17 من شوال.. “الخندق” يوم برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه
697
شارك
السابع عشر من شوال من السنة الخامسة للهجرة وقعت غزوة الخندق ( الأحزاب ) ولعلي بن أبي طالب عليه السلام السهم الأوفر ؛ حيث قتل رأس المشركين عمرو بن عبد ود العامري ، وبقتله تمّ النصر للإسلام .
وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين إلى يوم القيامة
عليّ (عليه السلام) في معركة الخندق
تمثّل أمام قريش الفشل في القضاء على المسلمين حقيقة واضحة، ولكنّها الجاهلية والعناد والإصرار على الكفر، فعادت قريش تتهيّأ مرةً أخرى لتوجيه الضربة القاضية للمسلمين، وذلك بالتحالف مع القبائل الجاهلية الأخرى واليهود أيضاً، حتى بلغ عددهم عشرة آلاف يقودها أبو سفيان[1]، وازداد غيظ وحقد المشركين حين واجهوا الأسلوب الدفاعي والتكتيك الحربي الّذي اتّخذه الرسول (صلى الله عليه وآله)، بعد أن استشار أصحابه فأشار سلمان الفارسي(رضي الله عنه) بحفر الخندق، غير أنّ الاندفاع والحماس والغرور بالعدّة والعدد كان قويّاً في نفوس الأحزاب المجتمعة لقتال المسلمين والقضاء على الإسلام نهائياً.
وتمكّن بعض فرسان قريش من عبور الخندق من مكان ضيّق فيه، فأصبحوا هم والمسلمون على صعيد واحد، فازداد المسلمون خوفاً على خوفهم وخرج عليّ بن أبي طالب في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم.
فوقف عمرو بن عبد ودّ يطلب المبارزة ويتحدّى المسلمين، وهدأت أصوات المسلمين أمام صيحاته وكأنّ على رؤوسهم الطير، كلّ يفكر في نفسه ويحسب لهذا الفارس ألف حساب.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): هل يبارزه أحد ؟ فبرز إليه عليّ (عليه السلام) فقال: أنا له يا رسول الله، فأجلسه النبيّ، وللمرّة الثانية والثالثة طالب عمرو المبارزة فلم يكن يجيبه إلاّ عليّ (عليه السلام) وفي كلّ مرّة كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يطلب منه الجلوس[2] ثم أذن النبيّ لعليّ بعد أن عمّمه بعمامته وقلّده بسيفه وألبسه درعه، ثمّ رفع يديه وقال: اللّهم إنّك أخذت عبيدة يوم بدر وحمزة يوم اُحد وهذا عليّ أخي وابن عمّي فلا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين[3].
وبرز عليّ (عليه السلام) إلى ساحة المعركة بعد أن قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه[4].
وانحدر عليّ (عليه السلام) نحو عمرو والثقة بنصر الله تملأ قلبه، أمّا عمرو فقد كان لقاؤه مع عليّ مفاجأة له، وفي هذا الموقف تردّد عمرو في مبارزة عليّ (عليه السلام) فقال له: يا عمرو، إنّك كنت في الجاهلية تقول: لا يدعوني أحد إلى ثلاثة إلاّ قبلتها أو واحدة منها، قال: أجل.
قال عليّ (عليه السلام): فإنّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله وأن تسلم لربّ العالمين، قال: أخّر عني هذه، قال علي (عليه السلام): أما إنّها خير لك لو أخذتها، ثمّ قال: ترجع من حيث جئت، قال: لا تتحدّث نساء قريش بهذا أبداً، قال عليّ (عليه السلام): تنزل تقاتلني.
فغضب عمرو عند ذلك ونزل عن فرسه وعقرها، ثمّ أقبل على عليّ (عليه السلام) فتقاتلا، وضربه عمرو بسيفه فاتّقاه عليّ بدرقته، فأثبت فيها السيف وأصاب رأسه، ثمّ ضربه عليّ على عاتقه فسقط إلى الأرض يخور بدمه، وعندها كبّر علي (عليه السلام) وكبّر المسلمون خلفه، وانجلت الواقعة عن مصرع عمرو، وفرّ أصحابه من هول ما شاهدوه، فلحق بهم عليّ فسقط نوفل بن عبد الله في الخندق فنزل إليه علي فقتله[5].
وتلقّت الأحزاب هذه الضربة القاسية بدهشة واستغراب، لأنّها لم تكن تتوقّع أنّ أحداً يجرؤ على قتل عمرو بن عبد ودّ، فدبّ الخوف في نفوسهم ولم يجسر أحد منهم على تكرار المحاولة إلاّ أنّهم بقوا محاصرين للمدينة فترة من الزمن حتى أذن الله بهزيمتهم حين استخدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسلوبا آخر لمحاربتهم.
وامتاز عليّ (عليه السلام) على جميع من حضروا غزوة الخندق بأمور:
1 ـ مبادرته لحماية الثغرة التي عبر منها عمرو وأصحابه، والتي تدلّ على الحزم والإقدام في مواجهة الطوارئ في ساحة المعركة.
2 ـ مبارزته عَمْراً وقتله، وقد تردّد المسلمون في مبارزته فلم يخرج إليه أحد، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) مشيداً بموقف عليّ (عليه السلام): لمبارزة عليّ بن أبي طالب لعمرو بن عبد ودّ يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة[6].
3 ـ الشجاعة والقوّة الفائقة التي ظهرت منه (عليه السلام) طوال المعركة تمثلت واضحة حينما لحق المنهزمين الذين عبروا مع عمرو بن عبد ود، وهو راجل وهم فرسان.
4 ـ الأخلاق العالية التي كان يتميز بها (عليه السلام) في شتّى المواقف، مظهراً فيها عظمة الرسالة والرسول، منها أنه لم يسلب عَمْراً درعه مع أنّها من الدروع الممتازة بين دروع العرب.
5 ـ إن قتله (عليه السلام) عَمْراً ونوفلاً ولحوقه بالمنهزمين كان سبباً في إعادة الثقة للمسلمين بنفوسهم بعدما رأوا الجمع الكبير لقريش وأحلافها، وأيضاً كان سبباً لهزيمة المشركين مع ما أصابهم من الريح والبرد وسبب خوفهم من أن يعاودوا الغزو.
6 ـ الشرف الرفيع الذي ناله عليّ (عليه السلام) بشهادة الرسول حين قال (صلى الله عليه وآله) عند مبارزة عليّ (عليه السلام): برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه[7].
__________________________________
[1] السيرة الحلبية: 2 / 631.
[2] السيرة النبوية لابن هشام : 3 / 224، تاريخ الطبري : 3 / 172، والكامل في التاريخ : 2/180، والسيرة الحلبية: 2/318.
[3] موسوعة التاريخ الإسلامي: 2 / 491 و 492، عن شرح نهج البلاغة: 19/61، وراجع المناقب للخوارزمي: 144، السيرة الحلبية: 2/318.
[4] شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 19 / 61 ، ينابيع المودة: الباب الثالث والعشرون ، رواه عن ابن مسعود ورواه الميلاني في قادتنا : 2 / 108 عن الدميري في حياة الحيوان : 1 / 248 وعن الفضل بن روزبهان : انّه حديث صحيح لا ينكره إلاّ سقيم الرأي ضعيف الإيمان . ولكنه ليس نصّاً في الإمامة .
[5] تاريخ دمشق : 1 / 150، وراجع أيضاً موسوعة التاريخ الإسلامي: 2/495.