لماذا فصلتني من العمل؟
إيريك بارتون
كاتب صحفي
الحكمة – متابعة: لم أكن أتوقع على الإطلاق أن أسمع مرة ثانية صوت أول شخص قمت بفصله من العمل.
ولكن ها هي تكلمني هاتفياً بعد ست سنوات من فصلها. تبادلنا المجاملات الأولية، ثم انتقلتْ على الفور إلى التحدث عن سبب اتصالها، الذي تلخص في قولها “أود أن أعرف سبب فصلي من العمل”.
أعادني سؤالها مباشرة إلى عام 2008، وإلى أول بضعة أشهر صعبة في ذلك العام، عندما بدأت العمل في التحرير بإحدى الصحف. وكجزء من عملية تقليص النفقات، كان علي أن أقيل المحرر الثاني في الصحيفة، وهو رجل في السبعينيات من العمر، وكان يوماً ما مرشدي في العمل.
كما تطلبت الإجراءات من المراسلين كتابة قصص ومدونات أكثر، وبميزانية أقل. وعندما فشلت إحداهن في إنتاج ما هو مطلوب منها، اضطررت لفصلها من الوظيفة.
ومع أني طبّقت الإجراءات المتبعة، لم أكن متهيئاً للتبعات النفسية لذلك الإجراء، وقلة النوم، والمشاعر المتواصلة من انعدام الثقة بالنفس، وصولاً إلى اتخاذ ذلك القرار.
عندما حل ذلك اليوم، التقيت بها مع رئيس قسم الموارد البشرية، وأعلمتها بالخبر. تبادر لي أن الحال سار على ما يرام، ولم تطلب هي مني أي شرح أو تفصيل عن سبب القرار. بدا وكأنها كانت تعلم أن ذلك سيحصل.
مع ذلك، فإن مكالمتها الهاتفية التي حصلت بعد سنين لاحقة كشفت لي أنني ربما لم أقم بما كنت أراه عملاً متقناً. لعلي لو كنت هيأتها مسبقاً بشكل أفضل لتلقّي الخبر، وشرحت لها بوضوح كيف وصلنا إلى تلك اللحظة، لما كانت هناك ضرورة أبداً إلى تلك المكالمة الهاتفية بعد كل تلك السنين.
الحقيقة هي أنه ينبغي على الموظفين أن يعلموا مسبقاً عن سبب فصلهم من العمل. وسواء كان الإجراء طرداً من الوظيفة، أم تسريحاً من العمل، فإنه لا يجب مفاجأة أحد بخبر مثل هذا.
إتقان الدور
إن أخطائي القديمة تلقي الضوء على ما يعتبر مهماً للمديرين أن يجيدوا القيام به عندما يفصلون شخصاً من العمل. يتعلق الأمر بشعور الشخص الذي يُفصل من العمل، في وقت يكون فيه قد عمل لصالح مؤسستك.
كما يتعلق الأمر أيضاً بالمعايير المتبعة في مؤسستك، والتي ينبغي أن تتضمن أنك يجب أن تهتم بكل موظف لديك حتى آخر لحظة في عمله.
يبدأ كل ذلك بخطوتين، كما يقول قسطنطين كوروتوف، الأستاذ المساعد في السلوك التنظيمي، ومدير مركز بحوث تنمية القيادات بكلية إدارة الأعمال في برلين، بألمانيا. أولهما، أنك عملت كل ما بوسعك للحفاظ على وظيفة ذلك الموظف.
يقول كوروتوف “قبل فصل أي موظف، يجب على المدير أن يكون قادراً على قول ما يلي: كنت مديراً جيداً لهذا الشخص.”
وتأكد من أنك تتعلم شيئاً من تلك التجربة، لكي لا تعيد نفس الأخطاء مع موظفين آخرين يعملون عندك، حسب قول كوروتوف.
وثانيهما، على المديرين أن يعرفوا تبعات طرد موظف ما من العمل. وبالنسبة لمن يوظف فرق عمل عالمية، فمن المرجح أن تختلف العواقب باختلاف المجتمعات والثقافات.
كما توجد نواحي قانونية للمسألة، حيث تتطلب قوانين بعض الدول تزويد الموظفين بوثائق مطولة قبل طردهم من الوظيفة.
والأهم من ذلك، الوقع المؤثر لعملية الفصل من العمل على ذلك الموظف. فبالنسبة لبعض العاملين، يكون لذلك الأمر وقع قوي؛ مثل حصول وفاة في العائلة.
كما أن هناك الوصمة الاجتماعية المرتبطة بفكرة أن هذا الشخص بات عاطلاً عن العمل. وفي بعض الأقطار، خاصة في أجزاء من آسيا، يعتبر الأمر عاراً على الشخص سيحمله على أكتافه، كما يقول كوروتوف.
سيؤثر ذلك الإجراء على ديناميكية العمل في المكتب أيضاً، إذ أن بقية الموظفين سوف يتساءلون عما سيعنيه ذلك لهم، بحسب رأي راندل بيترسن، أستاذ السلوك التنظيمي بكلية لندن لإدارة الأعمال.
ربما سيوجه ذلك ضربة لمعنوياتهم، خصوصاً إذا ما تم تسريح الشخص المفضل الذي يتحدث عنه الجميع. ولكنه يمكن، من ناحية أخرى، أن يحسن ديناميكية العمل في المكتب، إذا ما كان الشخص الذي طردته من العمل ثقيلاً على الجميع.
بسبب قوانين التوظيف أو سياسات الشركات، ليس بمقدور المديرين دوماً أن يشرحوا لبقية الموظفين الأسباب الحقيقية وراء تسريح أو طرد زميل لهم من الوظيفة. لكن، عليك التأكد من أن القرار المتخذ منصف من الناحية الإجرائية، كما يقول بيترسن.
يعني هذا إبداء التعاطف أثناء الاجتماعات، والاستماع باهتمام إلى ما يقوله الموظفون المسرحون من العمل، والشرح الوافي والصريح لكيفية الوصول إلى نقطة اللاعودة تلك. يمكن لتلك الاجتماعات أن تتحول بسهولة إلى مشادات كلامية إذا لم يسيطر عليها المدير.
يقول بيترسن “بقدر تعلق الأمر بالموظف المفصول، فليس للآخرين ما يخسرونه. لا تستطيع ببساطة أن ترد على ذلك النوع من السلوك. الأهم في المسألة هو السيطرة على الاجتماع”.
الضريبة الوجدانية
يعود السبب في ذلك إلى وجود شيء من الشك بالذات دوماً. في كلتا الحالتين، لا ينبغي للمديرين أن يحاولوا أن يكونوا في مأمن من التأثيرات السلبية، وقلة النوم، والحالة المزاجية التي تتسم بالعصبية.
يقول دالزيل “إذا وصلت الأمور إلى اللحظة التي تصبح فيها مجرد محادثة أخرى عن العمل وإدارته، فإنه سيكون يوماً حزيناً تمرون به.”
لا شك بأنني عانيت من قلة النوم وشعرت بتدهور صحتي في أول مرة قمت فيها بفصل موظف من العمل. وقد عاودتني فجأة تلك المشاعر عندما اتصلت بي تلك الموظفة بعد عدة سنين لاحقة.
ولأشهر تالية، من اتصالها الهاتفي، كنت أتساءل مع نفسي عن كيفية معالجتي للقضية بشكل أفضل. لذا، اتصلت أنا بها ثانية. فقد وجدت بريدها الإلكتروني عبر صديق مشترك لنا. سألتها إن كانت تريد التحدث إليّ ثانية لتشرح لي لماذا قررت الاتصال بي بعد كل تلك السنين.
فكان جوابها “لم أفهم الأمر تماماً، وكنت فقط أريد أن أعرف إن كانت هناك أسباب أخرى.”
حسب رأيها، لم أقم كمدير لها بمساعدتها في فهم ما جرى بشكل كاف، أو في التمهيد لها مسبقا بشأن قرار فصلها من العمل قبل حصوله في ذلك اليوم.
وأضافت قائلة “كنتَ مهذباً، وكان أسلوبك حضارياً، ولكننا أبقينا على الأمور بشكل سطحي.”
إنها تعمل الآن مراسلة لشركة أمريكية كبيرة في مجال الإعلام. إلا أنها مرت بوقت تأثرت فيه بذلك الفصل من العمل إلى درجة أنها فكرت في ترك العمل الصحفي كليةً. وأضافت “إن الأمر جارح لاحترام الذات بطرق غير متوقعة.”
مع كل الأسف، توجب علي فصل أشخاص آخرين من الوظيفة منذ عام 2008. لكني آمل أن يخبرني أولئك الموظفون السابقون أنني قمت بمهمتي بإنصاف. ومثل جميع المديرين، آمل أن تكون هذه مهارة مكتسبة، لكن يكون استخدامها نادرا قدر المستطاع.
من المرجح أيضاً أن يحتاج المدير للتعامل مع الصدمة الوجدانية لإيصال مثل تلك الأخبار. يعرف جوليان دالزيل ما يعنيه ذلك بالضبط. فعندما كان نائب رئيس شركة “شل” النفطية، ومشرفاً على إدارة الموارد البشرية للشركة في الولايات المتحدة الأمريكية، نال نصيبه من تجربة تسريح موظفين عن العمل.
ليس الأمر سهلاً على الإطلاق، حسبما يقول دالزيل. إلا أن أكثر الأوقات صعوبة كانت عندما توجب عليه أن يبلغ صديقاً قديماً له، دامت صداقتهما لما يقرب من 30 عاماً، بأنه سيُفصل من الوظيفة.
كانت تلك اللحظة قاسية، بقدر قسوة الإشراف على موجة لتسريح الموظفين عن العمل في عام 1999، والتي طالت 1,000 موظف.
يتذكر دالزيل ذلك قائلاً “الأمر سهل من الناحية المجرّدة، عندما تتحدث عن نسبة من قوة العمل. ذلك صحيح، حتى تلتقي وجهاً لوجه مع الناس الذين سيفقدون وظائفهم. وقتها، يصبح الأمر شخصياً جداً.”
ويعمل دالزيل حاليا محاضرا في كلية موور لإدارة الأعمال بجامعة كارولاينا الجنوبية.
ويضيف دالزيل أنه من الأسهل على مدير أن يتعامل ذهنياً مع تسريح أو فصل موظف من عمله، مقارنة بطرده من العمل بناء على أدائه الوظيفي.
(BBC)
س ف