تركيا تقدم شرحًا جديدًا للأحاديث النبوية يواكب العصر
أصاب القلق علماء الدين في العالم الإسلامي قبل خمسة أعوام بسبب تقارير إخبارية تفيد بأن تركيا تعتزم القيام بتجميع جديد لأحاديث النبي محمد(ص) قد تستبعد منه تلك التي ترى أن وقتها قد انقضى.
وتلقى كبار رجال الدين الأتراك وعلمائه اتصالات هاتفية من أطراف يساورها القلق تساءلت فيها عن التقارير الإعلامية الغربية التي تقول إنهم بصدد تنقيح مجموعة من الأحاديث وإعادة تفسيرها بشكل جديد تماما.
وسأل عالم عربي غاضب أكاديميًّا تركيا وقال له “هل ستكتبون نصًّا قرآنيا جديدًا؟”
ذلك العمل الجديد الذي استغرق تجميعه ستة أعوام لا يشبه الأطروحات الخمس والتسعين التي أدان فيها مارتن لوثر ممارسات في الكنيسة الكاثوليكية الرومانية وأطلق فيها حركة الإصلاح البروتستانتي بل اختار مؤلفو الكتاب المئة بضع مئات من بين نحو 17 ألف حديث نبوي لاستعراض الرؤية الإسلامية للدين والحياة بأسلوب يفهمه الأتراك العاديون المعاصرون.
وقال محمد أوزافسار مدير المشروع ونائب رئيس هيئة الشؤون الدينية الحكومية في أنقرة “لم نعد نعيش في القرن العشرين… صرنا في حاجة إلى عمل جديد يعرض المعتقدات الإسلامية من منظور ثقافة اليوم.”
ورغم أن جمع الأحاديث ليس بشيء جديد في التاريخ الإسلامي إلا أن ما يميز هذا العمل هو انتقاء وشرح الأحاديث من منظور تركيا المعاصرة التي أثار جمعها بين الدولة العلمانية والاقتصاد النشط والمجتمع الإسلامي اهتماما كبيرا في الشرق الأوسط منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي قبل عامين.
وفي مصر حيث يختلف علماء الأزهر وجماعة الإخوان المسلمين والسلفيون بشأن قضايا رئيسية في الدين قال مسؤول ديني كبير إن كتاب الأحاديث الجديد قد يضفي منظورًا جديدًا على هذا الجدل.
وقال إبراهيم نجم مستشار مفتي الديار المصرية إن هناك ترحيبًا بين المفكرين في مصر لهذا التفسير الجديد الذي يعتقدون أن عرضه على العالم العربي مهم للغاية.
وأثار مشروع الأحاديث النبوية الانتباه للمرة الأولى عام 2008 عندما وصفته هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) بأنه “تفسير ثوري للإسلام وتحديث جذري للدين مثير للجدل.”
ووصفت هيئة الشؤون الدينية التركية وهي أعلى هيئة إسلامية في تركيا هذه التقارير وغيرها بأنها “لا أساس لها من الصحة” وتستند إلى قراءة مسيحية خاطئة للتطبيق الإسلامي. وقل اهتمام الإعلام بهذه المسألة ومضى المشروع قدمًا مما ترك العلماء في الخارج يتساءلون عما يمكن توقعه.
وأثمر هذا المشروع عن موسوعة من سبعة مجلدات تضم ما يعتبرها المؤلفون أهم أحاديث النبي محمد(ص). وتم تقسيم الأحاديث بحسب موضوعاتها متبوعة بمقالات قصيرة تشرحها في سياقها التاريخي وتوضح ما تعنيه اليوم.
ويؤمن العلماء الأتراك بمبدأ “الحداثة المحافظة” وهو مذهب سني يستند إلى المبادئ الأساسية للإسلام بدون الآراء التي تلتزم التزامًا حرفيًّا بالنصوص والتي يروج لها مسلمون متشددون في مناطق أخرى من العالم الإسلامي.
وقال أوزافسار مدير المشروع “هناك رؤى مختلفة في العالم الإسلامي والبعض أفقه ضيق. أما الأتراك فلديهم رؤية مختلفة للثقافة الإسلامية.”
وتتضمن الرؤية التركية تقليدًا علمانيًّا راسخًا يسمح بتناول المشروبات الكحولية وارتداء النساء للأزياء الغربية رغم أن المجتمع التركي صار أكثر محافظة وتدينًا في العقد الماضي في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية. ويوجد في تركيا أيضًا واعظات في المساجد ونائبات للمفتي في عدد من المدن الكبرى.
وقال محمد باجاجي المدير العام للشؤون الخارجية في هيئة الشؤون الدينية التركية إنه لا ينبغي على المسلمين ببساطة “أن يفتحوا المصحف أو أحد كتب الأحاديث ويقرأوا آية أو نص حديث للنبي ثم يقولون هذا هو الحكم على هذا الفعل.”
وقال لرويترز “إذا فعلنا ذلك سيكون جهلًا واتباعًا للمعنى الحرفي… وللأسف عندنا هذا الجهل في العالم الإسلامي.”
ورغم أن هذه المجموعة والكثير من الكتب الدينية التركية الأخرى التي صدرت في الآونة الأخيرة لم تترجم إلى العربية إلا أن تلك الآراء أثارت اهتمامًا بين المفكرين العرب الذين يسعون حثيثا للتوفيق بين الإسلام والديمقراطية الحديثة.
وقال نجم إن وفودًا دينية تركية باتت تقوم بزيارات منتظمة للأزهر في القاهرة وبدأت ترجمات عربية لأعمال عالم الدين التركي الراحل سعيد النورسي في الظهور بالمكتبات في العاصمة المصرية.
وأضاف نجم “المفكرون المصريون معجبون بالنموذج التركي ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والسياسي بل كذلك في توجهه الديني المعتدل” مضيفًا أن تركيا تعتبر نقيض النموذج الوهابي السلفي.
وبدأت المطابع تدور لإصدار الطبعة الأولى من الكتاب الجديد الذي يحمل عنوان “الإسلام والأحاديث النبوية” باللغة التركية. ومن المقرر إصداره رسميًّا خلال شهر رمضان الذي يبدأ أوائل يوليو تموز.
وخلال تقديمهم لأول مجموعة من المجلدات الجديدة قال المسؤولون إن موضوعاتها تتناول القضايا المعاصرة مثل حقوق المرأة لكنهم لم يقدموها كخلاصة للمواقف الرسمية التي يجب أن يدعو إليها الأئمة أو ينفذها القضاة.
فعلى سبيل المثال تأتي مسألة تعليم الفتيات في باب التعليم الذي يبدأ بالحديث “طلب العلم فريضة على كل مسلم” مكتوبًا باللغة العربية إلى جانب عدد قليل من الأحاديث التي تدعمه مرفق أسفلها الترجمة التركية.
ويتبع هذه الأحاديث عدد من الصفحات المكتوبة بالتركية تشرح كيف أن التعليم حق للإناث أيضًا لما نص عليه الحديث من أن طلب العلم فريضة على جميع المسلمين.
وقال أوزافسار إن الأحاديث التي تدعو إلى تطبيق الحدود مثل قطع يد السارق وضعت في سياقها التاريخي ومن ثم لم تتخذ كنماذج للعصر الحديث.
وأضاف “يمكن أن تجد هذه العقوبات في عهد النبي لأن المجتمع كان بحاجة إلى هذه القواعد لإحلال السلم الاجتماعي… أما اليوم فلدينا نظم اجتماعية مختلفة. ومن ثم يمكننا أن نقول إن هذه القواعد والعقوبات تاريخية.”
وقال سابان علي دوزجون الأستاذ بكلية علوم الدين بجامعة أنقرة إن الأئمة يحبون تدعيم خطبهم الدينية بالأحاديث لأنها تتناول الكثير من نواحي الحياة اليومية. ولكنهم إذا رجعوا للكتب الأصلية فقد يختارون أحاديث لا تتناسب مع الحياة في تركيا الحديثة.
وأضاف “نعارض استخدام الائمة للكثير من الأحاديث
وقال إنه مع صدور هذا المرجع الجديد من هيئة الشؤون الدينية التي تعين الأئمة فإن معظم الدعاة الأتراك لن يستخدموا إلا الأحاديث والشروحات الواردة في المجموعة الجديدة.
وبينما أعدت هذه المجموعة للاستخدام المحلي في المقام الأول بدأت الهيئة ترجمتها إلى اللغة البوسنية وهي لغة المسلمين في يوغسلافيا السابقة والذين خضعوا للحكم العثماني في وقت من الأوقات.
وقال مسؤولون بهيئة الشؤون الدينية إن الهيئة تدرس أيضًا إصدار طبعة تجمع بين اللغتين التركية والألمانية للأقلية التركية الكبيرة في ألمانيا.
وأضافوا أنه ليس من المقرر في الوقت الراهن إصدار طبعات بلغات مثل العربية والإنجليزية ولكن دور النشر في مصر وبريطانيا أبدت مؤخرًا اهتمامًا بترجمة المجموعة حتى تتوفر على نطاق واسع قريبًا.
المصدر: رويترز