الخط العربي والتقنية الحديثة بين الانقياد والتعايش الخلاق
الحكمة – متابعة: تواصل التقنية الحديثة زحفها على شتى مناحي الحياة وحتى كلاسيكياتها التي ظلت لقرون حصينة منيعة، ويقف الخط العربي في السياق، حالياً، أمام سيطرة “الخطوط الحاسوبية” موقفاً يرى البعض أنه عصيب وغامض، بينما يرى آخرون أنه سيظل معه صامداً وقادراً على تخطي كل ما يعترضه من أنواء العاصفة، لا سيما أنه ـ وبحسب خطاطين ـ مرتبط باللغة العربية، لغة القرآن الكريم، وباق ببقائها.
“لا جدال في أننا نعيش عصر الآلة والسرعة، لكن يظل للإبداع اليدوي نكهته ومكانته التي لا يدركها غير المبدعين”.. بهذه الكلمات بدأ الخطاط محمد شعبان محمد(43 عاماً)، حديثه حول المسألة، موضحاً أنه في الأصل مدرس لغة عربية، ولكنه ورث موهبة الخط عن والده منذ كان طفلاً في المرحلة الابتدائية، ونمت الموهبة معه حتى صارت لا تنفصم عن شخصيته، مشيراً إلى أنه ورغم امتلاكه أكثر من حاسوب في بيته، حريص على تنظيم دفاتره ومهامه الوظيفية من خلال خط يده.
وأضاف “طلب إلي العديد من أهالي الطلبة تعليم أبنائهم الخط العربي وفنونه، وهذا ينبئ بالمكانة المتميزة التي يحتلها هذا الفن في قلب المواطن العربي، بل إن النشء أنفسهم هم من يطلبون مني ذلك. وأجد بالفعل، متعة كلما تبينت التلاميذ حريصين على تعلم أصول الخط العربي”.
إبداع لا ينضب
في الاتجاه ذاته، وبينما يعترف الخطاط مصطفى عُمَري، بأن التكنولوجيا وإهمال اللغة أثرا سلباً على فن الخط، يؤكد أنها أيضاً أضافت إلى الخط في أمور عديدة، وانتقصت منه في أمور أخرى. كما يوضح أنه برغم سيطرة التقنية على مجريات الأمور في الوقت الجاري، ظهر في المقابل، خطاطون متميزون، ليس فقط على مستوى الوطن العربي، بل حتى من بلاد أجنبية.. وهو ما أحدث انتعاشة جيدة في مجال الخط العربي، تدعمها مسابقات دولية تقام في العديد من الدول. وأكد عُمَري أن التقنية سلاح ذو حدين، إذ تكون ذات تأثير سلبي مع الخطاط غير المتمكن.
وأضاف “لست قلقاً على حال الخط العربي، فهو باق ببقاء القرآن الكريم واللغة العربية، ومهما نافسته التقنية سيظل صامداً بما يحمله من ينابيع إبداع لا تنضب”.
التكنولوجيا تكسب
يرى محسن مهدي، صاحب إحدى المطابع الدعائية، أن الخط لم يعد مفضلاً لدى المشاهدين، لأن الخط اليدوي ليس وحده القادر على جذب انتباه الجمهور في إعلانات الطرق، فالغلبة حالياً للتكنولوجيا القادرة على لفت انتباههم، نظراً لاستخدامها الألوان والأشكال ودخول الفوتوشوب والصور. وكذا فإن التقنية ليست مكلفة بقدر استخدام خطاط، بفعل المجهود الذي يقوم به في الكتابة، إلى جانب سهولة تعديل الخطأ، وهذا على عكس الخطاط الذي ربما يضطر مع وقوع الخطأ، إلى البدء من جديد في لوحة أخرى.
دمج
يوضح مصمم الغرافيك، حاتم عرفة، أن التكنولوجيا مجرد أداة في يد مستخدميها، فمن لديه الوعي بقواعد الخط العربي وتاريخه، سيحقق فكرته الأساسية ويخرجها في أفضل شكل، سواء أكانت أداته في ذلك القلم أم الكمبيوتر، أم كليهما معاً. ويتابع: بديهي أن فناً عميقاً وثرياً كالخط العربي قادر على الاندماج في أي شكل ومع أيّة أداة، وأنا ضد من يعتبرون أن التكنولوجيا عدو للفن اليدوي.. فما الضير في أن يدمج الإبداع اليدوي مع الرقمي لإخراج منتج يراعي أصول الخط، وبسرعة الإنجاز التي توفرها التقنية.
مواكبة
يشير الخطاط عبدالغني شعير، إلى أنه كلما جاء عصر يجب على فن الخط مواكبته وإلا انقرض، وهذا ما حدث منذ العصر العثماني عندما جرى استخدام الخط من أجل كتابة المصاحف أو في تزيين حوائط المساجد. ويبين أنه ومع بدايات استخدام الحاسب في الوطن العربي تعرض الخط العربي لقدر من التراجع نظراً لعدم وجود ربط بينه وبين التكنولوجيا الحديثة، لكن بعد أن جرى إيجاد هذا الربط خلال السنوات الأخيرة، عادت الأضواء مرة أخرى إلى الخط العربي، باعتباره وسيلة جيدة للترويج الدعائي أو للوحات الفنية.. وغيرها من الاستخدامات. ويختم “يجب على الخط أن يواكب أي وافد جديد.. وما يجب على الخطاط هو تطويع العمل بالشكل الجديد المعاصر لخدمة احتياجاته، ورغبة الجمهور”.
تطور
يشدد خطاطون معروفون، على أنه لا تعارض بين التقنيات الحديثة والخط العربي، فالتكنولوجيا يجب أن تكون وسيلة لاستمرار تطور وتألق هذا الفن السحري، الذي تطورت أدواته منذ القدم من الكتابة بفرشاة مصنوعة من شعر الحصان، وبوساطة الخشب والقصبة والمعدن وريشة الطاووس، وكُتبت على الورق والجلد وحفرت في الخشب والحجر ونقشت على الزجاج والمعادن والمجوهرات وطُبعت على الأقمشة. إذاً، من الطبيعي جداً في عصر كهذا أن يتطور هذا الفن معها، وإلا لصار فناً عاجزاً ضيق الأفق.
(البيان)
س ف
فيل: الخط للفقير مال، وللغني جمال، وللأمير كمال، وللرجال عز وفخار.