الشيخ البهائي: بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي الحارثي

633

m-29-07-2015-05-e1438152244544ولد الشيخ البهائي (رض) في بعلبك سنة 953هـ. وأصله من جبل عامل موطن آبائه وأجداده تلامذة أبي ذر الغفاري (رض).

وعندما بلغ السابعة من عمره نقله والده إلى أصفهان عاصمة الدولة الصفوية آنذاك هرباً من الاضطهاد المذهبي في بلاد الشام الذي أودى بحياة الشهيد الثاني سنة 966هـ.

وتلقى البهائي هناك مختلف العلوم والفنون من دينية وكونية كالفلك والرياضيات، والفقه والأصول، والحكمة والأدب، وعلوم القرآن والحديث. وكان له من المستوى العلمي ما خوّله لتزعّم مشيخة الإسلام.

وقد ترك آثاراً عجيبة مدهشة, لا تزال موضع حيرة المفكّرين، ودهشة المؤرخين والسائحين، كما في أصفهان ومنها بناء مسجد شاه عباس الكبير، وإنشاء حمام على شمعة لا تنطفئ، وتشييد المنارتين المهتزّتين، وهندسة مشهد الإمام علي (ع) في النجف الأشرف.

وتنسب إليه غرائب مدهشة في علم النجوم وغيره…

رحلاته:

ومن أهم أخباره أنه اعتزل الحياة العامة قرابة ثلاثين سنة، ساح خلالها في مختلف البلاد الإسلامية. وقد اختار لنفسه التقشّف والزهد وبساطة العيش بالرغم من شهرته الواسعة.

وقد التقى في أسفاره بكثير من العلماء والشخصيات البارزة، وله مع بعضهم ذكريات وأخبار وقضايا. وقد اجتمع في مصر بأهل الفضل فيها، كمحمد بن أبي الحسن البكري وكان يلبس زي الدراويش حتى لا يعرف.

ولما ورد دمشق نزل بمحلة (الخراب) عند أحد التجار، واجتمع به الحافظ الحسين الكربلائي القزويني صاحب الروضات.

ويذكر أنه ألتقى بالحسن البوريني في مجلس ضمّ غالب فضلاء المحلّة، والبوريني لا يعرفه الى أن أورد الشيخ بحثاً في التفسير عويصاً، حتى لم يبق في المجلس من يفهمه إلا البوريني، ثم أغمض في العبارة حتى لم يفهم البوريني نفسه! فنهض الأخير واقفاً على قدميه وقال: إن كان ولا بدّ فأنت البهائي الحارثي، إذ لا أحد اليوم بهذه المثابة إلاّ هو، فاعتنقا. ثم رحل الشيخ إلى حلب خشية القتل، ومنها عاد إلى أصفهان حيث اتصل به الشاه عباس الكبير، وأسند إليه مشيخة الإسلام من جديد.

البهائي والداماد:(1)

كان السيد الداماد عظيم الجثة والشيخ البهائي نحيفاً، وكانا مرة في نزهة برفقة الشاه عباس الكبير فأراد اختبار صفاء الخواطر بينهما.

فقال للداماد ـ وقد تأخّر فرسه وظهرت عليه آثار التعب ـ: انظر إلى الشيخ كيف تقدّم بفرسه ولم يمش على وقار كما تمشي أنت! فأجابه الداماد: أيها الملك إن جواد الشيخ قد استخفّه الطرب بمن ركبه، فهو لا يستطيع التأني، ألا تعلم من الذي ركبه؟!

ثم قال الشاه للشيخ البهائي: يا شيخنا ألا تنظر إلى هذا السيد كيف أتعب مركبه بجثمانه الثقيل؟! والعالم ينبغي أن يكون مرتاضاً مثلك خفيف المؤونة! فأجابه: أيها الملك إن جواد السيد أعيى بما حمل من علمه الذي لا تستطيع حمله الجبال الرواسي.

عند ذلك نزل الشاه عن جواده وسجد شكراً لله على صفائهما النفسي.

أقوال العلماء فيه:

حظي البهائي بإعجاب العلماء وأصحاب التراجم، فقد مدحوه ببالغ المدح، وأثنوا عليه الثناء الجميل.

يقول المنيني عنه: (صاحب التصانيف والتحقيقات، وهو أحق من كل حقيق بذكر أخباره ونشر مزاياه، وإتحاف العالَم بفضائله وبدائعه. وكان أمة مستقلة في الأخذ بأطراف العلوم، والتضلّع في دقائق الفنون…)

وقال الشيخ محمد رضا الشبيبي: (لقد استرعى نظري… أنّ جملةً من كتب الشيخ حافلة بفوائد فلسفية، مضافاً إلى بحوثه الأخرى في الرياضيات والفلك… شارك مشاركة عجيبة في جمع العلوم والفنون المعروفة في زمانه عقلية ونقلية).

كتبه المطبوعة:

نذكر قسماً منها فقط :

1ـ الحبل المتين في الأحاديث الصحاح والحسان. 2ـ رسالة في علم الذرية. 3ـ زبدة الأصول. 4ـ الرسالة الاعتقادية. 5ـ أسرار البلاغة. 6ـ الفوائد الصمدية في النحو. 7ـ الكشكول. 8ـ قصيدة لامية في مدح النبي صلى الله عليه وآله وقصيده رائية في مدح صاحب الزمان (عج) 9- تشريح الأفلاك. 10- المخلاة. 11- خلاصة الحساب. 12- الصحيفة في الاسطرلاب. 13- الجوهر الفريد في الحكمة. 14- مفتاح الفلاح في عمل اليوم والليلة. 15- شرح الأربعين حديثاً في السنن والآداب والأحكام.

مخطوطاته

1ـ إثبات وجود القائم. 2ـ رسالة في المواريث. 3ـ رسالة في تحريم ذبائح أهل الكتاب. 4ـ حدائق الصالحين في شرح الصحيفة السجادية. 5ـ أنوار الكواكب مستفادة من الشمس. 6ـ بحر الحساب. 7ـ حل إشكال عطارد والقمر. 8ـ الجبر والمقابلة. 9ـ رسالة في مقتل الحسين (ع). 10ـ رسالة في إنكار الجوهر الفرد.

إنجازاته العلمية والهندسية:

يقول العلامة الأمين: (… كان يضع تصاميم المعاهد والمعابد والقصور وغير ذلك من الأبنية التي اشتهر هذا الملك (وهو الشاه عباس الكبير) بإنشائها، وهي مبانٍ ضخمة لا يزال جملة منها قائماً.. ومنها عمارة المشهد العلوي في النجف. وهذه التصاميم تشهد بخبرته وبراعته الفنية في فرع الرياضيات والهندسة. وقد وضع تصاميم كثيرة من تلك المعابد والمساجد على أسس فنية، يستفاد منها تعيين المواقيت الشرعية…

هذا إلى روايات أخرى شائعة عند الجمهور عن أعماله الرصدية والفلكية في أصفهان وغيرها من ديار الفرس والعرب…

ومما لا شك فيه أنّ سور مشهد أمير المؤمنين (ع) القائم اليوم يرجع إلى عصر الشاه عباس الكبير، وإن الشيخ البهائي أشرف على وضع أسسه وإنشائه….)(2).

الآثار المعمارية في أصفهان:

تضم أصفهان آثاراً خالدة متعددة، أُنشئت إبان العصر الذهبي، حتى سميت (نصف الدنيا). ومن أروع هذه الآثار تلك التي حققها الشيخ البهائي، الذي استطاع أن يحقق علومه ويخرجها إلى حيّز التنفيذ، فجاءت كالمعجزات:

1ـ ميدان تصوير العالم:

وهو عبارة ساحة مستطيلة واسعة جداً في وسط أصفهان. طولها نحو 500 متر وعرضها 150 متراً. وقد أنشئ هذا الميدان في القرن الحادي عشر الهجري ليكون مكان اجتماع للشعب أمام المقرّ الملكي. ويحتوي هذا الميدان على عدة آثار معمارية راقية، منها: مسجد الشاه عباس الكبير، مسجد شيخ لطف الله، قصر عالي قاپو.

2ـ مسجد الشاه عباس:

هذا المسجد من أعظم الروائع الأثرية، ومن أعظم وأكبر المساجد في الدنيا، في سعته ورحابته، وفي فنّ عمارته وهندسته. فهو يحوي ساحات وساحات تتوسطها البحيرات الكبيرة، وفيه من القباب المزينة ما لا يحيط به النظر. ويحيط بالصحن الاقواس المرصّعة بالقيشاني التي عمل في تنسيقها وإنجازها آلاف المهندسين المعماريين. ومن أعجب تلك القباب (قبة الصدى).

3ـ قبة الصدى

وهي عبارة عن قبّة كبيرة مكسوة من الداخل بالقيشاني، وهي مصممة بشكل هندسي معيّن، بحيث إذا وقف شخص تحتها في النقطة المقابلة لذروتها وتكلم بكلمة، فإنه يسمع رجيعها سبعة أصداء تردد الكلمة التي قالها بشكل واضح قوي. والقبة غير كروية تماماً ولا بيضوية تماماً.

4ـ الشمعة التي لا تنطفئ

ومن الآثار التي تنسب إلى الشيخ البهائي:

بناء حمام يوقد بشمعة واحدة، تشتعل على الدوام بدون وقود. وكانت تزوّد الحمّام بالماء الساخن دائماً، دون أن تذوب، وظلّ الأمر كذلك حتى جاءت بعثة من العلماء الإنكليز، فاستغربت مصدر المياه الساخنة التي لا تنتهي.

وبعد اكتشاف الشمعة أطفأوها وأخذوها إلى بلادهم للتحليل، ولكنهم لم يهتدوا إلى حقيقتها وكيفية إشعالها. (ولكنهم لم يستطيعوا إعادة إشعالها، كما لم يستطيعوا معرفة المادة التي تتألف منها. ولا تزال قصة هذه المياه الساخنة لغزاً من الألغاز في تاريخ أصفهان)(3).

5ـ المنارتان المهتزتان:

وتقعان في ضاحية أصفهان، وهما من تصميم الشيخ البهائي. ويتألف البناء من إيوان كبير عالٍ ذي قوس، وتحت القوس قبر منحوت من الحجر. وفوق الإيوان بنيت منارتان عاليتان على طرفي القوس. وفي المنارة سُلّم لولبي. فإذا صعد شخص إلى إحدى المنارتين وجعل يهزها تحرّكت تلك المنارة وترنحت من تحريكه، وفي نفس الوقت تشرع المنارة الثانية بالاهتزاز بدافع التجاوب، ويتحرك الإيوان الواقع بينهما والأساس الكامل لذلك البناء، وكذلك الأرض ومن كان واقفاً عليها. ولا يُعلم السرّ في ذلك، علماً بأن البناء هو من الآجر والجصّ لاغير.

6ـ تصميم مقام أمير المؤمنين (ع):

لقد صممّ البهائي الحُجر المحيطة بالصحن الشريف لمقام أمير المؤمنين (ع) بشكل عجيب. فلكل حجرة إيوان، وإذا حان وقت الظهر تكون الشمس قد وصلت إلى المنتصف من كل إيوان.

وفاته: في سنة 1031هـ قضى بهاء الدين العاملي نحبه، ودُفن في طوس إلى شرقي مقبرة الإمام الرضا (ع). وذلك بعد حياة مليئة بالعلوم والإنجازات المدهشة، حيث ازدهر العلم وبلغ شأوه…

ولا تزال تلك الإنجازات ماثلةً للعيان، مخلّدة ذكر البهائي، الذي تاهت العقول في تفسير منجزاته وتأويل معجزاته.

ــــــــــــــــ

(1) السيد الداماد هو المير محمد باقر بن شمس الدين، ويدعى أيضاً الحكيم الأسترأبادي من فحول علماء القرن الحادي عشر، ومن أعظم الفلاسفة المسلمين، وهو من تلامذة الشيخ حسين العاملي والد الشيخ البهائي. توفي سنة 1042 هـ.

(2) أعيان الشيعة، ج44، ص232، نقلاً عن الشيخ الشبيبي.

(3) جريدة النهار اللبنانية، الأستاذ كمال سنّو، نقلاً عن فلاسفة الشيعة، الشيخ عبد الله نعمة، ص58.

مرقد الشيخ البهائي العاملي الحارثي في طوس
مرقد الشيخ البهائي العاملي الحارثي في طوس

ك ح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*