عندما يسألونك عن التخلف في العالم العربي… قل اسألوا عن أحوال الجامعة

389

27qpt477د. حسين مجدوبي

■ عندما تزور مدينة أوروبية أو أمريكية من ضمن ما يثير ويسترعي الانتباه، وجود مظاهر تحتفي بالجامعات العريقة التي توجد في المدينة، وهذا التقليد يغيب في دول العالم العربي.

ويعود هذا الفارق إلى مكانة الجامعة في الغرب والدول التي تهدف إلى الريادة, والمكانة الهامشية التي تحتلها في العالم العربي. وهذا معيار مهم لمعرفة دور الجامعة في تنمية المجتمع من جهة، وفي الأهمية التي توليها الحكومات لقطاع التعليم. وهكذا، عندما تحط الرحال كمقيم أو زائر لأي مدينة أوروبية، من ضمن ما ترصده، وإن لم تكن مهتما بالعالم الثقافي والجامعي، الهالة التي تمنح وتعطى لجامعة المدينة، إذ تسعى المؤسسات وبتشارك، مثل البلدية والغرف التجارية والمصانع والبنوك إلى جعل الجامعة محورا رئيسيا لهذه المدينة، ويتعدى الأمر إلى اهتمام مؤسسات وطنية في الجامعة في حالة الجامعات العريقة. وكاتب هذه السطور مثل الكثير من العرب وقف على هذه الظاهرة الإيجابية للغاية في المجتمعات الغربية.

وهكذا، عندما يحل المرء في باريس، سيجد، الكثير من الفرنسيين يلبسون قمصانا تحمل اسم جامعة السوربون، ويحدث هذا في جامعات أخرى مثل غرناطة وروما. ويصل إلى نوع من القداسة في حالة الجامعات الأنكلوسكسونية عندما يتعلق الأمر بجامعات مثل هارفارد وكمبريدج وبرينستون وأكسفورد، اسم الجامعة مطبوع على القمصان والكؤوس والأقلام والمحافظ، وهي تقاليد تنافس حتى أعرق الفرق الرياضية مثل، ريال مدريد أو مانشستر يونايتد. وبدأت الظاهرة تنتقل بقوة إلى دول آسيوية مثل والصين وكوريا الجنوبية وأخرى من مناطق من العالم مثل البرازيل والهند. والقمصان التي تحمل هذه الأسماء لا تعكس نوعا من الموضة في الملابس على شاكلة دور الموضة الشهيرة، بل تعكس في العمق الدور المهم الذي تحتله الجامعات في حياة المجتمعات في الغرب والدول الصاعدة. وعمليا، لا يمكن نهائيا فهم تطور الغرب بدون الدور الذي لعبته الجامعات وتلعبه في الوقت الراهن. وتكشف التجربة استحالة تحقيق أي دولة من دول العالم التقدم والريادة إذا لم تكن تتوفر على سلسلة من الجامعات ذات المستوى الأكاديمي المرموق. تكون البوصلة الحقيقية لقيادة المجتمع نحو التقدم والازدهار، ولا يمكن فهم الرخاء الأمريكي والتقدم التاريخي لهذا البلد بدون معرفة المساهمة القيمة لجامعات مثل شيكاغو وبرينستون وهارفارد واستانفورد.

ولا يمكن استيعاب القفزة النوعية التي تحققها الصين بدون الدور الذي تكتسبه جامعات مثل جامعة بكين وشانغهاي في الوقت الراهن ومستقبلا، من خلال برامجها العلمية البحثة وتوزيع المنح عالميا لاستقطاب العقول والخبرات، إذ لم يعد الغرب وحده يستقطب خيرة الطلبة والباحثين. ويقف المرء متعجبا عندما يطلع على ميزانية بعض الجامعات العريقة، وهي تفوق ميزانية دول أفريقية صغيرة، لكن التعجب يغيب عنه عندما يرى مدى المساهمة الرائعة للجامعة في اقتصاد البلاد ويرى نسبة الجوائز العالمية التي تحصل عليها هذه الجامعات ومنها، جائزة نوبل الشهيرة.

في المقابل، تقاليد الجامعة الغربية تغيب في العالم العربي، لن تجد ولو مدينة تفتخر بجامعاتها وأنشأت تقاليد على شاكلة الجامعات الغربية، نعم توجد جامعات عريقة وتاريخية مثل القرويين في المغرب والأزهر في مصر، لكنها جامعات تنتج الفكر الديني. ومن خلال استعراض تاريخي، نجد فترات معارضة العلم والاجتهاد والانفتاح، كانت السمة البارزة لهذه الجامعات التاريخية على حساب التشجيع على البحث والتقدم. ومن باب المقارنة، مقارنة الدور الذي يقوم به الأزهر حاليا مع مؤسسة مثل برينستون.

انتشار الجامعات في العالم العربي حديث مقارنة مع الغرب، فهو يعود بشكل محدود إلى الفترة الاستعمارية في بداية القرن العشرين، مع بعض الاستثناءات، وانتشرت بشكل ملموس ابتداء من عقد الستينيات. وطيلة نصف قرن، لا تجد الجامعات العربية مكانة لها في خريطة الجامعات الدولية، فباستثناء حالات نادرة للغاية حتى لا يمكن التعميم بالنفي، لا توجد ولو جامعة عربية واحدة ضمن مئة أفضل جامعة في العالم، وأحيانا بالكاد تحضر جامعة أو اثنتان في تصنيف الخمسمئة جامعة التي تشرف عليها مؤسسات دولية. ويحدث أحيانا في دول عربية أن يكون ما يتقاضاه مغن شهير في مهرجان غنائي يفوق ميزانية البحث العلمي لمدة سنة في جامعة معينة، وهذا ليس من باب المبالغة، فكاتب هذه السطور وقف على حالات في دولة المغرب. وتوجد دول خصصت ميزانيات ضخمة لجامعاتها مثل بعض الدول الخليجية، لكنها تفتقد للرؤية الثاقبة، بعدما اعتمدت استراتيجية فتح فروع جامعات غربية واستيراد برامجها التي ليس بالضرورة تلائم المجتمعات العربية.

الجامعة في العالم العربي أصبحت مرتعا للفساد الإداري، بعدما تحولت إلى امتداد للسلطات الحاكمة، إذ يكاد يكون عمداء الجامعات رؤساء أقسام شرطة في الكثير من الدول، كما أصبحت مصنعا لتفريخ «العاطلين»، الطلبة الذين لا يستطيعون الاندماج في الحياة العملية بسبب فشل البرامج الدراسية المتبناة. قد يربط البعض تطور الجامعات بوجود أجواء الحرية، هذا رأي صائب، لكن يحدث أن تتقدم الجامعات وتساهم في تقدم بلدانها، بدون وجود أجواء الحريات، كما حدث في الاتحاد السوفييتي سابقا والصين حاليا، فالعملاق الآسيوي يقدم مثالا بارزا في هذا الشأن. فقد أبانت التجربة عن الارتباط الوثيق بين تقدم الدول والتقدم الذي تحققه جامعاتها. ولهذا، عندما يسألونك عن التخلف في العالم العربي، فقل لهم: اسأل عن أحوال الجامعة العربية.

٭ كاتب مغربي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*