وفاة أبي طالب (عليه السلام) عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم

473

m-23-06-2015-11

وفاة أبي طالب (عليه السلام) عمّ النبي (ص)

نسبه: كان لعبد المطلب ( شيبة الحمد) بن هشام عشرة أولاد، هم: الحارث، والزبير، وأبو طالب، وحمزة، والغيداق، وضرار، والمقوّم، وأبو لهب، ( واسمه عبد العزّى)، والعباس، وعبد الله. وكان أبو طالب وعبد الله إبني أم واحدة هي فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران.

اسمه : عبد مناف

كنيته: أبو طالب

مولده: ولد قبل مولد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بخمس وثلاثين سنة

ألقابه: سيد البطحاء , شيخ قريش , رئيس مكة.

زوجته: تزوّج أبو طالب فاطمة بنت أسد، وهو أول هاشمي تزوّج بهاشمية، فولدت له أكبر أبناءه ( طالب ) وبه يكنى، وعقيل، وجعفر، وعلي، ومن الاناث: أمّ هاني واسمها (فاخته)، وجمانة، وكانت فاطمة بنت أسد بمنزلة الام لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )، رَبَى في حجزها، فكان يسمّيها أمي، وكانت تفضّـله على أولادها في البرّ.

حب النبي محمد (ص) له:

نشأ النبيّ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكبر في كفالة أبي طالب ورعاية ـ بعد كفالة جدّه عبد المطلب ـ وبرّ وحنوّ زوجته فاطمة بنت أسد، ثم تزوج خديجة، ثم بُعِث ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رحمة للناس كافة، فذاع صيته وكبُرت دعوته وعمّه أبو طالب وأبناءه حرّاسه الامناء والمدافعين الصلباء عنه، وبعد خروج بني هاشم من الشعب بشهرين ـ على الاكثر ـ مرض أبو طالب، فد دخل ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عليه وهو على فراش الموت فمسح جبينه أربع مرات، ثم خاطبه بقوله: « يا عم، ربيت صغيراً، وكفلت يتيماً، ونصرت كبيراً، فجزاك الله عني خيرا ».

وفاته:

ولم يمهل القدر سيد قريش ورئيس مكة ـ الذي ساد بشرفه لا بماله ـ فمات في السابع من رمضان سنة عشرة للبعثة النبوية الشريفة وعمره آنذاك ست وثمانون سنة ـ وقيل تسعون سنة ـ، نعم مات المربي والكافل والناصر، فيا لها من خسارة جسيمة ونكبة عظيمة، و يا لها من أيام محزنة يفتقد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فيها سنده القوي وملجأه الأمين من عتاد قريش.

وحينما أعلم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، قال لابنه:‹‹ امض يا علي فتولّ غسله وتكفينه وتحنيطه، فإذا رفعته على سريره فاعلمني››. ففعل ذلك، فلما رفعه على السرير اعترضه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:‹‹ وصلتك رحم، وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربيت وكفلت صغيراً، ووازرت ونصرت كبيراً››، ثمّ أقبل على الناس وقال:‹‹ أنا والله لأشفعنّ لعمي شفاعة يعجب لها أهل الثقلين››.

عام الحزن:

وتكالبت قريش ونالت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغيتها وأصابته بعظيم الاذى بعد فقد الحارس الامين والناصر لدين الله سيد البطحاء ابو طالب(رضوان الله عليه)، فقال صلى اله عليه وآله وسلم): ‹‹لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم…›› .

وتوالت الاحزان والآلام على النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتموت خديجة بعد ثلاثة أيام؛ سكنه الامين وساعده الاخر التي تطمئنه وتصبّره وتقاسِمه الآلام والمحن، فيالها من صدمة عاطفية جسيمة وخسارة معنويّة عظيمة، ويا لها من أيام مُحزنة يفتقد فيها ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ساعداه اللذان بهما نبتت بذرة الشريعة الإسلامية وانتصب كيانها، فعبّر عن ذلك بقوله:‹‹ اجتمعت على هذه الامّة في هذه الايام مصيبتان لا ادري بأيهما أنا أشدّ جزعاً››.

كفالة أبي طالب للنبيّ (ص) :

مات عبد الله بن عبد المطلب والنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حمل في بطن أمه، وحينما ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) تكفله جدّه عبد المطلب واسمه (شيبة الحمد) بن هاشم، ولما حضرة الوفاة عبد المطلب أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وحياطته وكفالته وكان عمره(صلى الله عليه وآله وسلم) ثماني سنين. ولم يكن أبو طالب أكبر إخوته سناً، ولا أكثرهم مالاً، ولكن عبد المطلب اختاره لما توسّمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم)، ولأنه كان على فقره أنبل اخوته، وأكرمهم، وأعظمهم مكانة في قريش واجلّهم قدراً. فكفله أبو طالب وقام برعايته أحسن قيام. وكان أبو طالب يحبّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حبا شديداً، وفي بعض الاحيان إذا رأى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي ويقول: إذا رأيته ذكرت أخي عبد الله، وكان عبد الله أخاه لأبويه. كما كان يفضله على أولاده ويحافظ عليه، وكان لا ينام إلا إلى جنبه، ولا يخرج إلا معه محافظة عليه، وكان يخصّه بالطعام، وكذلك كانت زوجته فاطمة بنت أسد، فيصبح رسول اله(صلى الله عليه وآله وسلم) كحيلاً دهيناً بينما أولادها رمصاً شعثاً.

واستسقى أبو طالب بالنبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وهو صغير، فأقبل السحاب من هنا وهناك وأغدق فأخصبت الارض. وفي ذلك يقول أبو طالب:

وأبيض يستسقي الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وبعد ما بعث النبيّ رحمة للعالمين كان أبو طالب هو الناصر الوحيد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمحامي عنه والمُـتحَمّـلُ لعظيم الأذى من قومه في سبيله والباذل أقصى جهده في نصرته فلم يصل لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من قومه سوء مدّة حياة أبي طالب.

حصار كفار قريش لبني هاشم في شعب أبي طالب:

ما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يصدع بما أمر، ويظهر دين الله على رؤوس الاشهاد … ذكر( صلى الله عليه وآله وسلم ) آلهة قريش وعابها، وعظم ذلك على قريش وأجمعوا على عداوته وخلافه وأرادوا به السوء، فلم يتمكنوا من ذلك وسيد البطحاء ورئيس مكة حصنه وملاذه والمدافع عنه، فعند ذلك تنابذ القوم وثارت الاحقاد ونادى بعظهم بعضاً فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين تعذبهم وتفتنهم عن دينهم الجديد، وهمّت قريش بقتل رسول الله وأجمع ملأها على ذلك، وبلغ ذلك أبا طالب، فقال:

والله لن يصلوا إليـك بجمعهـم***حتى أغيّب في التراب دفينا

وَدَعْوَتني وزعَمتَ أنك ناصح***ولقد صدقت وكنت ثمَّ أمينا

وعرضت ديـناً قـد علمت بأنه***من خـيـر أديان البريّـة ديـنا

ولما علمت قريش إنهم لا يمكنهم الوصول إلى النبي محمّد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبو طالب موجود ومن خلفه بنو هاشم، ضيّـقت الخناق على بني هاشم وذلك بمقاطعتهم وعدم المعاشرة والتعامل معهم، وتعاقدت على ذلك وكتبت صحيفتها السوداء الظالمة وختموها بثمانين خاتماً وعلّـقوها في الكعبة، وحينما رأى بنو هاشم هذا، انحازوا وبنو عبد المطلب فد خلوا كلهم مع أبي طالب في الشِعبْ فكانوا أربعين رجلا ما عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وذلك في بداية شهر محرّم(عام7 للبعثة).

وحصّن أبو طالب الشّعْب حفاظاً على من فيه، وكان يحرسه ويتفقده بنفسه يساعده أولاده بالليل والنهار، وضاق الامر ببني هاشم، وعدموا القوت إلا ما كان يُحمَـل لهم سرّاً وخفية، وأنفقت خديجة مالها، كما أنفق أبو طالب ما لديه من مال، وكانوا لا يأمنون إلا بموسم العمرة والحج.

ثم كانت عاقبة الذين ظلموا … فشلّت يد كاتب الصحيفة ـ منصور بن عكرمة بن عامر ـ وبعث الله الارضة على صحيفتهم الظالمة فأكلتها إلا اسم الله. وأعلمَ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عمّه أبو طالب بذلك; فذهب أبو طالب وأخبر قريش بعملهم الظالم وما سببوه من أذى وظلم وقطع للأرحام لبني هاشم وان الله لا يرضى بعملهم ولا يرضى به أي منصف، واستدلّ عليهم بصحيفتهم وما أخبره النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عنها، فَبَهَتَ القوم، وجَـلبوا الصحيفة وفتحوها فكانت قد أكلتها الارضة إلا اسم الله كما أخبرهم بذلك أبو طالب … فحينذاك دخل أبو طالب وأصحابه بين أستار الكعبة وقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحلّ ما يحرم علينا، ثم انصرف إلى الشعب.

واختلفت قريش، وعلم البعض بالظلم الذي لحق ببني هاشم; فتعاقد هذا العدد القليل على نقض الصحيفة، ثم أقبلوا على الناس وزعماء قريش وأعلنوا نقضهم للصحيفة. وبين الاخذ والردّ في الكلام، مُزّقتْ الصحيفة التي كانت قد أكلتها الارضة، فلما مُزّقتْ … خرج بنو هاشم من حصار الشعب. وذلك في نهاية شهر جمادي الآخرة وبداية رجب(عام 10 للبعثة) ـ على الأكثرـ.

ايمان أبي طالب:

لما بعث النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى البشرية مبشراً ومنذراً ، صَـدّقه أبو طالب وآمن بما جاء به من عند الله، ولكنه لم يظهر ايمانه تمام الاظهار بل كتمه; ليتمكن من القيام بنصر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن أسلم معه، فإنه إن أظهر إيمانه إظهاراً تاماً كان كأحد المسلمين الذين اتبعوا الدين الجديد وبالتالي تـتـقطع الخيوط والروابط التي تربطه بقريش ودينها ورجالاتها. فما دام مُظهراً لمذهب قريش يكون أشدّ تمكناً من المحاماة والدفاع عن النفر القليل الضعيف الذي أسلم، إضافة لذلك، فإنه إن أظهر الإسلام لأزدادت نفرة قريش وبغضها له، ولأعتبر كأحد المسلمين الذين اتبعوا الدين الجديد ونكل دينهم، ولأرتفع حجاب المراعات والمدارات بينه وبينهم تماماً فينابذوه بالقتال، فيُـقتل، ويُـقتل محمد ( صلوات الله عليه وآله وسلم ) ويُـقبَر الدين الجديد … وهذا ما تريده قريش. فما دام أبو طالب على دينهم ظاهراً يكون لهم بصيص أملٍ في أن يسلّمهم ابن أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليقتلوه. ولذلك كانوا لا يفترون عن المطالبة بمحمد بكل ما يستطيعون من مال وجاه ومقابلة وعوض …الخ. ومن جهة أخرى، لو كان أبو طالب غير مؤمن بما جاء به محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعمل على تكذيبه، وتسليمه إلى قريش ولا يتحمل تلك المعاناة والمآسي التي مرّت به في الشعب وفي غيره.

اضافة إلى ذلك، لو تتبعنا أبو طالب في أخلاقه وأفعاله وسيرته وسلوكه وتربيته و.. و… قبل البعثة، لوجدناها هي نفس السيرة والسلوك والاخلاق والافعال التي كان عليها النبيّ محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم )، وهي نفسها تعاليم الدين الإسلامي الجديد المستمدّة من دين إبراهيم ( عليه السلام )، ومعنى ذلك إنه لم يكن يعبد الاصنام، بل كان يعبد الله ويوحّده على الدين الذي جاء به إبراهيم ( عليه السلام )، وخير دليل على ذلك هو خطبته التي القاها في طلب يد خديجة لابن أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قبل أن يبعث بخمسة عشر عاماً.

لقد صرّح أبو طالب عما في داخل نفسه وما يؤمن به في اشعاره الكثيرة المشحونة بالإقرار على صدق النبي وحقيقة دينه. ناهيك عن الروايات الواردة عن النبي الأكرم وأهل بيته المعصومين ( عليهم السلام ) في شأن إيمانه.

الأدلة على إيمان أبي طالب:

1 ـ وجود روايات كثيرة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) تدلّ على إسلامه بل إيمانه، نذكر منها:

أ ـ روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنه قال: ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من نفسه الرضا.

وطبيعي أن رسول الله(صلى الله عليه وآ له وسلم)لا يرضى عن غير المؤمنين.

ـ روي عن أبي عبد الله جعفر الصادق(عليه السلام) قوله: « إن مثل أبي طالب مثل أصحاب الكهف أسَرّوا الايمان وأظهروا الشرك، فاتاهم الله أجرهم مرتين ».

ـ وعن الشعبي، يرفعه عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال: « كان والله أبو طالب بن عبد المطلب بن عبد مناف مؤمناً مسلماً يكتم ايمانه; مخافة على بني هاشم أن تُـنابِذَها قريش … » الغدير: 7 / 388.

ـ وجود روايات كثيرة عن صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تدلّ على إسلامه بل إيمانه، نذكر منها:

ـ عن حماد بن سلمة عن العباس بن عبد المطلب، قال: قلت لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يا ابن أخي ما ترجو لابي طالب عمك. قال: أرجو له رحمة من ربّي وكل خير.

ـ ما رواه ابن عمر في إسلام أبي قحافة يوم الفتح بقول أبو بكر: « … والذي بعثك بالحق لأنا كنت بإسلام أبي طالب أشدّ فرحاً مني بإسلام أبي… ».

ـ إجماع علماء الشيعة على اسلامه بل إيمانه واجماعهم حجّة… ووافقنا على إسلامه جماعة من علماء أهل السنّة، إلا أن جمهورهم على خلاف ذلك. كما وافقنا على إسلام أبي طالب أكثر الزيديّة وبعض شيوخ المعتزلة وجماعة من الصوفيّة، وغيرهم .

ـ أقواله(رضوان الله عليه)، منها: خطبته التي القاها حينما طلب يد خديجة لابن أخيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حيث يقول في آخرها « … وما أحببتم من الصداق فعليّ، وله والله نبأ وخطب جليل ». فنراه يعلم نبأه الشائع وخطبه الجليل ثم يعانده ويكذّبه وهو من أولي الالباب؟!! فهذا غير سائغ وغير مقبول لدى العقلاء.

5 ـ أشعاره الكثيرة والمشهورة التي لا تحصى تنْبِؤ عن إسلامه، منها:

ألا أبلغا عني على ذات بينها***لؤياً وخصا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا: أنا وجدنا محمداً***نبياً كموسى خطّ في أول الكتب

وقوله:

نبي أتاه الوحي من عند ربه***ومن قال: لا، يقرع بها سنّ نادم

وقوله:

يا شاهد الله عليّ فاشهد***إني على دين النبي أحمد

وقد قال المأمون بن هارون الرشيد: أسلم والله أبو طالب بقوله:

نصرت الرسول رسول المليك***ببيض تلالأ كلمع البروق

أذبّ وأحـمـي رســول الالـه***حِـمـايـة عـمّ عليه شفـيـق

ومـا أن أدبّ لأعــــدائــــه*** دباب البكار حذار الفنيق

ولـكـــن أزيـر لـهــم ســــامـيــاً*** كما زاد ليث بغيل مضيق

ومن شعره المشهور:

أنـت الـنـبـي مـحـمّـد *** قــرم أغــرّ مســـوّدُ

لـمســـوّديـن أكــارم ***طابوا وطاب المولـدُ

نعم الارومة أصلها ***عرد الخضم الاوحدُ

هشم الرميكة في الجفا***ن وعـيش مكة انكـدُ

—————————

السلام عليك ياعم رسول الله صلى الله عليه وآله و كافله, السلام عليك يا والد ولي الله ووصي رسوله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*