ضرغام كيكو “هناك 20 مشروعاً استثمارياً في قطاع السكن تمت المباشرة بها فعلياً، منها ما هو منجز مثل مجمع المناذرة السكني، ومنها ما بلغ مراحل متقدمة في الانجاز مثل مجمع بيتي السكني الذي بلغت نسبة انجازه 90 بالمئة، وقرية الغدير ونسبة انجازها 85 بالمئة، ومجمع قنبر ونسبة انجازه 75 بالمئة، اما بقية مشاريع السكن فتتراوح نسب انجازها من 10 الى 60 بالمئة “. مشيراً الى ان باقي الرخص الاستثمارية التي منحت لمشاريع سكنية لم تحصل حتى الآن على تخصيص قطع الارض للمباشرة بالعمل. ورغم نسب الانجاز المتحققة الا ان المواطنين والمتقدمين للحصول على وحدات سكنية في هذه المشاريع يشكون من ارتفاع اسعارها واقساطها العالية، اضافة الى التلكؤ في العمل ومشاكل اخرى طرحها المستفيدون من مجمع قرية الغديرعلى سبيل المثال. ورداً على ذلك يبين كيكو “أن ابرز المشاكل التي تواجهها مشاريع الاستثمار هي البيروقراطية والروتين الاداري، فهي تعرقل الكثير من المشاريع ومنها بطبيعة الحال مشاريع السكن”، مضيفاً “توجد ايضاً مشكلة في تسويق الوحدات السكنية وبيعها وقد وضعنا الحلول لها من خلال عقد استثماري سيتم تطبيقه في مجمع (بيتي 2)، اذ سيكون الدفع على شكل اقساط شهرية لا تتجاوز 600 الف دينار شهرياً على مدى 15 سنة وبدون مقدمة، وقد وضعنا ضوابط في عقود تسويق الوحدات السكنية تحقق التوازن ما بين مصلحة المستثمر ومصلحة المستفيد”. اما بالنسبة لمجمع قرية الغدير، اشار كيكو الى “ان المشروع سلم نحو 2000 وحدة سكنية للمستفيدين، وهناك 700 وحدة اخرى قيد الانجاز، اما التأخير فهو بسبب الوضع الامني اذ تم تهجير العمالة الاجنبية ، كما ان الكثير من العمال العراقيين تطوعوا في الحشد الشعبي لمحاربة الارهاب”.

المستفيدون من مشاريع السكن

من جانبه أوضح الموظف ذو الفقار العذاري احد المستفيدين من قرية الغدير السكنية “ان الوحدات السكنية التي تم تسليمها هي بحدود 700 وحدة سكنية ، ولكن حتى الآن لم تسكن جميعها فالساكنون لا يتجاوز عددهم 150 عائلة ، لأن المنازل التي سلمت فيها نواقص لا بد من اكمالها لغرض السكن”، مبيناً ان “الشبابيك بدون اغلفة كما ان ابواب الغرف بدون اقفال اضافة الى وجود خلل في المجاري ففي احد (البلوكات) طفحت المجاري، وليست هناك حتى الآن اسواق لذلك عمد احد سكان المجمع الى فتح محل مواد غذائية من منزله فيما تحولت بعض الوحدات السكنية الى محال تجارية، كما لا توجد مدارس سوى مدرسة اهلية ولم توافق عليها وزارة التربية حتى الآن وتحول احد المنازل الى روضة للاطفال”. ويضيف العذاري ان المشكلة الاهم التي تواجهنا هي باقي المبلغ الذي وضعت عليه فوائد عالية جداً من قبل المصرف، مشيراً الى ان “المشاكل التي واجهتنا مع مجمع قرية الغدير تجعل المواطن يتردد كثيراً قبل التوجه الى شراء سكن عن طريق الاستثمار”.

آليات جديدة للاستثمار

ويؤكد الخبير الاقتصادي محمد رضا السيلاوي ان الاستثمار لم ينجح في حل ازمة السكن، فرغم العدد الكبير من الاجازات الاستثمارية الا ان المشاريع المنفذة على ارض الواقع لا تتجاوز عدد الاصابع ، مشيراً الى ان هذا الامر لا يتعلق بالمشاريع السكنية بل ينسحب على مشاريع الاستثمار في مختلف القطاعات، لذلك نحتاج الى آليات جديدة للاستثمار ، ونحتاج الى مستثمرين حقيقيين لا يعتمدون فقط على القروض التي توفرها لهم المصارف. واضاف السيلاوي ان الروتين والعراقيل التي توضع امام منح الاراضي للمستثمرين من اهم الاسباب في تأخير حل ازمة السكن، وعلى الحكومة تقديم تسهيلات اكثر للمستثمر العربي والاجنبي وتهيئة ارضية ملائمة للاستثمار.

مناطق نائية

ورغم الحاجة الكبيرة للسكن في النجف الا انه ليست هناك احصائية دقيقة للحاجة الفعلية، وذلك بسبب كثرة العوائل المهاجرة الى النجف، اما للعمل او هرباً من الاوضاع الامنية المتردية في بعض المحافظات، فاحصائية وزارة التخطيط لعام 2010 تشير الى ان النجف بحاجة الى نحو 24 الف وحدة سكنية ، بينما تشير احصائيات هيئة الاستثمار الى ان النجف بحاجة الى اكثر من 50 الف وحدة سكنية ، وترى جهات رسمية اخرى ان هذه الحاجة ارتفعت مع موجة النزوح الاخيرة التي احتضنت فيها النجف اكثر من 13 الف عائلة نازحة من المناطق الساخنة.

وقد ذهب الاتجاه الثاني لحل ازمة السكن الى توزيع اراض سكنية على المواطنين، وقد نفذت هذا الحكومة المحلية في الدورة قبل السابقة عندما صدر قرار من مجلس الوزراء بتوزيع اراض سكنية على ذوي الشهداء، والسجناء السياسيين، والمهجرين، والموظفين، وقد وزعت الحكومة المحلية آنذاك اكثر من 11 الف قطعة ارض سكنية في عموم محافظة النجف، الا ان عملية التوزيع توقفت اواخر عام 2008 ، وتوجهت الحكومة المحلية التي تلتها الى معالجة ازمة السكن من خلال الاستثمار، الا انها لم تنجح في ذلك، فكانت مبادرة السكن التي اطلقتها الحكومة المركزية مطلع عام 2014 في عموم العراق، وبالفعل فان الحكومة المحلية في النجف تمكنت من فرز نحو خمسين الف قطعة ارض سكنية لغرض توزيعها بين المواطنين، الا انها لم توزع منها حتى الآن سوى 4500 قطعة ، مع ملاحظة ان توزيع قطع الاراضي السكنية لم يوفر العلاج الناجع للمشكلة، فالمستفيدون من التوزيع بدؤوا ببيع الاراضي التي حصلوا عليها ولم يقوموا ببنائها.

عشوائية البناء

ويشير سليم الخاقاني وهو صاحب مكتب عقار الى ان “معظم الذين حصلوا على قطع اراض قاموا بعرضها في مكاتب بيع العقارات، واسعار هذه القطع تتراوح ما بين 15 الى 20 مليون دينار، لذلك لم توفر هذه الاراضي حلاً حقيقياً لأزمة السكن وانما اثرت سلباً على سوق العقارات التي تمر بركود اساساً”. ويرى الخاقاني ان توزيع الاراضي بهذه الطريقة يزيد من عشوائية البناء والتجاوز، فالاراضي الموزعة تقع في مناطق بعيدة جداً لا تصلها خطوط النقل ولا تتوفر فيها اية خدمات، فكيف يمكن لاية عائلة ان تسكن في الصحراء بدون ماء وكهرباء وبدون مدارس او مراكز صحية؟ لذلك تحولت هذه الاراضي الى سلع للمتاجرة بها في مكاتب الدلالين، وبدأ الذين لديهم اموال يشترونها ويتركونها للمستقبل عندما تصلها الخدمات فترتفع اسعارها، لذلك لم تستفد العوائل الفقيرة منها لانها لم تتمكن من البناء والعيش في تلك المناطق.

اما حوراء جبار – وهي موظفة – فتعتقد ان الحل لأزمة السكن هو في بناء مساكن واطئة الكلفة. لافتةً الى ان على الحكومة ان تتبنى هذا النوع من المشاريع السكنية، والا فان الاستثمار وتوزيع قطع الاراضي في مناطق نائية لا يوفر حلاً للازمة، مضيفة “ان الاستثمار يتطلب مبالغ كبيرة لشراء الوحدات السكنية، وهو ما لا يتمكن منه الفقراء ومحدودو الدخل، اما الشقق التي قامت ببنائها وزارة الاسكان فهي قليلة جداً ولا تسد حاجة المواطنين”، وبشأن توزيع الاراضي قالت “حتى لو استلمت قطعة ارض كيف يمكنني بناؤها فالقروض المصرفية متوقفة، وان توفرت فان فوائدها عالية وفترة السداد قليلة لذلك سأضطر الى بيع قطعة الارض لشراء مشتمل صغير قد لا تتجاوز مساحته خمسين متراً مربعاً، وبذلك يستمر الاكتظاظ والاختناق في المناطق السكنية نفسها الموجودة حالياً” .

وتشير حوراء الى ان الحكومة لو قامت ببناء الف وحدة سكنية واطئة الكلفة في كل عام منذ عام 2003 حتى الآن ، لوفرت اكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية وهي تسد الكثير من حاجة المواطنين، الا ان المسؤولين ـ والكلام لحوراء ـ لا يقومون بهذه المشاريع لأنها لا توفر لهم العمولات والصفقات المربحة، ومع الاسف فان الفساد المستشري في مفاصل الدولة منع من اقامة الكثير من المشاريع المفيدة للعوائل الفقيرة ومحدودة
الدخل.

المصدر”صحيفة الصباح”

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*